رواية مرفأ الأربعين .. هي أحدث أعمال الكاتب أيمن رجب طاهر، الحائز على جائزة الدولة التشجيعية لعام 2016 عن روايته التاريخية القحط، والتي دارت أحداثها حول المجاعة الناتجة عن انحسار نهر النيل في مصر، وذلك في فترة الشدة المستنصرية في عهد الخليفة الفاطمي المستنصر بالله، أما رواية مرفأ الأربعين فهي تؤرخ لمصر الحديثة بعد حرب أكتوبر المجيدة وحتى الوقت الحالي، وذلك من خلال بطل الأحداث غريب ضيف العريان، على مدى ثلاثمائة وأربع وعشرون صفحة هم صفحات الرواية.
مضمون رواية مرفأ الأربعين للكاتب أيمن رجب طاهر:
تبدأ أحداث رواية مرفأ الأربعين ببطلها غريب ضيف العريان، وحيداً في منزله، ويقرر أن يبدأ الكتابة كوسيلة منه لتعويض ما فات من عمره؛ فيبدأ في كتابة سيرة حياته الذاتية، بدءاً من أول لحظة تعيها ذاكرته، وهو يشتكي بعض الآلام التي تذهب به أمه على إثرها للمستشفى، ويعود ليصف منزله وحياته مع والديه وحالتهم الاجتماعية والمادية، والحالة الصحية لأبيه الذي يبدو أنه يكبر أمه بسنوات عديدة، ويعاني الأزمات الصحية نتيجة إدمانه للتدخين والشيشة، التي ستودي بحياته بعد عدة أعوام.
فيما بعد نعرف من السرد الروائي للأحداث أن غريب ضيف العريان بطل الرواية، هو مواطن مصري بسيط، من أسرة فقيرة الحال، تسكن في شق صغير بأحد القرى في مركز أبنوب التابع لمحافظة أسيوط، تتكسب عائلته من دكان بسيط لهم على عتبة بيتهم، يبيع والديه فيه الملح والعسلية، وفي مواسم الموالد والليالي الكبيرة، تأخذه أمه لبيع العسلية والفول السوداني في الموالد للمرتادين، وعلى الرغم من فقرهم وبساطة أحوالهم إلا إنهم يصروا على إرسال ابنهم الوحيد إلى المدرسة ليتعلم.
ثم تدريجيا يكبر غريب، ويعاصر في مراحل حياته المختلفة أحداث تاريخية لمصر، وأول تلك الأحداث كان اغتيال السادات في 6 أكتوبر 1981، وفي اليوم التالي يموت أبوه، وتكون تلك أول تجاربه مع الموت، وتستمر به الحياة على هذا المنوال، حياته البسيطة في الشق التي يحاول تحسينها وتطويرها، وتطوير نفسه بحب القراءة والاطلاع على كل جديد، وتفريغ خبراته وتجاربه على الورق في هيئة قصص قصيرة تلاقي الاستحسان من أصدقاءه ورواد قصر الثقافة في منطقته، وعلى الناحية الأخرى الأحداث الجسام التي تصيب مصر والوطن العربي كافة؛ فيتأثر بها في حياته سواء وجدانياً ومعنوياً أو فعلياً.
تأثير أحداث التاريخ في أحداث الرواية:
فبالإضافة إلى ذلك تسجل رواية مرفأ الأربعين أحداث هامة، كسفر الكثير من المصريين للعمل في الخليج ومنهم بعض أصدقاء البطل وجيرانه، والغزو العراقي للكويت، ومن ثم اعلان الدول العربية الحرب على العراق بزعامة أمريكا؛ لإخراجها من الكويت، والانتفاضات الفلسطينية، واستشهاد الطفل الفلسطيني محمد الدرة، وسقوط برجي التجارة العالمية في أمريكا، وإعلان حركة طالبان مسئوليتها عن ذلك، ثم الغزو الأمريكي للعراق، ومن بعده القبض على صدام حسين، وإعدامه في عيد الأضحى، والهجرات غير الشرعية لإيطاليا في سبيل الحصول على فرص أفضل، تنتهي بهم غرقى في عرض البحر.
وفي النهاية نصل مع غريب وبناته إلى ثورات الربيع العربي، التي اندلعت في العديد من الدول العربية، داعية لحصول الشعوب على أبسط حقوقهم المتمثلة في العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية، لنكتشف في النهاية أن غريب ضيف العريان قد أرخ لسيرة وطن كامل من خلال حياته التي أتم أربعين عاماً منها في هذه اللحظة، وكانت هذه هي طريقته الخاصة في اكتشاف ذاته، والشعور بزخم تلك الحياة؛ ليقرر أن يبدأ الكتابة عن كل شخص يعرفه بعد أن بدأ الكتابة عن نفسه.
نقد الرواية:
فيما يبدو لقارئ رواية مرفأ الأربعين للكاتب أيمن رجب طاهر، في البداية لا يستطيع التعرف على كنه أو هدف الرواية، حيث يبدو له البطل مجرد شخص يشعر بثقل الحياة، ويقرر الجلوس لكتابة مذكراته منذ بدء حياته، وقد يشعر القارئ بالانفصال عن الرواية في البداية، إذ قد يتساءل: ومالي أنا ومال ما يشعر به البطل من سأم حياته الماضية واسترجاع ذكرياته الخاصة؟!، لذا أعتقد أنه كان من الأفضل البداية بجزء النهاية الذي يتضح فيه أن البطل يتم عامه الأربعين، وأنه يسعى لاكتشاف ذاته وإثبات هويته من خلال استرجاع حياته.
فبالإضافة إلى كون هذا يوضح للقارئ الهدف من القراءة؛ حتى لا يشعر أنه يقرأ مذكرات شخص ما لا يعرفه بدون هدف، وأيضاً يكسب تعاطف القارئ، إذ أن الكثيرين قد يمرون بتلك المرحلة التي يشعرون فيها أن حياتهم تمضي بلا هدف، وأن ما من شيء ذو قيمة يحدث في تلك الحياة، مما يجعلهم متحمسين للقراءة؛ ليعرفوا كيف تغلب البطل على تلك المشاعر، وكيف استطاع استرداد حياته؟
أما النقطة الثانية من الملاحظات على رواية مرفأ الأربعين للكاتب أيمن رجب طاهر، فهي تلك الفقرة المقتبسة على الغلاف الخارجي، والتي تتناول أسطورة إيزادورا اليونانية التي رفض أبوها تزويجها من حبيبها المصري؛ فانتحرت وأصبحت شهيدة للحب، وتم تحنيط جثتها التي لا زالت قابعة في أحد متاحف محافظة المنيا، هذه الفقرة التي من المفترض أن تكون أحد عتبات القارئ للدخول إلى عالم الرواية، توحي بأنها رواية حب عميق يشهد الكثير من الحروب والإخفاقات والتضحيات.
ولكن في الحقيقة فإن قصة الحب الوحيدة التي تطرقت لها رواية مرفأ الأربعين، لم تتعدى فكرة إعجاب ابن الجيران بابنة الجيران الجميلة، فغريب قضى طفولته ومراهقته يتأمل جارته وصديقة طفولته ماري المسيحية، ولكنه لم يجرؤ على الاقتراب منها بأكثر مما تسمح به حدود الجيرة؛ فقد كان مستسلماً منذ البداية لفكرة استحالة ارتباطها لاختلاف الديانات والمستوى المادي والاجتماعي بين أسرتيهما في غير صالحه، وبالتالي لم تكن هناك قصة حب من الأساس!
التوصية بقراءة الرواية:
في النهاية يسعدني القول أنني قضيت وقتاً ممتعاً مع رواية مرفأ الأربعين للكاتب أيمن رجب طاهر، سواء للسرد الممتع أو اللغة الرائقة، بالإضافة إلى تميزها في اهتمامها بالبيئة المحلية والفئات المهمشة بأسلوب راقي، فأغلب الأعمال الأدبية والفنية تتناول عادة مجتمعات القاهرة الكبرى وضواحيها، وتبتعد عن تجسيد البيئات المحلية التي تتميز بخصوصيتها في المحافظات والمجتمعات الأخرى البعيدة عن القاهرة، والأعمال التي تتناول الفئات المهمشة والفقراء غالباً ما تتناولهم بصورة سطحية مبالغة في السوقية، وكأنهم فئات ضالة في المجتمع ينبغي استئصالها ليستقيم حاله، على عكس الواقع، فهم يمثلون جوهر الشعب المصري الحقيقي، وعلى أكتافهم يقوم الوطن.
لذا فإنني أوصي بشدة بقراءة رواية الكاتب أيمن رجب طاهر، والاستعداد لوجبة دسمة مختلفة من القراءة.
اقرأ أيضًا
دراسة نقدية لرواية ” عزازيل ” ليوسف زيدان