الفتاة التي لا أعرف اسمها أو حتى طريقة استدل بها عن هويتها، الفتاة التى أحببت رؤيتها كحبي لزهرة التوليب، أحببت طلتها الخاطفة وإشراقتها البريئة وفحو عطرها البراق، أحببتها وتمنيت أن أقطف قلبها كما أقطف زهور التوليب من حديقة لا تعرف سوى الحب، حتى زهورها لا تُروى إلا بالحب .
وبسبب ركاكة شعوري بالمستقبل، شعرت بحاجة للهروب من فكرة المواجهة.. مواجهتها بحبي ولوعي لبشرتها الخمرية وعيونها الثاقبة الرؤية كشهاب مندلع نحو سماء صعبة المنال، لذا قررت أن أجعل خجلي يقود المهمة، وأن أعيش بين يديها بطيات الخيال وعالم الأحلام الوردية.
وكل ما أفعله تجاه هذا الحب الركيك أن أقوي عزمه باختلاس نظرات نحوها إذا سنحت لي الفرصة، وأن أعيش حياة العاشق المكبوت أجمع فتات جوارحي .
أتخيل مشهد حافل بالمشاعر الواهجة وأنا أهرول نحو شهابها البراق بعزيمة فارس عملاق، ولكن تضمر كل قواي حينما تواجهني بنظرتها المؤججة بنشوة العشق، فأرتكس كمدين يفر من إقتناص دائنه. كمجرم يحاول الهرب من نيل العدالة. وأردف نحو النكوص بعيداً بعيداً حتى لا أستطع أن يجمعني مجرد حلم خيالي بها .
فأكتفي بضعفي وخور لهفتي للارتقاء للخطوة الفاصلة بهذه العلاقة الواهنة من طرف واحد، برؤية مدبرة من جهتي، ومجرد محض صدفة لا توقظ لها ساكن من جهتها. حتى انطفأ الوهج وسقط الشهاب بعد أن ضل طريقه. وأصبحت طلتها المفعمة بالدموية ذابلة كوردة توليب لم تعد تسقى بالحب .. وأنا استرق السمع
السمع لدقات قلبها الخافقة، السمع لحس معنوي لا يُلمس، ولكن لمسته.. لمست وجعها وحاجتها للنهوض نحو إشراقتها المعتادة ولكن الأمر خرج عن سيطرتها، وهي الآن تبحث عن حديقة أخرى لتقمع بها وتفرش جذورها بين رمادها.. ولكن هذه الحديقة لا تنتمي لعالمنا
وذات يوم أعترف أنه تأخر عن إلحاقي بتدبر الأمر أو استعادة لقطة واحدة قمت بإلتقاطها لمعاناتها جعلتني أدرك أني تقاعست عن واجبي كحبيب حتى لو بعالمي الخيالي فانسبت كالماء نحو المشفى بيدي حفنة من زهور التوليب، متلصص من عيون الجميع، مترصد بأحساسي نحو غرفتها.
لا أعرف عن يقين أين هي، وهذا هو حالي مع حبها!!.. فهل أنا أعرف هويتها أو أي معلومة عنها.. والإجابة عن يقين وجزم بالنفي، ولكن هل أحبها وانفطر من اللوع وأنا أبحث عنها بين غرف المشفى.. والإجابة بالجزم نعم.
رحيل الحب
وبينما يسخر الجميع من قلبي، أنا لا أتبع سوى قلبي، قلبي الذي تحمل مرار الأثير أمام حبه، ومرار تنبيهات العقل الرافض لإحياء حتى مشهد لها بمخيلته، ومرار المواجهة التى طالما تعذبت أمام السعي لإتمامها دون جدوى.. أنا الآن أتبع سجيتي وقلبي بإرشادات أدق من أي جهاز رادار معقد الصنع .
حتى وصلت، وصلت للحب، وصلت لحديقتي المشعة بالألوان الزاهية لزهور التوليب، وتحركت بدبيب أقدام ينحو خطوة ويتعثر خطوة، ووخزات توقف مسعاي نحو رؤيتها، نعم !! .. لأول مرة أرفض رؤيتها.
فكيف أرى زهرتي المنبلجة راقدة بين الأجهزة الطبية والأوردة السيليكونية والذبذبات المتأرجحة بين لحظات أمل ولحظات قلق، وكيف أواجه ندمي القاتل وهو ينوح علي.. فلو كنت اعترفت بحبي لها لكنت شاركتها مرضها
فتركت باقة ورود التوليب بجانبها دون أى معلومة تستدل على من ابتاعها، فأنا شخص كعلامة استفهام بحياة فتاة استحقت الحب، كما يستحق كل شخص أن تكون حديقته مشعة بالحب.
أما من أحببتها فتوارت حديقتها عن الأنظار، وتركت عالمنا بروح زلالية تنفض أعباء هذه الحياة التي استخسرت بها حبيب ولهان كأساطير الحب الأفلاطوني. واستخسرت في الشجاعة. أعطتني الحب ولكن بدون الشجاعة. كأنها أعطتني زهور التوليب ولكن بدون رائحة أو لون .
ماتت زهرتي ودُفنت بحديقة نائية بعيدة عن رؤيتي، كما الحال بالحياة فلم تكن هذه الزهرة ملكاً لي بالبداية حتى تكون لي بالنهاية، حتى وأنا أمام قبرها أتوجه بإكليل زهور التوليب، لا أريد معرفة اسمها المحفور بلافتات القبور.. فقد تماديت بعشقي للأحزان وقررت أن أترك حديقة التوليب لمن يمتلك قدراً من الحب القادر على الصمود والتجلي .
من تألبف: محمد غنيم
للمزيد:
خلف جدران مخاوفنا، توجد حديقة سحرية.
قصة مكنتني من شرح الحصة..إنهم مغرمون بالقصص الخيالية
سر الريال الفضة “قصة في عاقبة الخيانة الزوجية”
2 تعليقان
من أجمل مراحل الحب هذه المرحلة التي تدور أحداثها فقط في الخيال ، حينما يميل القلب و تحمله قوة الحب لعالم من الخيال ، فلا تحتاج سوي نظرة من حبيب ربما تحميل مشاعر أكثر من ملايين الكلمات ، فقط نظرة تكفي لتحي بها لسنوات في خيال لا يعرف عن الواقع شئ ، حب ياتي قبل أي تفاصيل او مواقف ، حتي و ان كان هذا الخيال عن شخص صعب المنال .. رائع احساسك يا صديقي و كلماتك أروع ..
الله الله الله .. ايه الروعة والجمال!!
يا لها من قصة اخذتني بعيدا بعيدا، وافقت منها لأجد نفسي في الميكروباص ووجوه راكبيه المعهودة، أثناء طريق عودتي من عملي، ولكنها كانت جرعة امل وحب وشجن عشته بين حروفك المناسبة وكلماتك التي بالحب منسالة، تحياتي