اعتقد تشارلز دارون أن القدرات العقلية للحيوانات والبشر متفاوتة بالدرجة وليس في النوع. استنتاج طبيعي ينسجم مع نظريته في التطور بالانتقاء الطبيعي. هذا التفكير الدارويني عارض التقاليد الأوروبية السائدة منذ القرن 17 والتي رسختها فلسفة ديكارت الذي قال أن الحيوانات لا تمتلك عقولا، بالمقابل فإن العقل مقتصر على البشر
ظلت دراسات من هذا النوع مستعصية، لكن منذ الستينات كان هناك محاولات لكسر تلك القيود. في عام 1976 طرح دونالد غريفين كتابه “مسألة وعي الحيوان”، ما دفع مجموعة واسعة من العمل المخبري الميداني خلال ال40 سنة الماضية. لكن العمل كان شاقا وحذرا إذ من السهل أن تضللنا الأدلة.
* عام 1992 في تانغالوما قبالة ساحل ولاية كونيزلاند، بدأ الناس برمي السمك في الماء للدلافين المحلية لتأكلها. في عام 1998 بدأت الدلافين بإطعام البشر برميها الأسماك عاليا نحو الرصيف البحري.
علماء اليوم يعتقدون أن بالإمكان القول أن بعض الحيوانات تعالج المعلومات وتعبر عن المشاعر بطرق يصاحبها خبرة عقلية واعية. حيوانات كالجرذان، فئران، ببغاوات تمتلك قدرات عقلية معقدة، لكن حيوانات كالحيتانيات، الرئيسيات، الغرابيات تملك قدرات أعقد بكثير ولديها ما يعرف بالثقافة التي تنتقل عبر التقليد.
* بيلي دولفين أنثى تم احتجازها في سن الخامسة، اقتيدت لحوض أسماك جنوب أستراليا للعلاج الطبي. أمضت 3 أسابيع تعيش مع دلافين محبوسة كانت تتعلم حيلا مختلفة. بعد إعادتها للبحر وعلى الرغم أنها لم تتدرب، قامت بيلي بحيلة “المشي على الذيل” وهي حركة يقوم بها الدولفين بالوقوف فوق سطح الماء عبر دفع ذيله تحت السطح، وينتقل للوراء ببطء في رقصة رائعة، وقد صدم هذا المراقبين. استكمالا للصدمة شوهد، بعد أسابيع قليلة، خمسة دلافين يؤدون الرقصة!
تبدي الدلافين مهارات كبيرة في تقليد الآخرين مصحوبا بمرح كبير أيضا.
* في السبعينات عاشت الدولفين دولي في خزان مع 3 دلافين كبار في المتحف المائي في جنوب افريقيا، يحتوي الخزان نوافذ دائرية تمكن الزوار من رؤية الحيوانات والعكس. قام أحد الدلافين البالغة بنسخ سلوك أحد الغواصين الذين جاءوا لتنظيف الزجاج، عبر التقاط ريشة في الحزان وتمسيد الزجاج بها! أما دولي فحين شاهدت رجلا يدخن سبحت إلى والدتها وأخذت جرعة حليب وعادت للنافذة وقذفت سحابة حليب محاكية دخان السجائر!
يصعب فهم ذلك دون تخيل العقل. لابد من امتلاك دماغ دولي للخلايا المرآتية، وربما خلايا مغزلية (لها علاقة بمعالجة معلومات اجتماعية). عند الشمبانزي مناطق دماغية تقابل بروكا وفيرنيك لدينا وهي مناطق مسؤولة عن اللغة والتواصل.
ماذا عن الوعي الذاتي؟ الاختبار الشائع هو التعرف على الذات في المرآة. منذ 1970 طورت هكذا اختبارات. نجح الشمبانزي والأورنجتان والدلفين والفيل والغوريلا وبعض الطيور في ذلك، بينما فشلت حيوانات أخرى كالكلاب.
* عام 2000 لاحظ حراس حديقة فورفيك بالسويد قيام الشمبانزي سانتينو بجمع الحجارة وإخفائها حول قفصه وتغطيتها، ليمتلك لاحقا ما يرمي به زوار الحديقة الذين يزعجونه.
يعلق ماتياس أوشفاث (جامعة لوند) أن هذا التصرف أظهر أنواعا مختلفة من التطور العقلي: يستطيع سانتينو تذكر حدث في الماضي والتحضير لحدث مستقبلي، وينشئ عقليا مواقف جديدة.
تسمى القدرة على تمييز امتلاك الآخرين لأهداف ورغبات فلسفيا “نظرية العقل”.
* في تنيريف جرت مراقبة قردين (شمبانزي) يسيئان معاملة دجاجة، إذ يقدم لها أحدهم طعاما مشجعا إياها على الاقتراب بينما يندفع الآخر إليها حاملا سلكا وراء ظهره ليضربها، وقد كررا ذلك مرارا.
نجد هنا جمعا بين سلوكيات بشرية الطابع: التعاون, التخطيط المستقبلي الممنهج, القسوة والخداع, المرح..
1 comment
تدخل هذه الميزات في علم النفس السلوكي عند الحيوان، و يدخل في الترويض الإيجابي لإستغلال قدرات الحيونات عن طريق تسخير هذه المحسوسات في خدمة الإنسان، على كل حال صاحب المقال مشكور على التوضيح .