كلمّا تقدمّت في العمر أكثر اكتشفت أنّني أكتسب نوعاً فريداً من المهارة تمكّنني من معرفة طبائعِ البشر بناءً على مظهرهم الخارجيّ
وهنا أرغب بالتّشديد على كلمةِ مهارة
فعلى الرغم من أنّ الكثيرين يصنّفون الأمر على أنّه علم تحليل الشخصيّة من خلال الوجه
إلا أنّني أمتلك بعض التّحفظ على كلمة علم عندما يتعلّق الأمر بالإحتمالات والفرضيات
إنّ هذه المهارة التي بدأت أشعر بها منذ وقتٍ قريب يمكن لها أن تتوافق مع ما كانوا يسمّونه قديماً بالفراسة
وهي أمرٌ لم أكن أؤمن به البته
وكنتُ أظنّه لا يتعدّى عن كونه وسيلةً بدائيةً للكذبِ على النّاس وخداعهم بصورةٍ أكثر تهذيباً من الدجل والشّعوذة
فكيف يمكن لإنسانٍ أن يخمّن صفاتَ شخصٍ دون أي يتعامل معه مطلقاً!!!
أذكر مرّة أنّني شاهدت فيلماً يتطرق لموضوع الفراسة لكنّ صنّاع الفيلم كانوا قد بالغوا بالأمر بشكلٍ رهيب
حيث جعلوا عرّافهم قادراً على معرفة أدقّ التّفاصيل عن أيّ شخص
كأن يعلم مثلاً كم لقمةً يمكن للشخص أن يأكل
أو أن يعلم عدد المرات التي تلقّى فيها شخصٌ ما صفعة على وجهه
أو فيما إذا كان قد تعرض الشخص لحادثٍ أو حرق في صغره….. إلى آخر هذه الترّهات العجيبة
أنا أعتقد أنّ هذا النّوع من العروض يشوّه المعنى الحقيقي للفراسة
فالفراسة الّتي تصورها الأفلام تندرج ضمن علم الغيبيّات أو السّحر والتّخريف
في حين أنّ ما أتحدّث عنه يشبه نظرة إنسانٍ خبيرٍ في الحياة
فجميعنا نسمع عن أن فلاناً من الناس له نظرةٌ لا تخيب في الأشخاص
ويمكن له أن يعرف من نظرةٍ واحدة فيما لو كنت شخصاً مخلصاً يمكن الاعتماد عليك أو أن لك ميولاً للكذب والنّفاق …..
هذه الخبرة لا يمكن للإنسان أن يتمتّع بها بسهولةٍ وغالباً ما نشاهدها عند كبار السّن
وتفسير ذلك بسيطٌ جداً إذ يمكن لك أن تسأل أيَّ مسنٍ عن طريقة توقعه لكل هذه الأمور عن شخصٍ ما مباشرة ودون معرفةٍ سابقة
ليجيبك بمقولة (شايف من نمرته كتير)
وهذا هو السّر في امتلاك هذه المهارة
(أن تخالط عددا هائلا من البشر وتحتكّ بهم )
وبعدها ستجد نفسك لا شعورياً تضع قواسم مشتركة بين صفاتهم الشكليّة والروحيّة وتصبح لديك القدرة على توقّع صفات شخصٍ تراه لأوّل مرة
بالطبع لن يكون الأمر حتميّاً لكنّه ينجح إلى حدٍّ كبير
لقد طبقّت هذه النظريّة أثناء عملي في المشفى على مرضاي
حيث أصبحت أخمّن من مظهر المريض كميّة الألم التي يمكن له أن يتحملها
وهل من الضروري أن أقوم بتخديره أم لا
وحتى في حالات الوفاة أستطيع أن أتوقّع فيما لو كان الأمر سينتهي بالندب والبكاء ويمتلأ المشفى بالصّراخ والعويل
أم بالتّسليم لمشيئة الله وقدره….
ومنذ أسبوع تقريباً كان لدي إحدى المداخلات الجراحيّة على طفلٍ بعمر أربع سنوات
وكان والداه يصرّان على الدّخول للإطمئنان على ابنهم
نظرت للحظة في وجه كلٍّ منهما ثمّ قلت مخاطباً السّيدة: يمكنك البقاء أمّا أنت يا سيدي فاعتذر منك ، عليك الانتظار في الخارج
ذلك أنّني قد رأيت في قسماتِ وجهها جبروتاً لا حدود له وقوّة قلبٍ تعادل قوّة ألف رجل
وعندما عدّت لمتابعة العمل سألتني الممرّضة
لمَ سمحت للسيّدة ولم تسمح له؟؟
أجبتها قائلا : إنّها مهارة يصعب أن أعلمّك إيّاها الآن
وربما لاحقاً قد أجد وقتاً لذلك …
تحليل الشخصية بناء على المظهر
المنشور السابق