صارت نظرية أنماط التعلم، رغم أنها لم تبلغ حدود التدني بكامل معانيه ولم تفقد كامل أهليتها، محل الكثير من الشكوك العلمية في جدواها وصلاحيتها للتطبيق حاليًا.
كيف نقول ذلك؟ لسنا من يقول، لكن هذا ما تؤكده بعض الدراسات والأبحاث ،وبالفعل خاضت الأبحاث خلال السنوات العشر الماضية في نظرية أنماط التتعلم، وشككت في فاعليتها.
وتقوم النظرية على اعتقاد شائع بأن الأشخاص يتعلمون من خلال “نمط” محدد من ثلاثة أنماط هي المشاهدة أو الاستماع أو اللمس والحركة.
ويرسخ ذلك الاعتقاد لفكرة تأثير تلك الأشياء في التدريب والتعليم باختيار النمط المناسب لكل متعلم.

انحسار نظرية أنماط التعلم
نظرية أنماط التعلم:
جدلٌ بحثي حول أنماط التعلم
في 2009، توصل فريقٌ من الباحثين بقيادة هال باشلر من جامعة ساوثرن كاليفورنيا في سان ديجو إلى أنه “بالرغم من أن دراساتً عديدة قد اقترحت إظهار وجود أنواع مختلفة من المتعلمين، إلى أن تلك الدراسات لم تستخدم نمط التصميمات البحثية العشوائية التي تجعل نتائجها محل ثقة ومصداقية.”

ما زالت نظرية أنماط التعلم مطبقة حتى اليوم
وقد انتهى فريق باشلر إلى أن “الدراسات المصممة جيداً تتعارض مع الفرضية العلمية المسلم بها على نطاق واسع، أن الدارس سيتعلم بشكلٍ أفضل إذا تم التدريس له بالطريقة المناسبة للنمط التعليمي الخاص به.”
في سياقٍ متصل، أوردت مجلة “العلوم النفسية في المصلحة العامة” في 2009 أنه رغم وجود أكثر من 70 نموذج لأنماط التعلم، “إلا أن جميع الدراسات تقريباً تنص على تقديم دليل لأنماط التعلم التي تفشل في تلبية المعايير الرئيسية والمهمة للجدوى التعليمية.”
ويوضح المقال أن “البحوث النفسية لم تتوصل إلى أن الأشخاص يتعلمون بشكلٍ مختلف؟، على الأقل ليس بالطرق التي يدعيها مناوئو ومعارضو أنماط التعلم.”
كذلك، أدلى عالم النفس التعليمي هوارد جاردنر بدلوه في الأمر، مذكراً الناس مؤخراً بأن نظرية الذكاءات المتعددة التي وضعها لا تتعلق بأنماط التعلم.
“كفوا من فضلكم عن خلط الذكاءات المتعددة بأنماط التعلم”، حسب ما أوضحه في مقالٍ منشورٍ له في واشنطن بوست عام 2013.
نظرية أنماط التعلم وإبداع المعلم والذكاءات المتعددة
يعارض جاردنر فكرة ربط المتعلمين بذكاءٍ محدد. ومن وجهة نظره، فإن كل فرد يمتلك نكهة فريدة من الذكاءات.
ويؤكد جارندر بكل حزم على أن نظريته (الذكاءات المتعددة) ينبغي أن تمكن المتعلمين من عدم تقييدها بنموذجٍ واحدٍ للتعلم.
كما أوضح عالم النفس والأستاذ بجامعة فرجينيا دانيال ولينجهام كيفية إضافة المتعلمين غموضاً لما هو قائم من لبسٍ في أنماط التعلم.
ومن غير المتوقع، حسب ما أضافه، أن تساعد هذه المناهج الدارسين.” ووصف ولينجهام، الذي يركز بحثه على تطبيق علم النفس المعرفي وعلم الأعصاب في التعليم نظرية أنماط التعلم “بالفاشلة.” وفي 2010، كتب ولينجهام “لا يوجد دليل ذو مصداقية وثقة على وجود أنماط التعلم.”
وبالرغم من أن الدارسين لديهم تفضيلات بشأن كيفية تعلمهم، إلا أن الأدلة تظهر أنهم يستوعبون المعلومات التي تعرض أو لا تعرض عليهم متى كانوا في وضعهم المفضل. ومع ذلك، يسلم ويلينجهام في مقالة على مدونته بأن “من الممكن أن تكون لدينا ممارسات فعالة مدفوعة بنظرية تفتقر للدعم العلمي.” ومن ثم، قد يثير التفكير في أنماط التعلم إبداع المعلم في كيفية تقديمه المادة العلمية، لكن لا ينبغي أن تلتبس أنماط التعلم بكيفية تعلم الأشخاص.
دورة حياة أنماط التعلم
كان المنظر التعليمي ديفيد كولب بين أوائل من اقترحوا نظرية أنماط التعلم. ويعد كتابه الصادر في 1984، التعلم التجريبي، نموذجاً لتشكيل أنماط التعلم الأربعة، الاستيعاب، التوافق، التباعد والتقارب.
وقد أدى نموذج كولب إلى تسجيل نمط التعلم، وسيلة التقييم المستخدمة لتحديد نمط التعلم للفرد.
حسب نظرية كولب، قد يظهر الأفراد تفضيلًا لأحد الأنماط الأربعة، لكن الدراسات الإخيرة تفيد أن سجل نمط التعلم معيبٌ بشكلٍ خطير.
وتتبع نظريات عديدة لأنماط التعلم نهج كولب، بما في ذلك التوصيف الشائع لأساليب التعلم الثلاثة – البصري، الحركي والسمعي.
خلال الثلاثين عاماً الأخيرة، زادت ممارسة التقييم والتدريس في أنماط التعلم. وفي مقال التعلم الشائع يقول شاونسي فيرو “كل ما أخبروك به عن كيفية تعلمك ليس سوى كذب.
لقد تم وضع العديد من تقييمات أنماط التعلم من قبل الشركات الهادفة للربح، وهو الأمر الذي لا يفيد دائماً في الحصول على بيانات أكثر موثوقية.
فالشركات تقوم ببيع الاختبارات والمواد التعليمية التي تسمح للمدرسين بتقييم أنماط التعلم لدارسيهم.” كما قامت بعض هذه الشركات بتمويل الأبحاث التي صارت نتائجها الإيجابية محل شكٍ وريبة في هذه الآونة.
علم الأعصاب والمحتوى المرئي
تقترح روث كولفين كلارك، معلقة على نتائج دراسة باشلر التي شككت في جدوى ونفع بحوث أنماط التعلم، بديلاً في منشور له على مدونة في 2012 بعنوان “أوقفوا تبديد الموارد على أنماط التعلم. دعونا نستثمر الموارد على أنماط ونماذج التعلم التي ثبت أنها تحسن التعلم.
على سبيل المثال، أظهرت الدراسات أن إضافة عنصر مرئي إلى شرح النص يحسن عملية التعلم بشكلٍ كبير في تعليم المبتدئين”، وتكتب روث “إذا كان لديك عرضاً مرئياً معقداً كمادة رسوم متحركة، يكون التعلم أفضل عند شرح المادة المعروضة بالصوت بدلاً من شرحها بالنص ؛لأن الشرح الصوتي يسمح للمتعلم بتركيز كل انتباهه المرئي على العرض المصور أثناء الاستماع إلى الشرح.”
من المحتمل أن تأتي نتائج الأبحاث في علم الأعصاب بالعديد من التقدمات في العملية التعليمية. ومن ثم، تشرح هيدي جوهانسين-بيرج، متخصصة علوم الأعصاب في جامعة أوكسفورد، أن في المخ، “يحدث التعلم في الأساس في الخلايا الشبكية العصبية، الوصلات الرابطة بين الأعصاب حيث يتم ترحيل المعلومات.
ويتغير أداء الخلايا الشبكية العصبية عندما نتعلم شيئاً جديداً، تمشياً مع المبدأ القائل بأن “الخلايا التي تنشط معاً، تتصل معاً.” ويمكن أن تزيد العديد من الأحداث قوة الخلايا الشبكية العصبية عندما نتعلم مهارات جديدة.”
اكتشافات جديدة
يساعد ديفيد روك، المشارك في تأسيس معهد القيادة العصبية، على توضيح المسار البادئ من علم الأعصاب إلى التعلم.
كما يتبع المعهد التطورات الجديدة في علم الأعصاب التي تساعدنا في فهم كيفية تعلم عقولنا.
وفيما كتبه لموقع TrainingIndustry.com في 2011، يصف دونالد جيه فورد ثلاثة نتائج بحثية في علوم الأعصاب للذاكرة لها آثارها ودلالاتها بالنسبة للتدريب: تردد وتجدد الخلايا الشبكية العصبية، كيف تقوى المشاعر الذاكرة ودور المعلومات والخبرات الجديدة وغير العادية.
وقد كانت هذه الاكتشافات والتطورات الجديدة وغيرها في علوم التعلم أكثر تكراراً في السنوات الأخيرة.
وتفيد أحدث الأدلة أن أي شيءٍ يجب القيام به مع علم الوظائف العصبية للتعلم سيكون عرضة للفحص والتحديات المحتملة.
المصادر:
Learning Styles: Going, Going, Almost Gone By Pat Galagan
للمزيد:
أكثر أنماط القيادة شيوعًا (وكيف تجدها في نفسك؟)