جميلة هي الذكريات، ذكريات الطفولة و الزمن الجميل، حيث البراءة و الطيبة و العفوية. ألا ليت الطفولة تعود يوما وننسى همومنا و متاعبنا. كنا نستيقظ باكرا لنجد أمي تصنع خبز التنور اللذيذ و الطازج، و إبريق الشاي على النار و الحليب الطازج، و نقوم بإحضار البيض من قن الدجاج و تسلقه لنا أمي نتناوله و نحن نشاهد برامج الكرتون على التلفاز؛ تلك البرامج التي كانت مليئة بالحياة و العبرة و الفكرة الهادفة.
تسرح لنا أمي شعرنا و نركض فرحين كي نعلب مع أبناء حارتنا، حارة أشبه بالبيت الواحد، الجميع فيها يعرفون بعضهم جيدا، و يقفون مع بعض في المناسبات الحزينة و السعيدة، لم نكن نعرف المطاعم و الشاليهات و الأماكن المغلقة، فكل شيء كان ملك لنا، لنا حرية اللعب و الركض في ساحات الحارة الواسعة، و كبار السن يجلسون تحت أشعة الشمس الدافئة، لينالوا من فائدتها و يتبادلون أطراف الحديث.
كان للقرش قدره و بركته، يعطينا إياه أبي فنذهب فرحين للدكان كي نشتري أشياء لذيذة، لم نتعب من مشوار المدرسة رغم أنها بعيدة عن بيتنا، لم نتعب من حمل الحقيبة رغم أنها مليئة بالكتب، و لم نشكو من ضرب المعلم لنا بالعصا فقد كنا ننظر له نظرة إحترام، و لا من الوقوف على السبورة كنوع من العقاب، ولم نتعب من نسخ الواجب مرات عديدة.
من أجمل ذكريات الطفولة هي الألعاب الشعبية التي توارثناها من الآباء و حفظناها عن ظهر قلب، لم يكن موجود هواتف نقالة أو لوحية ترهق عيوننا او عقولنا بل كانت ألعاب تقوي عقولنا و عضلاتنا و تنشط الدورة الدموية في عروقنا.
وهنا أذكر بعض الألعاب التي كنت أمارسها في طفولتي:
-
الشريدة:
نرسم دائرة على الأرض و يقف بداخلها الطفل الذي سوف يركض خلفنا، نختاره من خلال القرعة، مغمض عيناه، ثم يعد إلى العدد عشرة أو أكثر و عندما ينتهي من العد يقول فتح الليمون و يركض خلفنا ليضع يده على راسنا، فإذا جاءت يده على رأس أحدنا كان الدور عليه بالعد كي يركض خلفنا، و من أسرع ليدخل في الدائرة التي قمنا برسمها على الأرض فهو فائز و يكون في مأمن.
-
عالي واطي:
يقف الأطفال بجانب بعضهم على شكل سطر واحد و يقف طفل أمامهم ثم يعد إلى الأحد عشر، يبدأ بعد نفسه ثم يعد باقي الأطفال قائلا: عمي أبو أحد عشر …قال لي عد حتى الأحد عشر
فيقوم بالعد و يكون هو رقم واحد و يعد الأطفال الآخرين حتى يصل الرقم أحد عشر، فمن جاء عليه العد عند الرقم الأحد عشر هو من سيركض خلف الأطفال؛ حيث يجب ان يقف الطفل على شيء عالي مثل حجر أو أي شيء مرتفع عن الأرض و إذا وقف على الأرض و مسكه الطفل الذي كلف بمهمة القبض عليهم سيكون خارج اللعبة حتى يبقى آخر طفل و يكون هو الفائز و كنا نتغنى و نحن نركض و نقف عاليا او على الارض بأغنية عالي واط واط طالع يتنطط على الكراسي آه يا رأسي حتى نستفز الطفل الذي يحاول الإمساك بنا و نحن نضحك و سعداء جدا.
-
لعبة السيدة الغولة:
تتطوع إحدى البنات، لتكون السيدة الغولة، أو نعد للأحد عشر كما في اللعبة السابقة و من كانت آخر واحدة في العد تكون هي السيدة الغولة. تجلس الغولة و نعمل دائرة حولها، حيث نكون متشابكات الأيادي و نلف حولها و نحن نغني:
سيدة غولة سيدة غولة ماذا تفعلين؟
ترد الغولة أنظف بيتي و تعمل بيدها حركات تنظيف البيت
ثم نعيد سيدة غولة سيدة غولة ماذا تفعلين
ترد الغولة و تقول أجلي المواعين و تعمل حركة جلي المواعين
و هكذا حتى تقول الغولة بصوت عالي أريد أن أتناولكم على الطعام، ثم نصرخ خائفين و تركض خلفنا حتى تمسكنا واحدة تلو الأخرى و الأخيرة تكون الفائزة.
-
ناس و ناس:
من أجمل ألعاب الطفولة حيث نمارس فيها الكثير من أدوار الحياة و أكثرها دور الأم، كنا نجمع علب الطعام الفارغة و الصواني القديمة، لنقدم فيها الضيافة و الطعام. و نلبس غطاء الرأس كأمهاتنا و نطبخ و ننظف و نزور بعضنا و نشتري من الدكان و هكذا.
-
لعبة الحجلة:
نرسم على الأرض، مستطيل كبير مكون من ستة مربعات، و نرسم بالمربع قبل الأخير علامة إكس ثم نحضر حجر أملس مستوي الأسطح يسمى ردفة، و نحجل على رجلنا أي نرفع رجل و نضع رجل على الأرض و ندحرج بها الردفة.
من قوانين اللعبة:
أن لا تطأ قدمنا المرفوعة الارض .
أن لا تقف الردفة على خط من خطوط المربعات أو المستطيل.
يحق لنا أن نستريح في المربع الذي قبل مربع الإكس.
ثم ندحرج الردفة حتى لا تقف في مربع الإكس. و تتجاوزه إلى المربع الأخير، و حين نتم هذه المرحلة نضع علامة في اول مربع ثم نعيد اللعبة مرة أخرة لنفس البنت فإذا نجحت في إجتياز اللعبة مرة ثانية بشكل صحيح، تحجز المربع الثاني و هكذا حتى تحجز المربع الأخير و تحسب لها نقطة، ثم ياتي دور فتاة أخرى. أما إذا جاءت الردفة في مربع الإكس أو على خط من الخطوط تخرج و يكون الدور على فتاة أخرى.
-
دور يا صحن السكر:
نمسك أيدي بعضنا و ندور على شكل دائرة و نغني:
دور يا صحن السكر وقع مني و انكسر
الذي شمه ما لمه ذهب ليشكو لأمه
هيا نعد أيام الأسبوع و تضرب البنت الأولى بيدها يد البنت الثانية و تقول سبت ثم تضرب البنت الثانية يد الثالثة و تقول أحد ثم تضرب البنت الثالثة يد الرابعة و تقول إثنين و هكذا و حتى تضرب بنت يد الأخرى قائلة الجمعة و يكون عليها أن تركض خلف البنات الآخريات حتى تمسك بهن.
-
لعبة حاكم جلاد:
تحتاج اللعبة إلى أربعة أشخاص، و نقص أربع ورقات بنفس الحجم و نكتب على الورقة الأولى كلمة حاكم و الورقة الثانية جلاد و الثالثة مفتش و الرابعة لص. ثم نطوي الورقات جيدا، ثم يأخذها شخص و يحركها بيديه جيدا ثم يرميها أرضا فيأخذ كل سخص من الأربعة ورقة، و من أخذ ورقة الحاكم يقول: انا الحاكم أين المفتش؟
فيقول المفتش:نعم يا سيدي أنا المفتش.
يقول الحاكم:أخرج لي لصك؟
يختار المفتش شخص واحد من بين الشخصين و يقول هذا اللص فإذا كان هو اللص فعلا يقول الحاكم:أحكم عليه بالضرب الخفيف ثلاثة مرات مثلا. فيضربه الجلاد بعصا خفيفة أو ما شابه. و إذا لم يكن هو اللص يحكم الحاكم على ضرب المفتش لأنه أخطأ التقدير و يضربه الجلاد.
-
لعبة توت توت:
نصطف خلف بعضنا على شكل قطار ممسكين بأكتاف بعضنا و ينشد أول شخص في القطار و هو السائق قائلا: توت توت
أين ذاهبون؟ نجيب:على بيروت
فيقول السائق: ماذا تريدون؟ نرد عليه:صحن توت.
وهكذا نعيد و نردد و يميل السائق يمين وشمال و نميل معه و حين يقف نقف معه و نحن سعداء و نضحك.
-
لعبة شمس قمر:
لعبة نط الحبل الجميلة، كلها طاقة و نشاط تمسك فتاتان بالحبل كل فتاة من جهة و تحركان الحبل بشكل دائري و تقفز فتاة في المنتصف و يجب أن لا تلمس الفتاة التي تقفز الحبل بقدميها و تغني الفتاتان: شمس قمر كواكب نجوم.
-
لعبة التخبئة:
تقوم إحدى البنات بتخبئة لعبة بحيث لا يراها أحد، بحيث تكون باقي البنات مغمضات أعينهن، ثم بعد أن تخبأ اللعبة تسمح لصديقاتها بالبحث و حين تبتعد البنات عن مكان اللعبة تقول لهن بارد بارد أي بعيد عن مكان اللعبة و حين تقترب الفتيات من مكان اللعبة تقول لهن حامي حامي يعني إقتربتن من مكان اللعبة و من تجدها يكون الدور عليها.
-
لعبة إكسر حمص:
نجلس على شكل دائرة، و نضع أيدينا على الأرض، و يقول شخص منا، و هو يقرص أيدينا بلطف: إكسر حمص إكسر فول هذه بيضة العصفور و من تقف كلمة العصفور عنده يقلب يده على باطنها ثم يعيد الشخص الغناء إكسر حمص و من تأتي كلمة العصفور على يده يقلبها فإذا جاءت على اليد المقلوبة يضعها خلف ضهره و هكذا حتى تبقى يد واحدة هي يد الفائز.
و الكثير الكثير من ألعاب الطفولة الممتعة و الجميلة التي تعود الطفل على المشاركة و المحبة و الترابط الإجتماعي. و يا حبذا لو قمنا بتشجيع أبناءنا على ممارستها فهي أفضل بكثير من ألعاب الهاتف و الأجهزة اللوحية التي لها ضرر عليهم على المدى القريب و البعيد و التي أثبتت الكثير من الدراسات مدى تأثيرها السيء على الأطفال، و من الأنشطة التي كنا نمارسها في الطفولة هي الرسم سواء على الرمل أو على الورق و أيضا قراءة القصص المصورة و المفيدة جدا للأطفال، لم تنزعج أمهاتنا منا و نحن صغار لقد كنا نصنع المرح و الفرح دون مشاكل، و كانت مناعتنا قوية و ذاكرتنا قوية.
اقرأ ايضآ
سوف يطوي الموت بجناحيه كل من يقلق الملك توت عنخ أمون