يصور الكاتب يوسف زيدان في روايته ” عزازيل ” معاناة راهب مصري. كانت حياته مليئة بالمشاكل و الأزمات و التحديات. فكان الإيطار الزماني و المكاني لهذه الرواية هما الصورة النمطية الواضحة التى يصورها هذا الراهب المدعوا بالراهب هيبا ..
و عليه فإن هناك عدة ابعاد نستخلصها من هذه الرواية و هي :
ابعاد رواية ” عزازيل ” ليوسف زيدان
أولا : البعد الجغرافي و الزماني ..
يروي يوسف زيدان إن المكان الذي حدثت فيه الحادثة، كان يتمتع بالتنوع الثقافي و العقائدي، اليهودي و المسيحي وحتى الوثني ..
أما من الناحية الزمنية .. كانت هذه المرحلة هي المرحلة الإنتقالية. أي ارهاصات(بدايات) الدخول في القرون الوسطى الظلامية و التي ستحدد دلائلها في الأبعاد القادمة.
ثانيا : البعد السياسي و العقائدي
من خلال قراءتنا للرواية التي يسردها الكاتب يوسف زيدان على لسان الراهب هيبة. نستنتج أن هذه الفترة التي عاصرها هيبة، سادتها الصراعات و الإنشقاقات، السياسية منها و العقائدية. و يظهر ذلك في تلك المخلفات الإختلافية التي خلفها مجمع نيقيا الذي عقد سنة 325م حول طبيعة ألوهية المسيح. الذي جمع قساوسة العالم المسيحي، آريوس من جهة و قساوة الآخرين من جهة أخرى. والذي كان على رأسهم أثناسيوس .. فهنا يظهر المشكل العقائدي الذي سيؤدي إلى الإطاحة بنسطور أسقف القستنطينية و تجريمه بالهرطقة(البدعة). و عليه نستنتج هنا أن هذا هو بداية إنشقاق المسيحية الى طائفتين كبيرتين، الأوثوردوكس و الكاثوليك ..
أما من الجانب السياسي .. سنجد هنا أن الإمبراطور متواطئ مع أساقفة الكنائس الكبرى و خاصة أسقف الإسكندرية و عمله الإرهابي ضد الوثنيين، بحجة التكفير. حتى الإطاحة بالأسقف نسطور كان له بعد سياسي. لأنه في حالة معارضة الإمبراطور الروماني لقرارات الكنيسة، سيكون ذلك بمثابه الخروج عليها. وعليه سيصدر العصيان ضده و بعدها ازاحته، و هنا نلاحظ أن السلطة الدينية في تتحكم في زمام الأمور ! .
ثالثا : البعد الفكري و الحضاري …
في الحقيقة المتأمل في هذه الرواية، سيكتشف الكثير من الأمور و التي يطول شرحها. و أنا من هنا أحي الكاتب يوسف زيدان، فإنه يقدم صورة رائعة للأبعاد الفكرية و الحضارية. و لعلها ستكون إجابات واضحة تجيب عن أسباب التخلف و الإنحطاط ..
فـ الراهب هيبة في بداية قصته يروي للقس نسطور عن الجماعة التي قتلت والده، بسم المسيح. وذلك انه كان أبوه وثني من الديانة الأخناثونية نسبة لأخنتون. وليس هذا فقط بل ايضا ماجرى للمرأة أوكتافيا و هيباتيا. و كيف نال منهما القارئ بطرس، و خاصة هيباتيا الفيلسوفة الجميلة بروحها وصورتها و أفكارها.
هنا يعكس مستوى الدعشنة بالمصطلح المعاصر ، و هذا له تاثير حضاري رهيب. و عليه نفهم أن التطرف ليس وليد الإسلام فقط كما يزعمون، بل هو وليد كل عقيدة دينية، يعاقب اصحابها بسم الرب، وهذه فضيحة حضارية لدى المسيحية …
أما الفكرية … هو ذلك الحرب الشنيع الذي مارسه اساقفة الكنيسة و اولهم اسقف الإسكندرية، على كل فكر عقلي فلسفي محض، فقط شبهوا الفلاسفة العقلانيين المؤسسين للفكر الإنساني بالشياطين الذين يعبثون بالديانة المسيحية، فحرقت كتبهم و حرمت آراؤهم و من يقرء لهم هو مهرطق (مبتدع )، و كما ذكرنا سالفا .. الفيلسوفة هيياتيا كانت مثال حي على ما ذكرنا …
و من هنا تبدأ العصور الوسطى، العصور الظلامية، العصور التي عطلت العقل و جعلته خطيئة باسم الرب، تعطلت الفيزياء و الرياضيات و الفلك … الخ
و للأسف هكذا فقدنا حضارتنا الإسلامية، بعدما زندق و بدع مفكريها و باحثيها، فحكم عليهم بالكفر .. فحرفت كتبهم و حرمت آراؤهم … وما الفيلسوف إبن رشد ببعيد من هيباتيا …
انه نفس الخطأ الذي وقعت فيه المسيحية من قبل .. الى اليوم نحن ندفع الثمن، بسبب فتوى لمشايخ يعشون خارج العصر !!
جاء أحد المشايخ المسلمين الى سلطان الدولة العثمانية، يأمره فيها بأن يفكك مرصد فلكي كان قد صنع في تلك الفترة، بحجة أن هذا المرصد يرصد (يراقب) حركة النجوم، ومن يرصد حركت النجوم هو من المنجمين و المنجمين هم سحرة و السحر محرم … وهكذا
انها فعلا كارثة … و هكذا تخلف المسلمون و تقدم غيرهم ..
و بالتالي هذه النقطة اثمنها كثيرا للكاتب يوسف زيدان .
رابعا : البعد الإحساسي و المشاعري …
رغم أن الراهب هيبة حاول كبح نفسه و ترويضها للحفاظ على رهبانيته، الا أنه لم يستطع فكان عزازيل قد نجح في اغوائه، و من هنا جاءت فكرة عنوان الرواية، عزازيل ، ….
من خلال التصوير الذي قدمه الكاتب، نكتشف أن الراهب هيبة قد مر بثلاثة مراحل تجريبية في الأحاسيس العاطفية، و كل مرحلة تختلف عن الأخرى، من ناحية المعطيات و المميزات …
التجربة 1:
تميزت بالإغوائية و خاصة لما توفر له كل شيء، فكانت او تجربية له، و أيضا جرب أحاسيس إمرأة تكبره، فقط التمس منها العطف و الحنان و الإهتمام، وكان قد اعترف أن اول مرة يهتم به شخص هذا الإهتمام، وخاصة لما تركته أمه، و عليه فإن أوكتافيا قد غمرته بهذه الأحاسيس و عوضته عن كل شيء في ثلاثة ليالي فقط …
التجربة 2 :
هي تجربة فريدة من نوعها و لن يكتشفها الا الراسخ في النفس البشرية، ومن هنا قد تحتسب هذه للفاروق هههه، لأن لما التقى الراهب هيبة لأول مرة، بالفيلسوفة هيباتيا، غمره الكثير من الإحساس المبني على الإعجاب، بعلمها الغزير و رؤيتها الواضحة، ومعاملتها الطيبة، ربما بل من المؤكد أن الراهب هيبة كذب لما قال سأطلب منها بأن تتخذني أخ او إبنا لها ، بل أحبها حبا له مشاعر ليس من السهل وصفه، لأن حب المرأة لا يكون في العاطفة و الصورة الجمالية فقط، بل أيضا في علمها و معرفتها .
التجربة 3 :
وهنا كان نبش ماضي أليم، وتهييج مشاعر كان قد قانى في تكبيلها، لكن فلت ذلك و طبعا بمباركة عزازيلية _ شيطانية _ و هذه التجربة أنا أراها هي عكس التجربة الأولى، لأن الأولى كانت أوكتافيا تكبره في السن فعوضته الحنان، أما الثالثة فيكبرها هيية في السن لذلك كانت مارتا هنا بحاجة الى حنانه و حمايته، فشعر هو بذلك. و من هنا قد نستنتج أن السن له دور كبير في الحب، قد يكون الشخص بحاجتك فتحبه و قد تكون انت بحاجته فتشعره بذاته و بدوره فيحبك .
خامس : البعد الحرماني … !!
لو تأملنا في حياة الرهبنة التي التي عاشها الراهب هيبة، هي حياة أليمة جدا لكل الرهبان، و ما هيبة إلا صورة مصغرة لهم، الله عز وجل منحك في هذه الحياة كل شيء طيب لما تحرم نفسك منه ؟
قال تعالى في محكم تنزيله : {و رهبانية إبتدعوها } ، أي أن الرهبنة لا علاقة لها في عبادة و طاعة الله عز وجل، هي فقط مبتدعة، و للأسف هناك من الصوفيين الطرقيين انتهجوا هذا النهج … !!
لما تحرم نفسك من الذ المشاعر التي رزقك الله اياها و أودعها في كل طبيعة بشرية، ليس بالضرورة تزني و ماشابه ذلك .. الزواج حل و حب لهذه الأمور ..
قال عليه الصلاة و السلام :
( أما أنا فأكل و أشرب و أتزوج النساء ) وهذا ما يجعل ديننا دين يسر لأنه يحاكي فطرة الإنسان ..
لنتأمل في حياة الراهب هيبة، كان قد أنب نفسه عندما وقع في الخطيئة مع أوكتافيا، إلى درجة أنه أراد أن يخْسي نفسه (يقطع خسيتين) تكفيرا لخظيئته !!
انه الحرمان الذي ليس له في طبيعتنا الإنسانية سلطان، و ما كان الله ليفرضه على كل إنسان، وليس بالضرورة الزنى و العصيان، فالزواج هو الأحب للعبد بكل إخلاص و طُهران
تعقيــــب :
الرواية جميلة جدا و رائعة و لها أبعاد كانت في القمة كما ذكرنا سابقا، لكن هذا لا يعني أن ليس فيها نقائص، و هذا ما نحاول إظهاره، مع أننا لسنا أهلا لذلك، و مع هذا لا بأس بالمحاولة :
أولا :
يوسف زيدان، أنت تسرف كثيرا في الإطناب، نعم إنه الإطناب فوق الحد، فهناك عبارات و جمل زائدة لا دور لها، كما أنك تبالغ كثيرا في الوصف و اكثرت منه، و لو أجرينا عملية حسابية لوجدنا أكثر من مئة صفحة زيادة، صراحة .. !!
ثانيا :
لا أدري ان كنت مصيبا هنا و لكن لاحظة أن عرضك للعقيدة الآريسية كان محتكرا و مغلوطا نوعا ما، لأن آريوس واجه عقيدة التثليث، و لم يعترف بألوهية المسيح، بل قال أن المسيح عبد وهو رسول من الله، و لكن كنت أني قرات بعض الأسطر تتكلم فيها أز آريوس نفى الثالوث وأقر بالألوهية !!
لا ادري من اين استقيت هذه المعلومة، لكن أنا أؤكد لك أن الدراسات الأخيرة تقول أن آريوس كان موحدا و لم يكن يعترف بألوهية المسيح، لذلك أتمنى ان يعاد النظر في هذه المعلومة.
ثالثا:
مع استدلالك بالحديث في مستهل الرواية تبين أنك مسلم و هذا شيء جميل. لكن القارئ البسيط لهذه الرواية قد يغوص في أعماق المسيحية و يتلذذ بعباراتها البراقة السامية، فيفتتن بها !!
و هذا يشكل خطر على عقيدة المسلم البسيط. و قد تكون تمهيد مجهول له، و لذلك كان من الأجدر وضع ملاحظات مقارنة بين الاسلام و المسيحية ..
رابعا :
مهما بلغت هذه التعقيبات في حدتها، لن تنقص من عملك الجبار، و أنت مشكور على ذلك، ولعل تفسيري الوحيد للإطناب المفرط، هو أنك تطمح بأن تجسد هذه الرواية على أرض الواقع و تكون فلما أو مسلسلا، و بالتالي لن يجد المشرفون صعوبة في صناعة السيناريوا ..
.. تحياتي للمجيع …
أ . فاروق حمرالعين الجزائري
إقرأ أيضاً
الفيلسوف ابن رشد آخر فلاسفة العرب
رد الجميل للدكتور محمود سامي .. يكون برد بصره الذي فقده من أجلنا .
ابن رشد ومستقبل الثقافة العربية للدكتور عاطف العراقي
1 comment
الحمد لله الذي بحمده تتم الصالحات، بفضل الله قرءتا هذه الرواية ، و بكل تواضع حاولنا تحليلها و اعطاءها عدة معالم أخرى .