في طفولتي كنت من أشدّ الكارهين لعصير الّليمون ، والسّبب وراء ذلك الحقد الدفين يكمن في أنّني كنت أصاب بالرّشح في كلّ مرة بعد أن أقوم بشربه
كان الأمر مترابطاً بشكلٍ كبير فالمسألة تتعدّى عن كونها صدفةً أو حالةً فردية ، فقد احتاجت منّي هذه النظرية وقتاً طويلاً حتّى تدخل في مرحلة الإثبات العلمي وتغدو قانوناً ثابتاً معتمداً لديّ
ولا أزال أذكر كيف كانَ الجميع يسخرون منّي بعد أن أخبرهم بالأمر ، ولست ألومهم على ذلك ، فأجهل الناس يعلم بأن عصير الّليمون والحمضيّات بشكلٍ عام مفيدةٌ في حالات الرشّح
فكيف للدّواء أن يصبح سبباً للمرض!!!
لقد خضت خلافاتٍ وجدالاتٍ كثيرة في هذا الصّدد ومعظمها كان ينتهي بالتّشكيك بقوايَ العقلية على أيّة حال….
ثمّ مرّت الأيام وشاءت الأقدار أن أدخل كليّة الطب ، وأصبَح من المعيبِ أن أبقى بنفس عقليتي السّابقة
فالسّخرية هنا ستكون مضاعفة ومجرّد التّشكيك بقوايَ العقليّة قد يتطوّر إلى تشكيل لجنةٍ طبيّة لتقييم الحالة الماثلة أمامهم…. وهكذا فقد اضطررت آسفاً إلى أن أنسفَ واحداً من القوانين التي كنت مقتنعاً بها (ظاهريّا أمام الآخرين)
لكنني بقيت مؤمناً به في قرارةِ نفسي
ثم ما لبث أن بدأ الموضوع يشكّل مشكلةً حقيقيّة لي حينما وجدت نفسي مجبراً على كتابة وصفات طبيّة تحتوي الفيتامين c الأمر الذّي كان يأرّقني بشكل كبير فكيف لي أن أصف لمريضٍ ما أراه أنّه السبب في مرضه !!!
ولكي أضع حدّاً لهذه المسألة قرّرت أن أقوم ببعض البحث والتّقصي عن الأمر
وبالطبع فإنّ كلّ المقالات والأبحاث الّتي قرأتها كانت تتحدث عن فوائد الفيتامين c العديدة ، ولم أستطع العثور على مقالٍ واحدٍ يدعم وجهة نظري تلك ، وكنت كلّما تعمقت في البحث أكثر ازداد تعظيمي لنفسي ، لاعتقادي بأنّني أوّل من لاحظ هذا التّرابط العجيب بين تناول عصير الليمون والرشّح
ولا أنكر بأن بعض المقولات الخالدة لعبت دوراً في منحي شيئاً من هذه الأحاسيس كتلك التي تتحدث عن عدم اتباع القطيع وأنّ الإبداع يبدأ من مخالفة العامة
ولهذا فنصيحتي لك ألّا تخالف العّامة ما لم تكن متأكّداّ من وجهة نظرك مئةً بالمئة
فمجرّد مخالفة القطيع يعني أنّك تضع نفسك في مواجهة تجارب وخبرات كلّ هؤلاء البشر
وهذه المواجهات ستنتهي بكونك إمّا عبقريّاً لمّاحاً أو حماراً وحيداً
وعلى الأغلب ستكون الثانية……
واليوم بفضل الله استطعت أن أحل هذا الّلغز الغامض ،وأكتشف السبب الحقيقيّ لهذا الترابط العجيب
حيث كانت والدتي تسارع لإعطائي عصير الليمون ومشتقاته حالما تبدأ الأعراض الأولى للرّشح تتظاهر علي( كنوع من العلاج المبكّر)
وبعد ساعاتٍ معدودة تكون الأعراض قد تفاقمت بشكل كبير ونوبات العطاس والسّيلان الأنفي قد بلغت أشدّها
كل هذا يحدث بتواقتٍ رهيب مع اللّيمون بشكلٍ لا يدع مجالاً للشكّ بأنّه الفاعل
أنا الآن سعيدٌ جدّاً لأنّني فهمت الأمر على حقيقته
صحيح أنّه لا زال لديّ رهابٌ تجاه عصير الليمون وأمتلك بعض الشّكوك تجاهه ولكنّ الفارق أنّني أصبحت أكتبه كعلاج لمرضاي وأنا مرتاح الضّمير….
المنشور السابق