قصة الورد الأحمر
“لم يعد يشتري لي الورد الأحمر”.
وأنا كمحامي.. من الواجب علي أن أضع السبب كما تفضلت به موكلتي ..
الطلاق بسبب الورد الأحمر.. موكلتي ليست مجنونة.. إنها سيدة ثلاثينية ثرية.. ابنة تاجر كبير.. تسكن شقة تمتلكها وتركب سيارة باسمها ..
موكلتي قررت ذات صباح أن زوجها لم يعد مناسبًا ولسبب وجيه جدًا.. بات الاستمرار كما تفضلت ..مستحيلًا …مسكين هذا الزوج ..
النساء وأمورهن الغريبة.. مشاعر.. عواطف.. وتفاصيل يجب أن تنتبه إليها وإن لم تنتبه فالكارثة تحل.. والنكد يبدأ.. أما موكلتي.. فقد اختصرت ذلك كله.. لم تعط أية بطاقة تحذيرية.
اللقاء الأول
“أهلًا ست ليلى”
ليلى كانت جميلة.. وهي مشكلة تعاملت معها أكثر من مرة.. حين تكون الموكلة سيدة جميلة.. لكن ليلى كانت أكثر من جميلة.. لقد كانت حسناء فعلًا.. توقعت من صوتها المقنع على الهاتف بأنها امرأة عصرية.. أخذت قسطها الكافي من عمليات التجميل وأصبحت منمطة كنساء مجتمعي المخمليات.
لكنها كانت صبية مترفة بالنعومة والملامح الواضحة المبهمة.. كانت سرًا لا تعلم بالضبط عند النظر إليها ما الرائع فيها.
هل هو شعرها الأشقر المنسدل ببساطة.. أم عينيها العسليتين العميقتين.. هل هو فمها الدقيق أم ابتسامتها التي بمجرد أن ترتسم يأخذ العالم أبعادًا من الدهشة.. ويتحرك قلبي وكأن الابتسامة دغدغته.
بحركات متشنجة أمسكت القلم والورقة وطلبت وأنا أتحدث بجدية وهدوء متحاشيًا النظر إليها.

قصة ورد أحمر
“تفضلي سيدتي.. حدثيني”
“عذرًا فالسبب الذي سأذكره أمام القاضي ليس منطقيًا وزوجك لا يريد أن يطلق ويبدو أنه سيحاول حتى الرمق الأخير أن تخرجي خاسرة.. أقله حقوقك المادية”.
أجابت ببرود: “أستاذ حسام.. قالوا لي أنك أفضل محامي في المدينة”
قاطعتها: “سيدتي أنت موكلتي ومن واجبك أن تتعاوني معي.. إنها معركتك.. ادخلي في التفاصيل وأعطني أسباب.. أعطني ظروف تجعل الكفة راجحة لمصلحتك..
وبلحظة واحدة وقفت بجسدها الممشوق المتشح برداء ربيعي بسيط.. وانتشر عطر أسكرني .
“ليست لدي أية تفاصيل… لم يعد يشتري الورد الأحمر”.
ونظرت لساعتها.. بعدائية استأذنت وانصرفت .
شعور غريب!
ذهبت تاركة عطرها وغضبها وتكتمها.. ذهبت وأخذتني معها لعالمها ومشاكلها ولأول مرة في حياتي لم أعد أعرف من أنا وأين أنا.. هل أنا المحامي حسام أم الرجل الذي وقع في حب امرأة تكاد تكون من رماد.. نعم للحظات وجدت نفسي حبيبًا غاضبًا.. أريد منها كشف كل شيء وأن تبوح بكل ما يعصف بكيانها.
قاطع أفكاري اتصال جنى.. وماذا تريد الآن جنى.. لم أرد.. التقطت مفاتيح سيارتي وكهارب من مسرح جريمة.. تركت المكتب يسبح في فوضى حب من أول لقاء.
تركته يتصرف مع ترددات صوت ليلى وعطرها وحزنها وغموضها.. ولذت فرارًا من ضعفي وفرحي ..فأنا العازب الشهير المحامي اللامع الوسيم الثري.. والذي وعن سبق إصرار وترصد شارف أن يتوج أعوامه الأربعين ملكًا على قلوب الفتيات.
ها هو يقع في الحب.. كم هو شعور لذيذ.. وكم كنت مسكينًا قبل هذه القضية ألاّ تحب يعني ألاّ تكون.
حقيقة الأمر وقصة الورد الأحمر
حل المساء وفكري لا يزال عالقًا بالموضوع.. غدًا الجلسة، أمامي سهرة من ترتيب الأفكار.. وموكلة قد يصفها محام آخر بالحمقاء..
رن هاتفي .. وكان رقمًا غريبًا وصوتًا لم أسمعه من قبل.
“أنا عماد.. زوج ليلى وأود رؤيتك لو سمحت .”
صعدت الدماء لوجهي في تلك اللحظة.. اجتاحني فضول رؤيته.. يا ترى.. هل يليق بليلى.. هل هو بهي مثل ليلى .
يا إلهي.. أين هو من ليلى.. ولماذا وقع اختيارها عليه… هو أول ما تبادر لذهني عندما التقيته في قهوة تتوسط شارع بغداد.
“أحبها ولا أنوي أن أطلق أبدًا أستاذ حسام.. أرجو أن تتفهمني.. نحن رجال ونعرف أن المرأة المحترمة التي تصلح كزوجة.. أصبحت عملة نادرة.. فكيف إذا كنت أحبها ..”
اكتفيت بأن هززت رأسي ..
“أصلح بيننا واقنعها بأن تستمر.. لست أول رجل يخون ولا آخر رجل”
وكأنه صب الماء على رأسي.. ماءً مثلجًا أو مغليًا.. المهم ماء مختلف مئة وثمانين درجة عن حرارة جسمي …
خيانة ..
خيانة!
كيف تجرأت على خيانة ليلى؟
وددت ضربه.. وددت لو أخبره بأنه ليس أول ولا آخر رجل ولكن لو كانت زوجته امرأة أخرى غير ليلى ..
الآن عرفت كم عمق هذه الجملة.. ياليلى ..
“لم يعد يشتري لي الورد الأحمر .”
إنها عبارة امرأة من كبرياء.. لا تعترف بوجود خصم أو منافس.
لا تسمح لها أنوثتها بالخوض في تفاصيل امرأة أخرى.. ولا تجادل لا تهادن.. لا تفاوض على أسباب نزوة ولا يعني لكبريائها أية مبررات أو دموع ندم على ما قد حدث.
“أستاذ حسام.. أين شردت.. خليك معي لو سمحت .”
“نعم نعم ” وفي قلبي احتقرته كثيرًا.. لن أكون مثاليًا.. لو لم تكن ليلى لما تطرفت بردة فعلي فأنا لست قديس.. ولست ملاكًا.. لكنه فعل ذلك مع ليلى.. وليلى أصبحت خطي الأحمر.
ببرود أخبرته أنني محام ومهمتي التصرف وفق ما يريد موكلي وموكلتي قد قررت.
لم ينطق بحرف لكن عينيه ومصافحته العدائية قالتا بأن حربًا قد أعلنت .
في بيتها كانت باقة ورد أحمر قد توسطت الطاولة في الصالون، تأملتها ليلى… تأملتني.. ابتسمت .
سألتني بصوت بخيل.. تمنيت لو أسمعه يردد كلمات كثيرة .

قصة ورد أحمر
الوقوع في الحب
“قهوة”؟
“سادة لو سمحت”
جاءت القهوة مع ليلى .
المكان الأليف.. شعرت بأنني أعيش فيه منذ زمن.. كل شيء مرتب.. يطغى الأبيض على الأثاث كله وطاقة عالية تملأ الروح.. وحدها ليلى كانت اللون الذي ملأ اللوحة.
ابتسامة خلف وجه لا يعبر وهدوء امرأة مكسورة الفؤاد.. تفارق رحلة زواج بصمت.. لا تريد أن تدخل في سجال.. ألا يقترن باسمها أي اسم.. ألا يتناول موضوعها أي بيت.
صوت عميق هز صمت البيت المترف.
“شكرًا على الورد أستاذ حسام.. أنت ذكي والباقة تخبرني بأنك عرفت كامل الموضوع.. أشكرك على هذا التصرف “.
لم يعنيني بصراحة ما قالته.
كان يعنيني أن تقول أنها سعيدة بانفصالها.. أن تصرح بثرثرة المرأة المجروحة بأنها تحتقره وأنه سقط من عينيها .
أن تسر لي وتقول لي أنني أول شخص تفضي له بكذا وكذا.
كان يعنيني أن تتفوه بأشياء وأشياء.. ترضي رجولتي وعواطفي المتأججة.
لكنها ظلت صامتة.. كعاصفة اختبأت في كهف.
بما أشبّه صمت ليلى.. إنه ضجة قوية.. وينبغي أن تتحدث ليلى ليسود الهدوء.. هدوء قلبي وأفكاره المشتتة، لكنها ظلت صامتة مستفزة…
بذكاء رميت كلماتي ..
المهم الآن.. زوجك لا يريد أن يطلق.. وطلب مني أن أقنعك بالعودة.. وقد قطع وعده بألا يكرر تلك الفعلة مرة ثانية .
ولأول مرة مذ عرفت النساء.. يهتز قلبي على أنغام ضحكة.. أيقنت أنني لم أعد المحامي حسام في هذه القضية، وصرت أخاف أن أكون الضحية.
وجاءت جملتها لتزيد من بلاهتي.
بداية جديدة
“لن يطلق.. لكن أنا لن أستمر.. ولا مجال للجدال في هذا الأمر”
بسعادة تألق وجهي.. لقد بدأت الحياة وسوف تكونين لي وحدي فقط.
“سيدتي.. حتى نختصر وقت.. سأشرح بالتفصيل كل ما حدث و أعد بأنك ستحصلين على الطلاق وكامل حقوقك أيضًا.
الخيانة سبب كاف ومقنع..
“لحظة”
عاجلتني بوضع حد لحديثي ..
أنت محام قدير.. وأنا ليس لدي إلا السبب الذي قدمته لك ..
أن تعلم حقيقة الموضوع لكن أن تفصح به شيء آخر .
عماد حب حياتي.. وبقدر عمق جرحي.. ستكون سطحية تعاملي مع الأمر ..
لقد مات ودفنته ذاكرتي في أبعد مدى قد يصله شعوري.. الأحداث الكبرى.. تحدث آثارًا كبرى.. لم أكن لأنساه فجأة أو أنبذه من ذاكرة قلبي لو لم أره ذلك اليوم ..
كنت سأغفر ربما.. كنت سأكذّب قيلًا وقال.. وكنت سأسمح له بأن يكذب ويبرر وسأسمح لعقلي بأن يصدق .
لكن أن ترى بأم عينك.. أمر تترتب عليه مشاعر مختلفة وردود فعل قد لا تتوقعها من نفسك.. لقد علمني عماد درسًا لن أنساه و قد أقفلت باب قلبي للأبد .”
بحدة انطلق كلامي.. مفاجئًا ليلى ومفاجئًا أذني ..
“لا يحق لك ذلك وعماد لا يمثل كل الرجال.”
بحماقة تابعت ..”أنا مثلًا لو كانت لدي زوجة مثلك ليلى.. كنت سأقدر كثيرًا هذه النعمة التي تستوجب الشكر ..
حمرة خفيفة علت وجنتي ليلى وحاولت أن تخفي ارتباكها وتفاجؤها بي بأن ابتسمت ساخرة.. فزادتني انفعالًا.
“زوجك رجل مسكين فعلًا وخاسر ”
برجاء وضعت أصبعها على فمها.. أن أصمت.. لا تغص أكثر في أي حديث.
صمت اعترانا… أنا غارق في الحب.. بينما كانت هي غارقة في أشياء أخرى.. إلا أنني أيقنت أن هناك أيامًا قادمة وصبرًا طويلًا.. نظرات تبادلناها وحديث راح يجري رغم الصمت وورد أحمر شرع يراقب تفاصيل بداية جديدة…
القصة تحولت الى عمل درامي
للمزيد:
3 تعليقات
بناء درامي جميل للقصة تكثيف وتركيز وبياضات في مواضعها ،و موضوع مثير وجريء يكشف تفاصيل الخيانة الزوجية في واقعنا العربي واستغلال بعض أهل القانون كالمحامين لقضايا الطلاق ، واقع عربي هش من حيث القيم استطاعت القصة القصيرة ان تجليه ببراعة واناقة سردية تدل على ان الكاتبة رنيم تمتلك من المهارة القصصية ما يكفي لأن تكون واحدة من أحسن كتاب القصة القصيرة
موفقة ان شاء الله
أشكرك سيد جواد على رأيك الجميل ..كل المودة
رنيم الباشا
الله على جمال القصة بجد تسلم ايديكيي نورتينا يا استاذة رنيم