العراب .. لم يكتشف العلم الى الآن وجود علاقة بين تشريح جسم الانسان و ابداع الكلمات والمعان، ولكن كثير من الأدباء استطاعوا اثبات تلك العلاقة، حيث يتعجب المثقفون حين يدركوا أن كثير من نجوم الأدب والكتابة قد درسوا الطب البشري ولم تطأ أقدامهم ساحة كلية الآداب طيلة حياتهم أمثال د. يوسف ادريس أمير القصة العربية، د. نوال السعداوي التي درس كل منهم في كلية الطب البشري وتخصصا في الطب النفسي، والعالم الكبير د. مصطفى محمود الذي أثرى المكتبة العربية بأكثر من ثمانون مؤلف أدبي و علمي وسياسي وحاز على جائزة الدولة التقديرية، ورجل المستحيل.. د. نبيل فاروق الطبيب الجراح الذي قدم السلاسل القصصية و الأفلام والدراما…و أيضا من جيل الشباب د. حنان لاشين التي درست الطب و د. عمرو عبد الحميد … ولكننا حين نتحدث عن كاتب جعل الشباب يقرأ فإننا نتكلم عن ” العراب ” صاحب القلم الذهبي دكتور أحمد خالد توفيق.
التعريف بـ صاحب القلم الذهبي دكتور أحمد خالد توفيق
طفل خجول لم يجد طريقة للتغلب على مخاوفه سوى أن يخرجها من رأسه بكتابتها على الأوراق والتي لم يكن يعلم وقتها أنها النبراس الذي سينير له طريق الشهرة و التميز ، تلك المخاوف التي كانت ترعبه وظلت تدق برأسه منذ طفولته ثلاثون عاما لتخرج الى عالم الأدب عام ١٩٩٢ سلسلة ” ما وراء الطبيعة” أول روايات مصرية في أدب الرعب، ذلك اللون الذي رفض انتاجه من قبل المؤسسة العربية وطلب من العراب أن يغير اتجاهه نحو الأدب البوليسي، لكنه أصر على أفكاره ليؤسس أول مدرسة أدبية مصرية في الرعب، وليكتب ماذا كان يريد أن يقرأه ولم يجده حوله في المكتبة العربية …
نشأة العراب
ولد ” العراب” بمدينة طنطا محافظة الغربية ١٠ يونيو ١٩٦٢ ذلك الطفل الموهوب المتفوق الذي راسل مجلة تان تان و صباح الخير و أرسل اليهما أشعاره، ولكن نظرا لتوفقه التحق بكلية الطب وتخرج منها عام ١٩٨٥ .
دراساته الجامعية
حيث تخصص في طب الأمراض المستوطنة حصل على الدكتوراه في عام ١٩٩٧، واستطاع خلال مشوار حياته أن يقدم أكثر من ثلاثمائة مؤلف أدبي ما بين روايات ومقالات وسلاسل قصصية و أعمال مترجمة ليرحل عن عالمنا في الثالث من أبريل عام ٢٠١٨ تاركا لنا تاريخ من الأعمال الأدبية المشوقة …
حياته العملية
شاعر
” أبصرتها يوما حسناء منزوية..
دخلت علينا خلف الرتاج منطوية..
وما انفكت تحدق في دروب ملتوية..”
تلك الأشعار هي أول ما كتبها الشاعر ” أحمد خالد توفيق” وقد نشرت في مجلة ” صباح الخير” وهو في المرحلة الثالثة الإعدادية، فكثير منا لا يعلم أن ” العراب” بدأ حياته كشاعر في طفولته حيث كان يراسل المجلات الأدبية لتنشر أشعاره.
البرمجة في حياة الدكتور أحمد خالد توفيق
من الطريف أن الدكتور ” أحمد خالد توفيق” قد عمل مبرمجا بالمملكة السعودية لمدة ٦ أشهر وقد جاء ذلك وفقا لتصريحاته للإعلامي ” خيري رمضان ” في برنامج ” ممكن”، ومن الواضح أنه كان متأثرا بالبرمجة في كتابته فقد قدم سلسلة ” دبليو دبليو دبليو” التي كان بطلها فيروس كمبيوتر ينتقل من حاسب لآخر ليحكي في كل مرة قصة مختلفة، كما ظهر ذلك التأثر في روايته الشهيرة ” قصة تكملها أنت” التي كان بطلها مبرمج كمبيوتر، والتي قدم من خلالها مبادرة للشباب كي يشاركوا ” العراب” بكتابتهم في اكمال القصة ويساعد في تقديم الأقلام الشابة للساحة الأدبية …
دراساته الطبية
حصل ” العراب” على بكالوريوس الطب قسم الأمراض المستوطنة جامعة طنطا في عام ١٩٨٥ وعمل بمهنة الطب عدة سنوات منهم عام كامل في المملكة السعودية وكان له عيادته الخاصة التي أعلن بأنه قام بأغلاقها لتفرغه للكتابة، حيث صرح بأحد البرامج التلفزيونية أنه لو كان تفرغ لعيادته ما استطاع كتابة ذلك الكم من الكتب، ومن الواضح أن الدكتور قد تأثر بمهنة الطب في مؤلفاته حيث كان بطل مجموعته الأولى “ما وراء الطبيعة” دكتور ” رفعت إسماعيل” طبيب أمراض الدم والذي سأل ” العراب” في أحد البرامج هل كان معبرًا عنه فأجاب ربما حبه للعلم والاطلاع وخجله الشديد ولكنه كان لا يحب أن يكون وحيدًا مثله فهو زوج وله ابن وابنة، كما اختار بطل سلسلة ” سفاري” دكتور ” علاء عبد العظيم ” الذي سافر الى الكاميرون ليحارب الأوبئة والخرافات بالعلم،
العراب مدرس جامعي
استطاع أن يحصل د. أحمد على الدكتوراه في عام ١٩٩٧ وقد قام بالتدريس الجامعي في كلية الطب جامعة طنطا …
ناقد سينمائي
ربما لا يعلم الكثير أن الدكتور أحمد خالد توفيق اشتغل بمهنة النقد السينمائي بل وألف كتب متخصصة فيه مثل كتاب ( أفلام الحافظة الزرقاء) الذي صرح في مقدمته بعمله في مجال النقد
“.. وقد أسعدني الحظ وكتبت مقالات سينمائية لفترة قصيرة في مجلة ” الفن السابع ” التي كان الفنان محمود حميدة ” مديرها..”
أعماله بالصحافة
انضم العراب الى أسرة صاحبة الجلالة في عام ٢٠٠٤ من خلال مجلة الشباب التي كانت تصدر عن مؤسسة الأهرام، كما كانت له منشورات متعددة في جريدة التحرير.
الكتابة والرواية طريقًا له
انضم العراب الى المؤسسة العربية الحديثة في عام ١٩٩٢ ليقدم أول سلسلة في أدب الرعب وهي سلسلة ” ما وراء الطبيعة” ثم تنوعت مؤلفاته بعد ذلك بين كتب المقالات والروايات المترجمة و السلاسل القصصية ليقدم خلال حياته الأدبية ما يقرب من ثلاثمائة مؤلف قدمها من خلال التعاون مع عدة دور للنشر كدار ” ميريت” ، ودار ” دايموند بوك” ودار ” ليلى” ودار ” الكرمة” ودار ” الشروق” .
حياته العائلية
تزوج العراب من الدكتورة ” منال الحمل” دكتورة أمراض الصدر أحد أبناء مدينة المنوفية وقد أثمرت هذه الزيجة عن ” محمد ” و ” مريم” الذي اختار كلية الصيدلة ولم يختار طريق الأدب مثل والدهما .
حياته الأدبية
في بعض الأحيان الخروج عن النص، والمخاطرة تكون هي السبب الوحيد للنجاح، فقد بحث العراب عن الاختلاف، وأن يسير عكس الاتجاه، كتب لون أدبي بحث عنه كثيرا في المكتبة العربية فلم يجده وقرر أن يؤسسه متحديا أي مخاطر، طلب منه من قبل المؤسسة العربية الحديثة أن يغير اتجاه الأدبي من الرعب نحو اللون البوليسي ليسير في نفس اتجاه كتابات د. نبيل فاروق الذي أصدر سلسلة ” رجل المستحيل” ولكنه رفض بشدة ، لتقوم المؤسسة بتشكيل لجنة أخرى لفحص عمله ويشيد به أحد أعضاء اللجنة ويدفع الدار لنشره ويكون هذا العضو هو د. نبيل فاروق نفسه الذي رفض العراب أن يسلك مساره البوليسي في الأدب …
لم يكن اللون الأدبي فقط هو التابوت الوحيد الذي كسره العراب، بل كسر فكرة البطل الخارق نفسه، فلم تكن أبطاله مثل سوبر مان والرجل الوطواط والعنكبوت والمرأة القطة حيث يملكون صفات جسمانية خارقة تمكنهم من انقاذ الضعفاء، ولكن أبطاله كانوا يملكون قوة العقل والتفكير والثقافة والخيال …
سلاسله التي أبدع فيها
ما وراء الطبيعة
فقد اختار د. رفعت إسماعيل طبيب أمراض الدم ذلك الكهل العجوز الذي كتب مذكراته من خلال سلسلة ” ما وراء الطبيعة” في اثنى وثمانون قصة بدأها في عام ١٩٩٢ ونهاها في عام٢٠١٤ حيث أعلن العراب وفاة دكتور رفعت إسماعيل ، وحينما طالب الشباب العراب بعدم إيقاف مذكراته وعدهم العراب أنه سوف يظهر ثانيا من خلال أعداد خاصة قادمة، ولكن للأسف لم يستطع تحقيق وعده لهم ..
سلسلة فانتازيا
كما اختار ” عبير عبد الرحمن” تلك الفتاة البسيطة التي تعمل في أحد المكتبات ولا تفعل شيء بحياتها سوى القراءة لتكون بطلة سلسلة ” فانتازيا”، وحينما سأل العراب عن شخصية البطلة حقيقية أم خيالية فأجاب أنه استوحها من فتاة بسيطة تعمل بنادي الفيديو بجوار منزله، سلسلة فانتازيا هي ثاني سلسلة للعراب صدرت بعد ” ما وراء الطبيعة” وهي لم تتحقق شهرتها ولكن أثارت جدلًا واسعًا لتشابه فكرتها مع المسلسل الأمريكي ” القفزة الكمية ” التي عرض في عام ١٩٨٩ أي قبل صدور السلسلة بنحو ست سنوات، ولكن العراب نفى فكرة الاقتباس موضحًا أنه من الطبيعي وجود تشابه بين قصصه والقصص الغربية نظرًا لثقافته الأجنبية وتأثره بها، السلسلة تكونت من ٦٤ قصة حققت نجاحا واسعا بين القراء..
سلسلة سفاري
كما اختيار العراب لدكتور ” علاء عبد العظيم” بطل سلسلة سفاري ذلك الدكتور الشاب المثقف الذي ذهب الى ” الكاميرون” ليحارب السحر والخرافات بالطب والعلم لم يكن مصادفة، فقد اعتاد أن يكونوا أبطاله خارقين الذكاء والعلم والمعرفة وبالتالي خرج جميع أبطاله عن مواصفات البطل الخارقة التقليدية ، حتى في سلسلة “www ”
علاقته بالكمبيوتر
كان البطل فيروس كمبيوتر ينتقل من حاسب الى أخر وفي كل مرة يحكي لنا قصة صاحب الحاسب الجديد …
قدم أيضا سلسلة ” روايات مصرية للجيب” التي بدأها د. نبيل فاروق واستكمالها منذ العدد السابع وهي عبارة عن روايات مترجمة..
قدم العراب أربعة روايات ” يوتوبيا، السنجة، مثل ايكاروس، في ممر الفئران” كانت أشهرهم هي ” يوتوبيا” حيث ترجمت الى اللغة الإنجليزية والفرنسية و الألمانية وقد ذكر العراب في لقائه مع ” بلال فضل” في برنامج ” عصير الكتب” التلفزيوني أن المترجم الانجليزي قال له ” أنه كان مرعوبا وهو يترجم الرواية”، كما ذكر الناشر ” محمد هاشم” صاحب دار ميريت الناشرة للرواية ، أنه صدر ٤ طبعات من الرواية في عام واحد بمقدار اثنى عشر ألف نسخة، أي بمعدل ألف نسخة كل شهر…
العراب وابداعاته المقالية والروائية والقصصية
كما صدر له ثلاث عشر مجموعة قصصية ما بين عامي ( ٢٠٠٥- ٢٠١٤) كان من أشهرها ” عقل بلا جسد، لست وحدك، الآن نفتح الصندوق).
وما بين عامي ” ٢٠٠٩-٢٠١٥” صدر له عشرة مجموعات مقالات كان من أشهرهم “ فقاقيع، زغازيغ، شربة الحاج داود” والذي امتازوا بالأدب الساخر، و ” أفلام الحافظة الزرقاء” التي تناولت تحليل فني لعدد كبير من الأفلام العالمية..
وكانت آخر روايته هي رواية ” شآبيب” التي قدمها في يناير ٢٠١٨ ولم يتسلم جائزة تصويت الجمهور لها بأحسن رواية لعام ٢٠١٨ حيث وافته المنية في الثالث من أبريل من نفس العام وتسلمها عنه ابنه ” محمد أحمد خالد توفيق”…
وفاته
“اليوم، كان من الوارد جدا أن يكون موعد دفني هو الأحد 3 إبريل بعد صلاة الظهر.. إذن كان هذا هو الموت، بدا لي بسيطًا ومختصرًا وسريعًا، بهذه البساطة أنت هنا، أنت لم تعد هنا، والأقرب أننى لم أر أي شيء من تجربة الدنو من الموت التي كتبت عنها مرارًا وتكرارا، تذكرت مقولة ساخرة قديمة، هي أن عزاءك الوحيد إذا مت بعد الخامسة والأربعين هو أنك لم تمت شابا”. …
هذا ما قاله العراب في الصفحة ٦٢ من كتابه ” قهوة باليورانيوم” وكأنه كان يشعر بميعاد موته، ومن الغريب أيضا أنه كتب تلك العبارة في الصفحة الثانية والستون وهو ما يعادل عمره بالتقريب عند وفاته بالتقويم الهجري…
رحل عنا العراب في الثالث من أبريل عام ٢٠١٨، رحل بعد ربع قرن من الإنتاج الأدبي العربي والعالمي، رحل بعد أن جعل جيل يقرأ، رحل بعد أن خلده التاريخ ونعاه المثقفون والعامة، الوزراء والبسطاء ، رحل تاركا ارثا من الابداع ما يقرب من أربعمائة مؤلف، رحل فجأة على غرة من توقف قلبه قبل أن يصل للستون من عمره وكأنه كان يعلم مصيره حين قال :-
“الموت يأتي بسرعة فائقة فلا تراه قادما .. ومن ماتوا لم يجدوا فرصة ليخبروا الآخرين بهذا ”
المراجع
أفلام الحافظة الزرقاء- أحمد خالد توفيق.
قصة تكملها أنت – أحمد خالد توفيق.
قهوة باليورانيوم – أحمد خالد توفيق .
اقرأ أيضًا
1 comment
مقال جيد جدا