مقدمة:
يقول أحد الأدباء: “اطلب ما تريد بابتسامتك فذلك خير من أن تشق طريقك إليه بسيفك” ولعل هذه المقولة هي القاعدة الأخلاقية التي تجعلنا محترمين ومحبوبين ممن هم حولنا، وهي التي نجتذب بها محبة الناس وإخلاصهم، وبها نستميلهم إلينا، وإذا أصبحت قيمة في المجتمع، تخلص الناس من الحقد والغضب والحسد وغير ذلك من أمراض القلوب، وحلّت الرحمة والمحبة بين الخَلق جميعا وعمّت، فليس في الدنيا شيء كالرفق والصفح والتسامح، يفعل في النفوس فعل السحر، يقول الله تعالى في نبيه الكريم: “ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك” آل عمران -159-
ولأن أثر العفو والتسامح والصفح عن الزلات والعفو عن المخطئ من الناس، أثر جليل محمود العاقبة، كان هذا الخلق من أعظم الأعمال التي يقوم بها المرء ويتصف بها، ولن يتم له ذلك إلا بأن ينقي نفسه من أدران الغرور والحقد والغضب، ويسمو بها إلى ذرا المثل العليا، فترتفع بذلك إلى المستوى اللائق بها، ويكون بذلك قد حاز الفضل كله، وظفر بالسلام والسعادة.
التخلص من أدران القلوب سبيل التسامح:
والتسامح واجب إنساني مفروض علينا، لأن نتائجه الحسنة، وثماره الحلوة لا تكون مقتصرة على المتصف به وحده، بل تتعداه إلى الآخرين، إلى المجتمع الذي يعيش فيه، ولا ريب أن يكون سببا قويا من أسباب رقي المجتمع وتحضره، لأنه -إذا كان صفة يتحلى بها الأغلبية- يحقق السلم والسلام، ويحد من الحروب، ويقضى على مظاهر البغض والكراهية، فتنتشر المحبة والطمأنينة، وتشتد الصلات بين أطياف المجتمع وأفراده متانة، فلا تنحل عراه، ولنا في عفو الرسول الكريم عمن أساء عليه وبالغ في الإساءة يوم فتح مكة مثلا وعبرة، فقد أعقب ذلك توحد العرب وعزة الإسلام، وقد اقتدى كثير من القادة المسلمين وتأسوا برسولهم في هذا الخلق المحمود، وأشهرهم في ذلك ما فعله صلاح الدين الأيوبي بعد أن حرر القدس الشريف بمعركة حطين سنة 1187م وعفا بعدها عمن قتلوا ألوفا مؤلفة من المسلمين.
الأثر الناجم عن أفول صفة التسامح :
والنفس الشريرة لن يقتصر شرها على صاحبها أبدا، بل هو باق يتمدد فيصيب من في طريقه من الناس، فعلى المرء إذن أن يلزم نفسه الطريق الصحيح إذا مالت عنه، وأن يقومها إذا اعوجت، لأن ذلك ليس لمصلحته فحسب، بل لمصلحة الناس جميعا، وإن الذي سلم لنفسه حبل القيادة، وركبه هواه، وعجز أن يمتلك أسباب الخلق الحميد جبان هيابة رعديد، أو لئيم وضيع دنيء، وكلاهما مخلوق شرير لا خير فيه.
فالنفس اللئيمة تنتن رائحتها بفعل ما تحمله في طياتها من أدران الرذيلة التي تنحدر بالإنسان إلى حضيض الهوان، وتؤثر في كل من يتوفر فيه الاستعداد إلى فعل الفساد، فيتخذ من صاحبها قدوة له ومثالا يحتذى، فتسوء الحال وتنكسف، ويتردى الكون كله أو جله في بؤرة من الشر والضياع.
وإن النفس الكريمة هي التي تجنح إلى التسامح وترفع شأن صاحبها، وتجعله إنسانا سويا يحترمه الناس، ويرون فيه القدوة لهم والمثل الأعلى لأنفسهم، فيتبعونه ويتصفون بصفاته، وبذلك ينتشر الوئام ويعم السلام، ويسود الوفاق جميع الآفاق.
التسامح يجب أن يكون في موضعه:
ولسنا نعني بالتسامح أن يكون الإنسان لينا هينا. كلا، فإن الأمر ليس كذلك. فالتسامح إذا كان في غير وقته، أو كان في غير موضعه، يكون بلا شك سببا من أسباب التسيب والفشل. فليس في كل حين ينفع التسامح، بل لا بد للمرء من أن يستعمل الحزم والشدة إذا اقتضى الأمر ذلك، وليس صحيحا أبدا أن نطلق أيدي السفهاء والمجرمين يعيثون فسادا في الأرض بحجة التسامح ، يقول الشاعر الحكيم:
ووضع الندى في موضع السيف بالعلا مضر، كوضع السيف في موضع الندى
خاتمة:
وعلى كل حال فسلوك طريق التسامح مع بعض التيقظ أسلم عاقبة، وأقوى تأثيرا في النفوس. يقول الله تعالى:
“ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم” فصلت -34-
وصفوة القول: لا يدرك المجتمع أسباب الرقي والتحضر إلا إذا فهم التسامح على حقيقته، وشاع بين أكبر عدد من أفراده.
إقرأ أيضاً
هل يستطيع الإنسان أن يسامح غيره؟
العفو والتسامح من أهم أسباب نقاء القلوب