يُعد فيلم الكنز قصة وإخراج شريف عرفة وسيناريو وحوار عبد الرحيم كمال، من أجمل أفلام العصر الحالي والذي لا يتميز للأسف بإنتاجات كثيرة عن أفلام تاريخية، خاصة وأن تاريخ مصر الفني حافل بأفلام تاريخية هامة كفيلم الناصر صلاح الدين، فيلم الرسالة، فيلم وا إسلاماه وغيرهم من الأفلام الهامة.
الحب والمصير
بـفيلم الكنز الجزء الأول (الحب والمصير) قصته تتمحور حول تاريخ ثلاث عصور مختلفة وهما العصر الفرعوني، عصر المماليك، عصر الملك فاروق قبل ثورة 52 بسنوات قليلة.
ومن خلال هذه الحقب الثلاث تم تجسيد درامي لثلاث قصص حب منسابة بين الأحداث التاريخية لكل حقبة كسرسوب الهواء البارد بين هبو حرارة صحراء عاصفة، والتي نتعرف عليها من خلال تسجيل مصور تركه بشر الكتاتني لابنه “أحمد حاتم” قبل وفاته ليسمع للتاريخ وكيف يصل للكنز بمنزل أثري قديم بالصعيد أتى الابن من الخارج لبيعه، ضارباً بالتاريخ والإرث والحب بعرض الحائط، ولكنه يرضخ لوصية أبيه ويشاهد الشريط المصور وقصة فيلم الكنز والثلاث قصص حب.
قصص الحب
القصة الأولى بحقبة الحكم الفرعوني للملكة حتشبسوت “هند صبري” ومعركتها بين تقاليد وأعراف الحياة الملكية وزوجها من الأخ الغير شقيق لها، ومعارضة الكهنة لكثير من توجهاتها السياسية، خاصة كبير الكهنة “محي إسماعيل” هذا الممثل فز الموهبة المظلوم حقاً منذ أن قدم دوره الأيقوني بـ “الأخوة الأعداء”.
حيث يحاول كبير الكهنة السيطرة على عقل حتشبسوت من خلال إدارة زوجها الحاكم الأشبه بحارس للعرش لا أكثر، وبين حبها لشخص من العامة وهو المهندس المعماري والحبيب الخفي “هاني عادل”.. فكيف ستواجه حتشبسوت ضغوط الحكم وأغلال الكرسي وأخطار الكهنة أمام حب ضعيف لن يصمد أمام كل هذه العقبات .
القصة الثانية
بحقبة عصر المماليك حيث الحب والانتقام يختلج معاً بإيقاع ساحر بين علي الزيبق “محمد رمضان” وبين روبي “زينب”، ابنة صلاح الكلبي “عباس أبو الحسن”، مقدم الدرك الفاسد والذي حارب الشطار ورأس الغول حتى حصر أمالهم في إنقاذ البلاد من ظلم الحاكم والوالي، حتى نضج علي الزيبق ليكمل مسار أبيه المجاهد والثائر ضد جبروت المماليك، ليجد نفسه مشتعل بجبروت الحب الذي ليس له حاكم أو سلطان.
ومن أن يعرف أنها ابنة قاتل والده، وما أن تعرف هي أنه عاد لينتقم من أبيها، فتتأزم هنا متطلبات القلب بين واجب الوطن الذي سيسطره التاريخ، وبين الجوارح وهفوات القلب المشتاق لرؤية محبوبته.
القصة الثالثة والأخيرة
وختامها مسك عن أجمل العصور.. عصر الخديوية حيث رئيس القلم السياسي وكبير ورئيس البوليس السياسي بشر الكتاتني “محمد سعد” والذي حقًا هو مفاجأة العمل، أو لم يفاجئ من هم مؤمنين بقدرات محمد سعد من البداية.
المعضلة في أن تغيير نمط فنه تأخر كثيراً، ولكن حينما قدم عمل درامي أقنعنا بحالة الانفصام بين طموح في أن يصبح الرجل الثاني بعد الملك حتى إنه قام بسجن أخيه “الراحل هيثم زكي” لينال رضا السلطة، وبين ضعفه أمام حبيبته نعمات “الرقيقة أمينة خليل” بصوتها العذب الذي سحره وجعله يعاقر الذهاب للملهى الليلي الذي تغني به بصوت المطربة ” نسمة محجوب ” الذي أمتعنا طوال الفيلم.
ولكن عندما يتعارض الحب مع السلطة فعلى بشر الكتاتني الاختيار بين تحصين سمعته وتنفيذ أوامر الملك الذي أمره بالذهاب للصعيد للقبض على خط الصعيد “جمال عبد الناصر”، وبين أن يعتزل كل هذا ويكسب حبه للمطربة، ولم يكن وقتها مهنة الفن مهنة مشرفة مثل حال اليوم مع أن الفنانين وقتها أفضل من فنانين اليوم وفنهم أرقى .
الحقيقة والخيال
وبالجزء الثاني الخاص بـ (الحقيقة والخيال) يبدأ كل منهما اتخاذ قراره بشأن الاختيار بين الحب والسلطة والانتقام والطموح.
فحتشبسوت تختار الحب وتزهد السلطة وصراعاتها مع الكهنة ولكن التاريخ الحقيقي لم يؤكد علي زواجها من سننموت، وعلي الزيبق يختار الحب وبالحب ينتصر على صلاح الكلبي ويفوز بحبه من زينب، أما بطلنا الرئيسي بشر الكتاتني فقرر أن يتناسى حبه الأول بحب آخر من الراقصة لواحظ “نهى عابدين” خاصة بعد زواج أخيه من نعمات وضياع السلطة منه بعد ثورة 52.
ليُخرج للنور حقيقة أن الحب دائماً هو كفة الميزان الرابحة .. وهو الكنز الحقيقي الذي لا ينبغي ضياعه مع مرور القرون والعقود، فالحب هو الحقيقة، أما السلطة والمادة وهم وخيال عابث بالعقل .. وأن الكنز في الرحلة لعبق التاريخ، والطيف العابر بين الثلاث حقب زمنية يوضحه شخصية قد تبدو خيالية “عبد العزيز مخيون”.
حيث جسد الكاتب الكنز المعنوي وعبق التاريخ بالمنزل الذي أراد الابن بيعه ولم يعلم مدى أهميته التاريخية، فبجدران المنزل نقشت نقوشات غير مرئية عن حياة علي الزيبق وحبه، وبهذا المنزل أستوطن بشر الكتاتني حتى رمقه الأخير مع لواحظ، وبهذا المنزل المقبرة السرية التي صممها العشيق سننموت لحبه حتشبسوت حتى يجمعهم بيت بعد الموت.
القصة قد تبدو عميقة بعض الشيء لاستخدامها الكثير من المناظير المعنوية، ولكن ما تدركه بآخر الفيلم كما أدرك الابن، أن ما يجب على الإنسان السعي خلفه وإهدار عمره لأجله، هو الكنز المعنوي (الحب) وليس المادة والسلطة.
للمزيد:
فيلم “توأم روحي”: معنى أحلام “عمر” + شرح نهاية الفيلم.
فيلم “Girl in the Basement” عن قصة واقعية
برلنتي عامر زوجة الفنان سعد الصغير
2 تعليقان
مقال رائع
أشكرك .. مرورك الأروع