و إنّي لأجد أن الزواج مقبرة للحب فعلاً و لكن كيف؟
بعد كل ذلك الانبهار و الذهول الذي يأخذ بعقولنا بعد قلوبنا إلى غياهب الحُب..
بعد جمال تلك البدايات الأخاذة..و الأحلام الوردية المعتادة..
نقتنع أخيراً أننا لا نملك إلا الحياة بجانب المحبوب
أننا لا نستطيع التنفس عمراً آخر بدونه.
تمسك قلوبنا بأيدي عقولنا بقوة و تركض بها نحو ذلك الارتباط ( الأبدي ) ذلك الميثاق الغليظ.
ولا تترك لها الفرصة بأن تفكر أو تقرر أو تدرس هذا المشروع المعقد و البسيط في آن.
يدخل العقل في متاهات الحياة و متطلباتها،و يبقى القلب عالقاً بين عشقه الذي يليق بالجنة.
اصطدام بالواقع
وبين احتياجات هذه الدنيا الفانية التي تنهك العقل فيأخذ منه فرصة عيش هذا الشغف…بعد أن كان يحب بدون ارتباط ولا قيود…فقط أحلام ينجب منها ابتسامته.
فيشعر الفؤاد أن شعوره ميت لا محالة… فيموت محاولاً إنقاذ ما بقي من حُب يخلو من تلك الدهشة الحلوة و الانبهار بالمحبوب..
ولكن ماذا بعد الموت؟ كيف نسينا أن هناك حياة أجمل بعد الموت؟؟ ماذا يحدث للحب في مقبرة الزواج؟ وهل الزواج مقبرة الحب؟.
و كيف يمكننا أن نحول قبره إلى روضة من رياض الجنّة؟
في الزاوية يجلس رجل مهموم، يبدو أكبر سنا مما كان عليه في زمن الحُب..يفكر في ما يحمله الغد.
يتسائل عن مدى قدرته على توفير كل ما تحتاجه أسرته الصغيرة..فقد أصبح أباً لطفلين، و في المطبخ تقف بطلة قصته المدللة ، تبذل قصارى جهودها لتلبي حاجات البيت و الزوج و الأطفال ..صراخ هنا و هناك.
تحوم حول أركان البيت كالفراشة، بين طبخ و تنظيف البيت و الأطفال و غسل للملابس و التعليم و التطبيب و التمريض و بث الأمل و السعادة و فوق كل هذا عليها أن تهتم بنفسها لتحافظ على جمالها و نظافتها و ابتسامتها رغم الدوامة التي تكاد تبتلعها كل يوم لولا قدراتها الخارقة التي منحها الله سبحانه…
و بين كل هذه الأشياء هي لا زالت تحبه، و يحبها .
هي تظن انها لو لم تقم بأعمالها على أكمل وجه سوف تخسره ، سوف ينتقص منها وهي التي تعز نفسها بشدة،
و هو يخشى التقصير في القيام بمسؤولياته كزوج و أب و رب أسرة..لكنه يحتاج ذلك الجنون الأول،يحتاج إلى الحب بدون قيود.
وهل هي ايضا تحتاج الى حب بدون قيود
هي أيضا تحتاجه ولكنها تقدس ما تقوم به و تراه أولى بوقتها و حياتها و في كثير من الأحيان تنسى الاهتمام بنفسها و جمالها كأنثى ،و إن لزاما على المرأة أن تعي أن الرجل بطبعه طفل صغير، إن اهتممت به يأتيك مهرولاً و إذا أهملتيه يمكن أن يصرخ في البداية و بعدها يتجاهل ثم يبحث عن لعبة أو أنيس في مكان أخر.
كذلك إنه لا يرى نظافة ولا أكلا ولا تربية للأطفال،في حال انعدم هذا الاهتمام،ولن يفهم أنك تتعبين إلى الحد الذي يجعلك تمحين ذاك الجانب من خرائط روتينك الأساسي.
الجانب الذي يجعله يتذكر مراهقته الحلوة وهو يمارس حبك و يتذكر شبابه و يشعر بأنه طفلك الأهم و الأغلى و أنه أصل كل شيء جميل.
دور الرجل
و على الرجل بدوره أن يكون رحيما، يشارك في كل شيء إذا ما استطاع إليه سبيلا،أو حتى يسمعها كلمات الرضى و الثناء ليخفف عنها ضغط الأيام، وقتها فقط ستشعر امرأته أنه يقدر و يعي حجم الجهد الذي تقوم به.
فهي أيضا تعمل ولكنها لا تنتظر مقابلا ماليا على رأس كل شهر ، بل تكفيها ابتسامة رضى و أمان.
“سُئلت عائشة -رضى الله عنها- ما كان النبي ﷺ يصنع في بيته؟
قالت: كان يكون في مهنة أهله”
يمعنى: خدمة أهله، “فإذا حضرت الصلاة، خرج إلى الصلاة”
و هذا سيد الخلق و قدوة العالمين عليه أفضل الصلاة و السلام.
برزخ الحب
في برزخ الحب تهيم الأرواح، بعضها يحاول الرجوع لتلك البدايات الساحرة فيفشل لأن الحياة لم تعد كما كانت، و بعضها يحاول الهرولة إلى الجنة حيث الأبدية ،حيث لا كره ولا خصام…
و إني لأصفق لمن ينجح أو حتى يفكر في طريق الجنة من داخل بيته على هذه الفانية ..
كونوا أذكياء فبين أن تصون حبك و أن تفلته من بين يديك خيط رفيع جدا.
سارة عامر الأندلسي