قصة دانة راشد من مجموعتي القصصية “حديث النخيل” .. راشد يسأل جده عن سر الصندوق.
راشد طالب في الصف الثامن تعلق بجده الذي يحمل نفس الاسم ، تميز هذا الفتى بالذكاء والصفات النبيلة ، كان شغوفًا بحكايات جده التي عاشها في مهنة الغوص ، لكنه كان يتمنى أن يعرف سر الصندوق الذي يحتفظ به جده وفي يوم من الأيام ذهب إلى جده وهو يصيح.
قصة دانة راشد ..
راشد : جدي … جدي … يا جدي ….
الجد : ما بك يا راشد ؟ … لماذا ترفع صوتك هكذا ؟ !……….
راشد : ياجدي أنت تنسى دائماً ما طلبته منك .
الجد : أي طلب تقصد يا راشد . ألم أقل لك انتظر حتى يأتي أبوك من العمل واطلب منه ما تشاء ، فأنا كبرت في السن ولم أعد أستطيع التحرك والخروج كثيراً . رفقاً بي يا راشد .
راشد : يا جدي ، أنا لم أعد صغيراً فأنا في الصف الثامن وأستطيع الذهاب لشراء ما أريده فالسائق يأتي معي ، ولا أجد صعوبة في ذلك ؛ لأن مراكز التسوق أصبحت متوفرة وكثيرة والمكتبات منتشرة وكل شيء متوفر والحمد لله
الجد : ما الذي تريده ؟ ! هل تريد شيئاً من والدك وتحتاج مني أن أقنعه ؟
راشد : لا … لا …. لا ، ألم تعدني أن تخبرني بسر الصندوق الذي تحتفظ به في غرفتك ؟
الجد : أي صندوقٍ تقصد ؟
راشد : ذلك الصندوق القديم المغلق الذي تحتفظ به في غرفتك ، فكم من مرة سألتك عما فيه ، وعن سبب تعلقك به وخوفك عليه . إنني – يا جدي – أصبحت في شوق لمعرفة ما بداخله وما حكايته ، وكلما طلبت منك أن تخبرني قلت لي سيأتي الوقت المناسب الذي تخاف فيه على هذا الصندوق مثلي.
الجد : أنا أنتظر الوقت الذي تعي فيه قيمة هذا الصندوق .
راشد : صدقني يا جدي سأفهم أو على الأقل أريد أن أفهم .
الجد : يا راشد : ما أشبهك بأبيك وجدك ! . سأخبرك .
راشد يعرف سر الصندوق.
لم تنصرف نظرات راشد عن متابعة حركات يد جده وهي تخرج مفتاحًا كبير الحجم وتفتح به الصندوق مصدرة صوتًا زاد من سرعة دقات قلبه ، ثم ترفع غطاءً خشبيًّا فوقعت تلك النظرات على أشياء ، وانعكست لترسم على وجهه لحظات من الذهول والدهشة سأل على إثرها :
راشد : ما هذه الملابس القديمة يا جدي ؟!
الجد : إنها ملابسي ،كنت أرتديها وأنا أغوص بحثاً عن اللؤلؤ في خليجنا يا راشد .
راشد : لكنها … لكنها…
الجد : هكذا كنا يا راشد نقضي الأيام والليالي في قلب البحر نتحداه فنخرج منه بأعظم الدانات. إنها روح وطبيعة الإماراتي يواجه الصعاب في كل الظروف فينتصر ويثمر ويبهر
راشد : ( أوووووه ) ما هذا العقد العجيب المبهر بلون حباته الرمادية ؟
الجد : إنه من أجمل الدانات التي حصلت عليها في حياتي ورفضت بيعه وقررت أن أحتفظ به لنفسي لتتعلم أنت كما تعلّم أبوك مني شيئاً هاماً وهو أن العزيمة القوية والإرادة الحقيقية هي التي تصنع قيمة الإنسان.
تأثر راشد بحديث جده
تأمل الجد تعبيرات وجه راشد مشفقاً عليه من هذا الحديث ولكن الجد سرعان ما ابتسم وشعر بسعادة غامرة وهو يسمع راشد يقول :
راشد: الآن فهمت ياجدي مغزى الشعار الموجود على غلاف الكتب المدرسية ( نريد أن نكون من أفضل دول العالم بحلول عام 2021 م )وفهمت أيضاً السر في احتفاظك بهذا الصندوق … أنت حكيم يا جدي .
الجد: وأنت رائع يا راشد .
راشد : لكن يا جدي لماذا لم أجد صندوقاً مثل هذا عند أبي ؟
الجد : اسأله ، إنه طبيب ويستطيع أن يعبر عن نفسه( قالها الجد وقد صدرت منه ابتسامة خفيفة واثقة من شيء ما).
حديث راشد مع أبيه
دخل راشد غرفته ، وعبثاً حاول أن يصرف نفسه عن التفكير في حديث جده بل أخذته الأفكار كل مأخذ رغم حداثة سنه ، لم يتنبه راشد إلا على صوت والده يناديه ليشارك الأسرة الغداء كعادتهم في كل يوم . وجلس
راشد وجده ووالده بعد الغداء يحتسيان القهوة ودار هذا الحوار:
راشد : لقد وفرت لنا دولتنا كل الإمكانات فبالتأكيد نحن نمتلك فرصاً أفضل من أجدادنا … إن دانة جدي مبهرة حصل عليها بالجد والمثابرة في ظروف صعبة وإمكانات ضعيفة … من الذكاء أن أستمد تلك الروح من جدي .. في الحقيقة ليس لي عذر لابد أن أحرص على استمرار تفوقي في دارستي حتى أرد الجميل لوطني الحبيب )
الأب : أحسنت يا راشد ، لكن متى رأيت صندوق جدك .
راشد : اليوم ، … لماذا لا تحتفظ بإنجازاتك في صندوق مثل هذا يا أبي ؟
الأب : موجود يا راشد ، إن كل جيل يجب أن يقوم بدوره ويكمل ما بدأه الجيل السابق فبذلك تكون للإنجازات جذور وتتعمق الهوية الوطنية .
راشد : نعم يا أبي خاصة إذا كان العلم طريقنا .
الأب والجد : أحسنت يا راشد .
دانة راشد وصندوق الأب
تفرق الثلاثة ، وفي المساء أقبل راشد يحمل صندوقاً ويتوجه إلى جده بالحديث :
راشد : جدي خذ هذا الصندوق وضعه بجوار الصندوق الخاص بك .
الجد : ما هذا يا راشد ؟
راشد : لقد جمعت كل شهادات تفوقي في دراستي ، والجوائز التي حصلت عليها ، ووضعتها في هذا الصندوق وسوف أضيف إليها كل ما أنجزه حتى تكون دافعاً لأبنائي من بعدي .
ابتسم الجد ابتسامة عريضة وقال : الجد : حسناً لنخصص غرفة مستقلة لنجمع فيها الصندوقين .
راشد : فكرة جيدة .
الجد : ما هذا المكتوب على صندوقك يا راشد .
راشد : دانة راشد .
الجد : ألم أقل لك إنك رائع يا راشد ؟!!!
صمت الجد والحفيد ونظرا نظرات معبرة شاركهم فيها أبو راشد وهو يحمل صندوقاً ويتوجه به إليهم …
اقرأ أيضًا
قصة دمشق بيتي الكبير للأديبة كوليت خوري
1 comment
مجهود طيب