سيباستيان فيتيل وكيف انهار الحلم
“إنه رجل محبط للغاية، وهو يقوم بالصراخ على الراديو كطفل صغير”
هذا كان التصريح الذي صدر من الهولندي ماكس فيرستابين ذو الـ18 عام حول سيباستيان فيتيل. بعد الصراع الذي دار بينهما على أرض حلبة المكسيك. وهو ببساطة تصريح يلخص موسم الألماني الثاني مع فيراري عام 2016.
فذاك الموسم كان عامًا للنسيان بالنسبة لفريق فيراري وفيتيل. حيث كان الموسم الثاني لهما في آخر ثلاث سنوات دون إحراز أي إنتصار.
بدأت فيراري البطولة بآمال كبيرة وتوقعات أكبر. وأطلقت سيارتها ذات الألوان الكلاسيكية الأحمر والأبيض. والتي تذكرنا بحقبة السبعينات التي شهد فيها الفريق الإبطالي الكثير من النجاحات. بالإضافة إلى تشكيلة سائقين تحوي بطلي عالم.
والهدف الرئيسي كان إكمال المسيرة التي بدأها فيتيل والفريق في الموسم الذي سبق. وتحقيق المزيد من الانتصارات وربما محاولة المنافسة على لقبي السائقين والصانعين.
سيباستيان فيتيل وكيف انهار الحلم
كادت أن تكون بداية رائعة:
بدأ الموسم بشكل جيد مع انطلاق فيتيل ثالثًا خلف ثنائي المرسيدس، والتي تابعت تفوقها للموسم الثالث على التوالي. وتمكن الألماني من القفز نحو الصدارة بعد تجاوز السيارتين الفضييتين عند المنعطف الأول. وتصدر السباق لفترة طويلة ويتبعه زميله رايكونين.
ولكن دخول سيارة السلامة خلط الأوراق وتراجع فيتيل إلى المركز الثاني. وبعدها ارتكب خطأ عن المنعطف الأخير وخرج على العشب وأضاع الكثير من الوقت. وأضاع أي فرصة لمنافسة المتصدر روزبيرغ.

سيباستيان فيتيل وكيف انهار الحلم
المشاكل تبدأ باكرًا:
لم يمض وقت طويل قبل أن تبدأ مشاكل موثوقية سيارة الفيراري بالظهور. فلقد انسحب كيمي بعطل من السباق الأول، وانسحب فيتيل حتى قبل بداية السباق الثاني في البحرين.
واستمرت الأعطال والمشاكل طوال الموسم، والتي وصل مجموعها إلى ثمانية انسحابات، وهو رقم كبير لفريق يطمح بالمنافسة على اللقب، خاصة أمام فريق متجانس مثل مرسيدس.
وكأن الأعطال التقنية لم تكن كافية للفريق الأحمر، اصطدم سائق ريدبول الروسي دانييل كفيات بفيتيل ثلاث مرات في سباقين متتالين. حيث اصطدم بسيارتي الفيراري معًا في الصين. وبعدها اصطدم بفيتيل في المنعطف الأول من حلبة سوتشي في روسيا.
ومن ثم اصطدم به بعدها في المنعطف الثاني. الأمر الذي أدى لاحقًا إلى استبدال السائق الروسي بالسائق الشاب القادم من فريق تورو روسو ماكس فيرستابين.

ماليزيا 2016. تخبط فيراري خلف مرسيدس وريدبول
ريدبول الثور العنيد:
إن قدوم فيرستابين إلى ريدبول، جعل الأمور أسوء بالنسبة لفريق فيراري. فهو تمكن من الفوز في سباقه الأول مع فريقه الجديد على حلبة برشلونة الإسبانية، حيث انتزع الفوز من أمام سائق فيراري الفنلندي كيمي رايكونين. وانتزع لقب أصغر فائز بسباق في الفورمولا 1 من سيباستيان فيتيل.
وهو بالحقيقة كان مصدر إزعاج للفريق الأحمر طوال الموسم. فعوضًا عن منافستها مع مرسيدس. أمضى سائقًا الفيراري موسمهما يتصارعان مع سائقي الريدبول.
الفريق الذي حرمهم من الوصول إلى منصة التتويج في عدة مناسبات. وتمكن الفريق النمساوي من الفوز في سباقين ذلك الموسم. في حين لم يتمكن فريق الفيراري من تحقيق اية انتصار. وأنهى البطولة في المركز الثالث خلف الفريق الأزرق.
الأمور تزداد صعوبة:
مازاد الطين بلة ذلك الموسم هو مغادرة المدير التقني لفيراري جايمس اليسون. وحل محله الإيطالي ماتيا بينوتو. إلا أن الموسم كان قد شارف على نهايته. ولم تحقق الفيراري سوى بضعة منصات تتويج، مع تصدر فيتيل لسباق واحد فقط في النمسا. ولكنه انسحب لاحقًا بعدما انفجر إطاره واصطدم بالحائط.
أين الأعلام الزرقاء؟
الذي ميز موسم 2016 كانت التعليقات المستمرة لفيتل على راديو الفريق. فنادرًا ما كان يمر سباق واحد دون أن يبدي الألماني انزعاجه من السائقين الآخرين، ومن حالة الطقس، ومن منظمي السباق، ومن طاقم الحلبة والملوحين بالأعلام. وكان دائم المطالبة بالتلويح بالأعلام الزرقاء. ولكن يحسب لصالحه بأنه لم يقم ولا مرة واحدة بإنتقاد فريقه على الراديو أو في الصحافة.
إحباط فيتيل الكبير والمتكرر، يعود سببه إلى تراجع تأديته وتأدية فريقه. حيث بدا أن زميله كيمي كان أقرب إليه من ناحية السرعة والأداء مما كان عليه في العام الذي سبقه.
بالإضافة إلى أن المجهود الكبير الذي بذله الفريق الإيطالي لردم الهوة مع مرسيدس، لم يأتي بأي ثمار. بل وتراجع الفريق إلى المركز الثالث خلف ريدبول في التصنيف النهائي لذلك الموسم.
موسم 2016 كان محبطًا للغاية للسائق الألماني
قوانين جديدة وأمل جديد:
بدأ موسم 2017 بسيارات أعرض وتعديلات في الجنيحات الخلفية والأمامية. مما أعطى فرصة لفريق فيراري بالحلم بتغيير توازن القوى على أرض الحلبة.
ومنذ السباق الأول فرض الألماني فيتيل سيطرته. وفاز بالسباق أمام هاملتون، والحقه بفوز ثاني رائع بالبحرين. فالبرغم من دخول سيارة السلامة التي أضاعت استراتيجية فيراري، إلا أن فيتيل تمكن من الحفاظ على إطاراته لأكثر من أربعين لفة، و بالتالي يفوز بالسباق أمام هجمات ثنائي المرسيدس.
سيطرت فيراري على خط الانطلاق الأول في روسيا، ولكن انطلاقة رائعة من سائق مرسيدس الثاني الفنلندي فالتري بوتاس مكنته من الفوز. أمام هجمات فيتيل الذي بدا وكأنه استعاد قدراته القديمة التي مكنته من إحراز ألقابه الأربعة.
وكاد الألماني أن يفوز في أسبانيا، لولا تدخل بوتاس وإعاقته لفيتيل قبل تبديل إطاراته. ليتمكن هاملتون من الفوز في سباق بدت فيه الأفضلية لفيراري.
وجاء الثأر في موناكو، حيث حققت الفيراري ثنائية انطلاق أولى جديدة. ولكن هذه المرة مع كيمي رايكونين. إلا أن فيتيل كان أسرع بأشواط وتمكن من تجاوزه استراتيجيًا، وحقق فوزًا قويًا في الإمارة الساحرة. وبدأ يبتعد في صدارة ترتيب البطولة.

سيباستيان فيتيل وكيف انهار الحلم
فيتيل يفقد أعصابه:
بالرغم من أن موسم الألماني كان يسير بشكل جيد، إلا أنه وفي السباق الاذربيجاني فقد أعصابه كليًا. حينها كانت سيارة السلامة على وشك الخروج
حيث حرص فيتيل على أن يكون قريبًا من المتصدر هاملتون كي يحاول تجاوزه عند خط البداية النهاية. ولكن البريطاني الذي كان يقوم بتحمية إطاراته، أبطأ كثيرًا من سرعته مما تسبب بإصطدام فيتيل به من الخلف.
حيث شاهد الألماني قطعًا من مقدمة سيارته تتطاير في الهواء. وفي لحظة غضب وضع فيتيل سيارته بجانب هاملتون، وقام بتوجيه مقوده باتجاهه. مما أدى إلى تصادم إطارات السيارتين وارتفعت سيارة فيتيل قليلًا في الهواء.
هذا الفعل اللا رياضي أشعل المعلقين ومواقع التواصل الاجتماعي. وحصل فيتيل على عقوبة توقف عشر ثواني، التي أدت إلى تراجعه إلى المركز الرابع. مضيعًا الفوز بعد مشكلة هاملتون مع مسند رأسه. الأمر الذي فجر قريحة الصحافة الإيطالية التي لا ترحم، ووضع فيتيل في مأزق الدفاع عن نفسه.
بوتاس مجددًا:
في النمسا انطلق فيتيل أولًا ولكن تكرر سيناريو السباق الروسي. حيث أن انطلاقة رائعة من بوتاس مكنته من تصدر السباق حتى النهاية. ومجددًا أمام هجمات الألماني. ليعود هاملتون ويقنص الفوز على أرضه في بريطانيا. ولكن انثقاب في إطاري سيارتي الفيراري في اللفات الثلاث الأخيرة، ضمنت عودة هاملتون إلى إطار المنافسة على اللقب.
السباق الهنغاري شهد سيطرة رائعة لفيراري. حيث تمكن سائقيها من الفوز بالمركزين الأول والثاني. وبالرغم من مشاكل في مقود سيارته، إلا أن فيتيل قاد قيادة اسطورية بمساعدة زميله رايكونين الذي دافع عنه طوال السباق. حيث حصدوا النقاط كاملة. وفاز فيتيل بسابقه الخمسين مع الفريق الأحمر.
وفاز بعدها لويس هاملتون بسباقي بلجيكا الذي نافسه فيه فيتيل لآخر رمق. وعلى حلبة الفيراري في مونزا، حيث لم يتمكن الألماني من إحراز أفضل من المركز الثالث. والسباقان يعدان من السباقات السريعة التي لا تناسب سيارة الفيراري التي تفضل المنعطفات القاسية.

قدم فالتيري بوتاس اداءا رائعا في موسمه الاول مع فريق مرسيدس
نقطة تحول:
عند الوصول إلى سنغافورة، بدا أن فيتيل وفيراري في وضع جيد. خاصة أن فيتيل يسمى (أسد سنغافورة). حيث تمكن من الفوز أربع مرات على مضمار هذه الحلبة الصعبة. وفعلا انطلق فيتيل من المركز الأول، بينما تراجع هاملتون إلى المركز السادس. وبدا أن كل شيء يسير لصالح الفيراري.
وانطلق السباق على حلبة ليلية مبتلة. ولم تكن انطلاقة فيتيل جيدة، فعمد الألماني إلى الانعطاف بشدة باتجاه اليسار لتغطية ماكس فيرستابين، غير مدرك لوجود سيارة زميله رايكونين بمحاذاتهم.
وبمشهد درامي اصطدم الثلاثة ببعضهم، وانسحب كيمي وفيرستابين إلا أن فيتيل أكمل. لينزلق بعدها بأمتار بسبب الزيت المتسرب من سيارته المتضررة جدًا. وانسحب فيتيل من سباق كاد أن يجعله يبعتد بأشواط في نقاط البطولة عن منافسه هاملتون، الذي وجد نفسه متصدرًا السباق بعد المنعطف الثاني.
خطأ فيتيل كان كبيرًا وثمنه كان أكبر؛ لأنه صدر من بطل عالم رباعي ينافس على لقب البطولة مع أعرق فريق في ساحة الفورمولا 1.
وتتابعت الخيبات:
الأمور لم تكن أفضل في السباق الماليزي، حيث انطلق فيتيل أخيرًا بعد عطل في سيارته في التجارب الرسمية. ومما زاد الطين بله تحسن فريق ريد البول الكبير، الذي فاز بالمركزين الأول والثاني في السباق. وأصبح يشكل تهديدًا على فرص فيتيل بالبطولة، لأنه بدأ بقنص النقاط أمام سائقي السيارة الحمراء.
واستمرت المشاكل في اليابان، حيث انطلق فيتيل ثانيًا. ولكنه تراجع بعد عطل في محركه. وانسحب من السباق وفاز هاملتون.
وهنا بدأ اليأس يدب في أوصال الفريق الأحمر. حيث تمكن هاملتون من الفوز أربع مرات في السباقات الخمسة الأخيرة، واتبعهم بفوز خامس على حلبة أميركا. بعدما تجاوز سيارة فيتيل الذي دافع عن مركزه الأول طوال السباق إلى أن اعترضته سيارة متأخرة، سمحت لهاملتون بالاقتراب والتجاوز.
هاملتون يعادل فيتيل:
وعلى حلبة المكسيك تمكن هاملتون من إحراز بطولته الرابعة ومعادلة رقم فيتيل. حيث اصطدم فيتيل وهاملتون في بداية السباق. إلا أن البريطاني عاد وأنهى السباق في المركز التاسع. محرزًا ثلاث نقاط ضمنت له الفوز باللقب.
فيتيل تمكن من الفوز في السباق التالي في البرازيل, ولكن مع إحراز مرسيدس لقبي البطولة لم يبدو لفوزه أي طعم. وانتهت البطولة في أبو ظبي، مع إحراز فيتيل المركز الثالث خلف ثنائي المرسيدس. وحصل هاملتون ذلك الموسم على حصول 363 نقطة مقابل 317 لفيتيل.

سيباستيان فيتيل وكيف انهار الحلم
الفرصة الضائعة:
موسم 2017 كان خيبة أمل كبيرة، وضربة موجعة لفيراري ولفيتيل ولعشاقهم. فهم كان قادرين على إحراز اللقبين، حيث كان لديهم سيارة رائعة. وهي أول سيارة تستطيع منافسة السهام الفضية منذ ثلاثة أعوام مضت.
وبدا فيه بأن فيتيل كان في تألقه القديم. حيث كان منافسًا شرسًا لهاملتون في جميع السباقات. وبات يشكل تهديدًا حقيقيًا له، وقد كان من أروع سباقاته. وكان قريبًا من الفوز في معظم السباقات.
في موسم لم يمتلك فيه مساعدًا قويًا على عكس هاملتون. حيث قدم بوتاس الكثير من الخدمات للبريطاني، بينما فشل رايكونين بمساعدة فيتيل بشكل حقيقي إلا في السباق الهنغاري.
بالرغم من كل ذلك بدا وكأن فيتيل متجه نحو لقبه الخامس، إلا أن وقوعه في الخطأ الناتج عن ضغط المنافسة على اللقب، وضغط فريق فيراري والصحافة الإيطالية، دفعه إلى ارتكاب واحد من أسوء أخطاءه في سنغافورة. اللحظة الحقيقية التي أضاع فيها سيباستيان فيتيل لقب 2017.
لقراءة الجزء الأول في الرابط التالي
سيباستيان فيتيل…كيف انهار الحلم (الجزء الأول)
اقرأ أيضًا:
كريستيانو رونالدو يحطم الرقم التاريخى ويصبح الهداف التاريخى لكرة القدم
من هو لاعب كرة القدم “حمزة المثلوثي” وأهم محطاته الناجحة؟