رواية زقاق المدق للكاتب نجيب محفوظ
وقد كانت آفه حارتنا النسيان هكذا خاطب محفوظ بتلك الجملة قراءة، وهو يأخذنا لعالمه الخاص، لكن في شخصيات جديدة في ذات الحارة الضيقة بالحسين، حيث تعيش عمارتين كل منهم ثلاث طوابق، منهم الشيخ حسين صاحب إحدى العمارتين وهو رمز الحكمة التى يلجأ إليها الناس، فهو الأقدر على تقديم النصيحة الخالصة لكل واحد منهم.
أما بطل الحكاية عباس الحلو فهو صاحب دكان الحلاقة بالطابق الأرضي بالبناية ذاتها. لكنه إنسان يعيش على طبيعته ولا يعلم خارج حدود حارته شيء. وفي البناية الأخرى تعيش حميدة وزوجة ابيها، لكن حميدة تدرك أنها جميلة جدًا والحارة ضيقة وطريق الثراء ليس بها.
عباس الحلو يحبها فلا ترده وتقنعه بالذهاب إلى التل الكبير ومساعدة الإنجليز لجلب المال الوفير عربون زواجها. فيصدقها بجهله ويرحل ليظهر لنا شخصية القواد التى تكتشف حب حميدة للثراء دون أي قيم، إنها مثل شخصية محجوب عبد الدايم في القاهرة ٣٠.
لذا سرعان ما توافق وتصبح عاهرة لدى الإنجليز عندما تدرك أنهم يحبون جمالها. وهناك شخصية رضا صاحب القهوة والذي كان من ثوار ثورة ١٩.
ثم تحول لبلطجي وشاذ ومع ذلك تتفاخر زوجته بفحولته؛ لأن ذلك الزمان والمكان لم يعيب تلك المسألة واعتبرها دليل فحولة، قبل أن نجد رضا قد تحول وقرر الحج وطلب الغفران. بينما يعود عباس الحلو الساذج يريد الانتقام من حميدة التي تكاد تنجح في إغوائه من جديد، لكنها تتصارع مع جنود إنجليز والنتيجة تقتل أو ربما تصاب.
استخدام الرمزية في رواية زقاق المدق
الرواية لا تصرح إنما تؤكد مقتل عباس الحلو على يد الإنجليز. وترحم أهل الحارة عليه لفترة قبل أن يعود الهدوء من جديد في الحارة دون اهتمام بمقتل واحد منهم أو اختفاء واحدة منهم.
فيعود لترديد جملة “وكانت آفه حارتنا النسيان” وشخصيات محفوظ بتركيباتها يمكن أن نجدها دومًا في جميع رواياته. لقد استخدم الرمز ليعبر عن التحولات التى أصابت المجتمع فى نهاية الأربعينات وكم اختلف ذلك الجيل في نهايته عن بدايته.
فقد بدأ ثائر فى ثورة سعد زغلول. وانتهى إلى حطام لا يبالي بأي شيء تسير الدنيا من حوله في متاهة ينسى فلا يناقش أو يفهم لما حل به ما حل.
هل كانت حميدة ضحية أم جاني الإغراء والطمع أعموها، أم ضحية فهى لم تتعلم فكيف تحقق المال بغير طريق وهى تكره حال جارتها الفقيرة وتمتلك عقلًا ورؤية. ليست لدى عباس الساذج الذي لا يعرف ما يدور في الدنيا من حوله فقد خر لأجل حميدة وعاد لها.
وعندما علم أنها كادت أن تتزوج بعد رحيله من غني ثم عملت في الدعارة قرر قتلها. وبينما هى مع الإنجليز حاول أن يدافع عنها وقتل، فأين هى شخصية عباس الحلو لما مات ولما عاش لا أحد يعلم ولا بحارتنا يسأل.
للمزيد:
تلخيص رواية أحببتك أكثر مما ينبغي
ملخص رواية الكرنك، وحقائق صادمة ستعرفها لأول مرة
1 comment
زقاق المدق واحدة من أعظم رويات نجيب محفوظ التي عرت الواقع المصري واقتحمت تفاصيله ملتقطة شخوصه من الهامش الاجتماعي الضيق ، مجتمع الحارة والزقاق و دكان الحلاق والبيوت الصغيرة وغيرها من الفضاءات الهامشية ، لتنجح الرواية في خلع النقاب عن الواقع الاحتماعي والاقتصادي الهش وكشف الحجاب عن أنماط السلوك السائدة في مجتمع الاحتلال وتردي القيم والانحلالات الأخلاقية المختبئة في جوف الهوامش البعيدة التي استطاع السرد ببراعة الوصف أن ينقلها للقارئ العربي الذي وجد فيها مادة دسمة وغنية منحيث البناء الدرامي الذي يؤسس العالم الروائي في زقاق المدق وغيرها من روايات الكاتب الكبير ، مثلما وجدت السينما العربية مادتها اللغوية والحكائية ، لتتحول زقاق المدق وبداية ونهاية والسمان والخريف و ثرثرة فوق النيل واللص والكلاب إلى أفلام ومسلسلات أمتعت المشاهد العربي