مواقف من حياة النبي …. الرحمة بالنساء
ينشأ الرسول صلي الله عليه وسلم في بيئة شبه الجزيرة العربية التي تتصف حينها بالقسوة والغلظة ، فمن ناحية الطبيعة الجغرافية هي أرض صحراوية ، شديدة الحرارة ، تغطيها الرمال والجبال ، وقد اكتسب أهل الجزيرة العربية في ذلك الوقت من تلك الطبيعة الصحراوية قساوتها وغلظتها ، فملأت قلوبهم الجفاوة والغلظة ، فلا طريق للرحمة الي تلك القلوب في تلك البيئة القاسية ، و بالرغم من تلك الطبيعة القاسية تجد الرسول صلي الله عليه وسلم يمتلئ قلبه بالرحمة والعطف واللين .
وقد عرضنا في مقالة سابقة لرحمة النبي صلي الله عليه وسلم بالأطفال ، ونفرد الحديث هنا لرحمته صلي الله عليه وسلم بالنساء .
قبل أن نعود الي عصر النبي صلي الله عليه وسلم نلقي نظرة علي العلاقة في عصرنا الحاضر بين الأزواج لنجدها علاقة في الكثير منها قائمة علي التجاذب ، وكثرة الخلافات ، والتصادم بين الزوجين ، وليس أدل علي ذلك من ارتفاع نسبة الطلاق ، فمثلا بلغت حالات الطلاق في مصر عام 2014 نحو 211 الف و554 حالة طلاق ، فالرحمة بين الزوجين مفتقدة ، وانشغال الأزواج بطبيعة الحياة المادية أفقدهم الكثير من الرحمة والرفق ، وسيطر علي العلاقة الزوجية الغضب والانفعال ، فأقل خلاف بينهما يقود الطرفين الي الطلاق والانفصال .
نعود الي عصر النبي صلي الله عليه وسلم لنري ذلك الموقف العجيب الذي يفيض رحمة ورفق من الرسول صلي الله عليه وسلم باحدي أمهات المؤمنين ، فيروي لنا أنس بن مالك رضي الله عنه ( ان رسول الله صلي الله عليه وسلم كان عند إحدي أمهات المؤمنين ، فأرسلت أخري بقصعة فيها طعام ، فضربت يد الرسول صلي الله عليه وسلم ، فسقطت القصعة فانكسرت ، فأخذ الرسول صلي الله عليه وسلم الكسرتين فصم إحداهما الي الأخري فجعل يجمع فيها الطعام ، ويقول : غارت أمكم ، كلوا ، فأكلوا ، فأمسك حتي جاءت بقصعتها التي في بيتها ، فدفع القصعة الصحيحة الي الرسول وترك المكسورة في بيت التي كسرتها )
ماذا لو حدث ذلك الموقف في عصرنا وأخطأت زوجة في حق زوجها أمام جمع من أصحابه ، لو حدث هذا لوقع ما لا يحمد عقباه ، فتجد الزوج تنتابه عاصفة من الغضب والهياج ، وقد يصل الأمر الي حد الانفصال والطلاق ، وتجد الناس يتدخلون لمحاولة الصلح والتوفيق بينهما ، ولكن تفشل تلك المساعي ، فما حدث ترك كسرا بين الزوجين من الصعب أن يتم إصلاحه وترميمه ، ولكن انظر الي الرسول صلي الله عليه وسلم كيف يتعامل مع هذا الوقف ، يجلس عليه الصلاة والسلام في جمع من أصحابه في إحدي بيوت أمهات المؤمنين وتأتيه قصعة من طعام من بيت أخري ، فتأبي أم المؤمنين التي عندها الرسول واصحابه ، فتدفع القصعة من يد الرسول لتسقط من يده فتنكسر ، ومع هذا يتعامل الرسول مع الموقف بلطف ولين ويتقبل الأمر في بساطة ويقدر غيرة زوجته دونما انفعال أو غضب ، فأي رحمة و أ ي لطف هذا ، أنه الرسول صلي الله عليه وسلم من أرسله الله رحمة للعالمين .
رحمته صلي الله عليه وسلم فاقت رحمة الأباء ببناتهن ، فيوما ما استاذن أبوبكر الصديق رضي الله عنه علي النبي صلي الله عليه وسلم ، فسمع صوت عائشة رضي الله عنها – ابنته – عاليا ، فلما دخل تناولها ليلطمها ، وقال : ألا أراك ترفعين صوتك علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فجعل النبي يحجزه ، وخرج ابوبكر مغضبا ، فقال النبي صلي الله عليه وسلم حين خرج أبوبكر : كيف رأيتني أنقذتك من الرجل ؟ قال : فمكث أبو بكر أياما ثم استأذن علي رسول الله صلي الله عليه وسلم ، فوجدهما قد اصطلحا ، فقال لهما : ادخلاني في سلمكما كما ادخلتماني في حربكما ، فقال النبي صلي الله عليه وسلم : قد فعلنا ) فهنا سيدنا أبو بكر رضي الله عنه يأبي أن ترفع ابنته صوتها علي الرسول صلي الله عليه وسلم ويريد أن يلطمها علي وجهها والرسول يحجزه عن ذلك ، انه الرفق والرحمة واللين .
هل كانت رحمته صلي الله عليه وسله قاصرة علي نسائه من أمهات المؤمنين ؟ لا ، لقد تعدت تلك الرحمة لتشمل نساء المؤمنين جميعا ، لتنظر الي ذلك الموقف لتري منه ما هو أعجب مما سبق ، يروي مالك بن أنس رضي الله عنه قال ( أن كانت الأمة من أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلي الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت ) ، فرسول الله صلي الله عليه وسلم زعيم الدولة ، وقائد الجيش ، والنبي الذي يأتيه الوحي من السماء ، تأتي الجارية لتأخذ بيده ؛ ليقضي لها حاجتها حيثما شاءت ، فأين ذلك النموذج ، وأين تجد مثل تلك الرحمة والرفق .
ولا يزال الرسول صلي الله عليه وسلم يوصينا بالنساء ، فيصعد صلي الله عليه وسلم خطيبا يوم عرفة أمام الالاف من أصحابه ، ليوصيهم بالعديد من الوصايا ، ولا ينسي الرسول صلي الله عليه وسلم في ذلك المشهد العظيم النساء ، فيفرد في خطبته جزء خاصا ليوصينا بهن ، فيقول صلي الله عليه وسلم : ( واستوصوا بالنساء خيرا ، فانهن عوان عندكم ) ، ويذكرنا الرسول صلي الله عليه وسلم بالنساء والرحمة بهن في مواضع عدة ، ومن ذلك قوله صلي الله عليه وسلم : ( خيركم خيركم لأهله ، وأنا خيركم لأهله ) ، ويرفع الرسول قدر الذي يسعي علي شئون الأرملة ليصل به الي درجة المجاهد في سبيل الله والقائم الليل الصائم النهار ، فيقول صلي الله عليه وسلم : ( الساعي علي الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله ، أو القائم الليل الصائم النهار ) .
تلك هي رحمته صلي الله عليه وسلم بالنساء ، وصايا وتطبيقات عملية علينا أن نقتضي بها ونسير عليها ، فلنا من رسول الله صلي الله عليه وسلم الأسوة والقدوة الحسنة .