أين يقع وادي عبقر؟
يقع في شبه الجزيرة العربية، وتحديداً في بلاد اليمن في حدودها الشّرقية مع سلطنة عُمان
وهو وادٍ سحيق، واذا قيل فلان (عبقري) فهو نسبة إلى وادي عبقر.
لماذا سمِّي وادي عبقر بهذا الاسم؟
سُمّي وادي عبقر بهذا الاسم نسبةً إلى جبل عبقر حيث يقع هذا الوادي أسفله، وسُمّي بعبقر نسبة إلى أحد القبائل الحجازية التي سكنت هذا الجبل، ومن التّسميات الأخرى التي تناقلتها الرّوايات التّاريخية بكثرة حيث ينسب هذا الوادي في التّسمية نسبةً إلى أحد كبار الجن ويسمى عبقر، وسُمّي هذا المكان بوادي عبقر نسبة إلى الجن الذين يسكنون هذا المكان، ومُنذ ذلك الوقت كما يُقال إنّ العرب تُطلق على هذا الوادي اسم وادي عبقر، ولذلك قيل إن عبقر هي أرض الجن، ونعلم إن الجن تفضّل أن تسكن المناطق البعيدة التي لا يقربها الإنسان خصوصاً في الصّحاري والجبال والأودية العميقة التي يصعب الوصول إليها، ومن المعروف أنّ الجن يعيشون ويسكنون ضمن مجموعة كبيرة فلا يقتصر المسكن على واحد أو اثنين وإنّما أكثر من ذلك، ولذلك يطلق عليه أحياناً بمملكة الجن.
ما علاقة الشعراء بوادي عبقر؟
يحكى أن هذا الوادي تسكنه شعراء الجن منذ زمن طويل، وعندما يبيت أحدهم ليلة في هذا الوادي يأتيه شاعر أوشاعره من الجن تلقنه الشعر، فكان لكل شاعر من شعراء الجاهلية قرين من هذا الوادي يلقنه الشعر.
يُقال إنّ هذا الوادي سكنه شعراء الجن، ولذلك ظهرت الأقاويل والرّوايات التي تقول بأنّ كبار شعراء العرب مثل امرؤ القيس و الأعشى وغيرهم أنّهم يتلقّون الشّعر من شعراء الجن في وادي عبقر، ولذلك فإنّ هذه الفصاحة و النّبوغ في الشّعر هي أصلها من الجن الذي لقّنه الشّعر، ويُقال أن هؤلاء الشّعراء قد التقوا بشعراء الجن في وادي عبقر أثناء ترحالهم وأخذوا الفصاحة منهم، ولهذا السّبب أي كلمة عبقر منسوبة للذكاء والقدرة الخارقة التي يقوم بها الجن الذين يسكنون وادي عبقر.
قصص الشعراء في وادي عبقر
- ومن القصص قصة شاعر كان مريضا بالحمى وفي الليل ذهب للنوم في أعلى طعس ” قوز” كان مجاور للحارة التي كان يسكن فيها هذا الشاعر المريض – و قد وضع كتابا تحته ونام وفي النوم أتاه رجل طاعن في السن وامرأة عجوز وتحاوروا معه.
فقال الرجل الشايب:
حلفت لولا عليك كتاب مكتوب
لطويك طي الرمامة
وقالت المرأة العجوز:
وتأخذ ثمان سنين فالحبس مجنوب
وأيضا تحتها ما تحوش سلامة
فرد عليهم الرجل :
أنا أحمد الله عن الجن محجوب
أنظر كتابي تحت كم العمامه
لا تحسب إنك كما نوح مهيوب
اللي من البحرين جاب النعامة
- وفي قصة أخرى مشابهة حصلت ﻷحد الرجال كان نائما وأتاه جني وعرض عليه سؤال بالشعر فرد عليه
قال الجني :
بانشدك وش يخرج حلال(ن) من حرام
وإن كان مافسرتها ماني بروح ماني بروح
فرد عليه الرجل :
القب والميزان ما فيه أغتنام
والحق ما بيناتها برق ن يلوح
- والقصص كثيرة لشعراء خليص مع الجن ونختمها بقصة لشاعر من الرجال المعروفين ورواها بنفسه لجماعته حيث إنه خرج من بيته ليلا ورأى أمامه ملعبة قصيد ( قلطة) ورأى صفين قائمين وشاعرين يتحاوران فدخل في أحد الصفوف وقام يردد معهم فقال أحد الشعراء :
قوم أذبحه يا صويان
والحق يرضي دخيله
فقام صاحب الحفل من الجن فرد على الشاعر وقال :
ما ينذبح فن الأفنان
والذبح ما يستويله+
وقام الجني صاحب الحفل بأخذ الرجل الأنسي بيده وأخرجه من الصف وقال له أخرج من هنا ولا تنظر خلفك أبدا
وفي اليوم التالي رجع الرجل لنفس المكان ليرى هل هناك أثر لمكان الملعبة من الصفين ولكنه لم يجد إلا آثار رجليه هو فقط.
هذه القصص توضح لنا بأن للجن مشاركات في الشعر مثلما للبشر
وقد يفوق شعر الجن شعر البشر وقد يكًون للشاعر قرين وهذا ليس بأمر جديد فهي قضية في الأدب العربي منذ الجاهلية ويذكر بأن كل شاعر له قرين وله اسم منذ ايام الجاهلية إذ امرؤ القيس اسم قرينه الجني “لافظ بن لاحظ” ،وقرين النابغة الذبياني اسمه “هادر،” وقرين عبيد بن الأبرص أسمه” هبيد.”
حكاية وادي عبقر حقيقة أم خيال؟
حكاية وادي عبقر وشيطان الشعر الذي يملي الالهام على الشعراء تعتبر من الخرافات والترهات التي يتناقلها البعض جيلاً بعد الآخر لدرجة ان شيطان الشعر لدى هؤلاء أصبح من المسلمات وان لكلِّ شاعر شيطان يلازمه..هناك من يطرح العديد من الاسئلة الساخنة التي يدعم بها هذه الاسطورة ولعل اشهر الاسئلة كيف يمكن لشاعر كفيف ان يصف مشهداً معيناً أو يتغزل في جمال امرأة فاتنة او ان يرتجل قصيدة في ثوانٍ وهي مقدرة غير عادية..وتأتي تفاصيل اسطورة شيطان الشعر في العديد من الحكايات المتناقلة عبر الاجيال ولا احد يعلم مصدر الاسطورة او منشأها. من الاساطير التي يتناقلها العامة في المنطقة الجنوبية ان هناك اودية وكهوفا تعلم الناس الشعر وتحول الانسان الى مبدع والذي لا يجيد تركيب الجمل الى شاعر فحل ومبدع. ومثل هذه الاسطورة تترسخ في عقول بعض السذج فآمنوا بأن ابداع الشاعر وبراعته ليست إلا قطرة من بحر ابداعات الجان الذي يملي على الشعراء ابداعاتهم ومن اشهر القصص التي لا تزال تتداول في المجالس حتى يومنا هذا قصة ذلك الرجل الذي نام بالصدفة في احد الاودية وكان يرعى اغنام اهل قريته واثناء نومه جاءته جنية بإبريق من اللبن ودعته ان يشرب منه الا انه لاحظ بأن اللبن كان مغطى بالشعر فرفض شربه الا انه اجبر على ذلك دفعة واحدة ثم افاق واذا هو يقول الشعر باستفاضة وبرع فيه واصبح علماً في قومه ولسان قبيلته في الذود عنها وقس على هذه القصة من الوان القصص التي تتوارثها الاجيال.
وبمرور الزمن تطورت الاساطير المتعلقة بالشعراء وأصبحت هناك اماكن كالكهوف يقال انها مسكونة بالجن وان اي شخص عادي اذا نام بها فانه في اليوم التالي يصبح شاعراً يشار اليه بالبنان، ولكأنما هذه الكهوف تعتبر اكاديمية لتعليم الشعر وبحوره.
وليست الاسطورة تنسحب على الكهوف فحسب بل ان الاودية لها نصيبها ايضاً من هذه الخرافات.
طقوس النوم
وفي بعض اساطير الشعوب ان طقوس النوم في غار الشعراء وصخرة الجن ووادي الشعراء وغيرها تتطلب ان يحضر معه الانسان بعض القرابين مثل شحم الخروف ورأس الذبيحة التي تذبح لهذا الغرض وبعضا من مرقها وسطلا من اللبن حيث يضعها الانسان الذي يريد أن يصبح شاعراً الى جانبه وينام متجاهلاً أية أحداث تحدث الى جانبه وأن أبدى الخوف او حاول الهروب فانه يفشل ويعتريه الجنون في الحال وإن حدث العكس واثبت جدارته وتجاهل كل شيء في محيط نومه بالكهف او الوادي فيعتبر قد اجتاز الامتحان وما عليه سوى ان يغرد شعراً ابداعياً.
الغار الصعب
ماهي آراء أهل المنطقة بقصة وادي عبقر؟
- يقول العم ظافر 85 عاماً ان هناك غارا معروفاً على قمة أحد الجبال في منطقة عسير وهو غار بعيد ومن الصعب الوصول اليه ويسمى هذا غار الشاعر لأن من يتمكن من النوم فيه ليلة كاملة يصبح شاعراً.
ويضيف سمعنا من الروايات المتواترة أن اجدادنا الشعراء المعروفين تلقوا أبجديات الشعر من هذا الغار.
وأضاف أن مثل هذه الاساطير نشأت في المخيلة العامة لأن الناس كانوا ولا يزالون يهابون الجن لأنهم عوالم مجهولة بالنسبة لهم وإن علاقتهم مرتبطة بالغيبيات.
وأضاف من القصص الخرافية التي تروى عن هذا الغار أن الجن اشترطت على احد الشعراء أن يقدم لها عينيه قرباناً حتى يصبح شاعراً مرموقاً له قرين من الجن يمده بالشعر فوافق على ذلك وأصبح شاعراً لا يشق له غبار ولكنه فقد عينيه. - ومن جانبه قال سعيد الاحمري وهو أحد المعمرين في منطقة عسير أن أحد اقربائه أبلغه أنَّه كان متوجهاً الى إحدى القرى البعيدة في آخر الليل وفجأة سمع أصواتاً وقرعاً على الطبول ولما اقترب من هذه الاصوات وجد مجموعة من الرجال يؤدون العرضة الجنوبية فشاركهم دون أن يدري حقيقتهم إلا بعد أن نظر الى أقدامهم حيث اكتشف أنها أقدام حمير فولى هارباً وأصابه المرض لمدة شهر.
آراء بعض الشعراء بقصة وادي عبقر:
- وفي سياق هذه الاسطورة تحدث الشاعر المعروف صالح بن عزيز القرني والذي اوضح ان اسطورة غار الشعراء تتناقلها الاجيال وانه ليست لديه قناعة بمثل هذه الاساطير لأنه يدرك تماماً ان الشعر ليس له علاقة بالجن وانما هو موهبة وما يشاع عن الكهوف والاودية المرتبطة بالهام الشعراء لا تعدو كونها خرافات واساطير.
- ومن جانبه قال الشاعر عبدالواحد الزهراني: ان مثل هذه الاساطير موجودة في ثقافات العالم اجمع والشعر يختص بمثل هذه الاساطير دون غيره من الفنون الابداعية المعروفة وفي ثقافتنا منذ القدم ارتبط الشعر بالجن بينما في ثقافات اخرى ارتبط الشعر بعالم الارواح ولكنها اسطورة يصعب اخراجها من دائرة الثقافة والحقيقة ان الشعر لا يعدو كونه موهبة وتفوق في قدرة معينة وهي القدرة على اعادة صياغة المخزون اللفظي واللغوي بطريقة ابداعية وقدرة عقلية متقدمة.
- ويضيف الزهراني: الجن حقيقة موجودة في عالمنا وتلبسهم بالبشر امر واقع ولكن ليس له علاقة بالشعر فالجن يتلبسون بالشاعر وغير الشاعر والشعر في حقيقته يحاكي تجارب شخصية ويصور حضارة انسانية وليس حضارة الجن وتجاربهم.
- كما نفى الشاعر ضيف الله العمري ارتباط الشعر بالجن بالرغم من سيطرة الاسطورة على مخيلات الناس مؤكدا أن استخدام بعض الشعراء لألفاظ الجن والتفاخر بها في بعض القصائد لا تعدو كونها تعابير لفظية تعبر عن معانٍ اخرى او من باب محاكاة الاسطورة التي يؤمن بها جمع غفير من الناس في مختلف الثقافات.
وقال الشاعر عوض العمري: سمعنا ان هناك شعراء لهم ارتباط بالجن ولكننا لم نعلم عن كيفية ذلك الارتباط وحقيقته ولكنه موروث تناقلناه وثقافة عامة استشرت في المجتمع. الشعراء اتفقوا على أن لا علاقة لشعرهم بالجن وأنها من الامور الطريفة التي يواجهونها مع الجمهور أحيانا خاصة في مناسبات المساجلات الشعرية حيث تعلو صيحات الجمهور ومحبي الشعر ببعض الكلمات التي تنم عن هذه الاسطورة والتي توحي بايمان الكثير بها وفي نفس الوقت اكد الشعراء على أن مصدر الشعر الحقيقي هو إما الموهبة أو الوراثة ولا تخرج
عن ذلك.
آراء رجال الدين في قصة وادي عبقر
- في برنامج طقوس الحصول على شيطان الشعر «كفر»
الاسبوعي استضافت المقدمة الشيخ الدكتور عوض القرني الداعية المعروف للحديث عن هذه القضية فقال: مصادر المعرفة التي يعول عليها الناس هي اما بالوحي او بالعقل او بالاحساس واما بالفطرة وما خرج عن هذه فلا يؤخذ به وما زعم قديما أنَّ للجن علاقة بالشعر وأنَّ لكل شاعر قرينا وأن الجن هم مصدر الالهام الشعري وان الموهبة الشعرية مرتبطة بالجن هي خرافات يلجأ اليها الناس لتفسير الموهبة التي هي خلاف السائد عند الناس فالموهبة لا توجد عند سائر البشر.
والحقيقة انه لا يوجد دليل على صحة هذه الخرافة المنتشرة منذ القدم حيث كان الجاهليون يزعمون بان شعراء المعلقات السبع التي كانت تعلق على استار الكعبة مع كل واحد منهم (رئي) اي قرين يمنحه ويمده بالشعر وعلاقة الجن بالشعراء كعلاقتهم بغيرهم من البشر والجن عالم خفي وحقيقة لا تنكر ومنهم – كما ورد في القرآن – المسلمون الصالحون ومنهم الكفار والمردة وكذلك فان من الشعراء منهم صالحون ويقفون عند حدود الله تعالى ويبدعون بشعرهم في التغني في وصف قدرة الخالق وجمال الطبيعة واغراض شعرية اخرى ومنهم من اولياء الشيطان والعياذ بالله الا انه ليس للجن علاقة بالشعراء وشعرهم ولا يمكن ان ننفي كون من الجن شعراء كما لا يوجد دليل على اثبات ذلك.
ويضيف الشيخ القرني أنَّ الطقوس التي تنص عليها الخرافة من التقرب للجن بأي شيء كفر مخرج من الملة ولا ينبغي للعبد أن يقترف مثل هذا الجرم العظيم الذي لا يجد من ورائه الا خسرانه المبين لدينه.. وأخيراً هذه أسطورة ملأت الكون جدلا عبر القرون التي خلت حتى يومنا هذا وقد قمت بزيارة بعض هذه المواقع التي يزعم الناس ارتباطها بالجن والشعر وقد دخلت بعض هذه المغارات والكهوف المزعومة ولكنني خرجت ولم أتمكن من كتابة بيت شعر واحد حتى هذه اللحظة فهل ياترى كان المتنبي وأمثاله من فحول الشعر قد عثروا على مغارات أكثر حضوة من مغاراتنا اليوم.
الكاتب:
رنا رزوق
اقرأ ايضآ
معلومات عن أقدم محمية في العالم التي أختبأ فيها الرئيس السادات هربًا من الأحتلال الإنجليزي