وقف ايهاب يتأمل حياته السابقة وكيف أصبح على رأس عائلة كبيرة تمتلك العديد من الأموال الطائلة، تم جمعها من طرق غير مشروعة بكل الوسائل الغير قانونية، حتى أن الكثير لا يتعامل مع تلك العائلة سوى أنها عصابة.
وقف ايهاب يتأمل حياته وماضيه ومستقبله ونشأته البسيطة التى جعلته يتواجد فى هذا المركز الكبير اجتماعيا ولكنه فقير أخلاقيا، وأصبح يمتلك عائلة لها نفس الصفات السلبية.
جلس ايهاب فى حديقة منزله الكبير، يتأمل تلك الحياة وما ستصل إليه فى النهاية وهل كان على صواب عندما حاول أن يصنع لنفسه وأولاده شئ يحميهم من غدر الزمان ومن صعوبات الحياة التى بدأها فى حياته نتيجة نشأته الفقيرة.
وبدأ يفكر فى ابنه الأكبر يوسف صاحب أكبر صفقات السلاح فى البلد، يبيع ويشتري السلاح الى أى شخص أو جهه او عائلة، طمعا فى المال حتى ولو على حساب حياة الآخرين، واليوم هو على موعد مع صفقة سلاح كبير سيقوم ببيعها لعائلة كبيرة من أجل الهجوم على أحد العائلات الأخرى فى صراع حول قطعة أرض ضخمة يوجد تحت كنز كبير من الأثار الفرعونية غالية الثمن.
بجانب الأموال التى سيحصل عليها يوسف من صفقة السلاح سيكون له نسبة من ما سيتم استخراجه من كنز كبير يتواجد تحت تلك الأرض
وانتقل ايهاب فى تفكيره الى ابنته منى المحامية الكبيرة والتى زادت شهرته فى القضايا الكبيرة للشخصيات الكبيرة ولكن على حساب الفقراء والبسطاء، واليوم هى تستعد للحصول على دليل ادانة عبارة عن فيديو مفبرك لأحد الفتيات سيتم استخدامه دليل حتى تقضى على دعوى من جانب تلك الفتاة ضد أحد أبناء الشخصيات الكبيرة التي هتك عرضها.
ورغم معرفة منى بالجريمة وأنه تم هتك بالفعل عرض الفتاة إلا أنها تعاونت مع الجانى الحقيقى فى القضية وقررت بالتعاون معه فى فبركة فيديو غير حقيقى للفتاة تقضى به تماما على الدعوة القضائية وتحصل على البراءة لموكلها.
أما جلال ابنه الأصغر فهو طالب فى أحد الجامعات الخاصة، وهو طالب غير أخلاقى يستعد اليوم لاصطياد أحد الفتيات بالتعاون مع زميله الثرى أيضا لخداعها والاعتداء عليها.
كان إيهاب يعلم بما سيحدث اليوم من أبناءه، ولم يكن الأمر جديد عليهم، ولكن أن تتجمع الأحداث كلها فى يوم واحد أمر جديد على ايهاب، حيث كانت لهذا التجمع لجرائم أبناءه دفعة واحدة فى يوم واحد أمر كان له صدى فى نفسه وعقله جعله ينتبه جيدا لحقيقة الخطر الذى يُحيط به وأبناءه.
وجلس يتأمل ويفكر جيدا وهو فى الحديقة، ويسأل نفسه .. هل يترك الأمور تسير وفقا للمعتاد فى طريق الفساد والجريمة والاعتداء على الأخرين بكل الوسائل.
هل يترك أبناءه كما تعودوا فى حياتهم ومثلما تعود هو فى حياته، أم حان وقت التدخل لمنع كل تلك التصرفات ووضع حد لهذا الطريق، وهل اذا تدخل سيوافق أبناءه أم سيرفضون هذا الأمر ويكون لديهم إصرار على استكمال نفس الطريق.
بالتأكيد سيختار الأبناء طريقهم الذى تربوا فيه وتعودوا عليه ولن يتراجعوا خطوة واحدة مهما حاول الحديث معهم او اقناعهم.
وفى ذروة تفكير ايهاب فى الأمر وفى ظل مخاوفه الشديدة رن هاتفه.
رد جلال على الهاتف ليفاجئ بصراخ شديد فى التليفون من أحد أصدقائه المتواجدين فى الولايات المتحدة، يؤكد له أنه علم من أصدقاء له مقربين من وكالة الفضاء، باصطدام “نيزك” كبير بالأرض غدا، وأن العالم سينتهي غدا وسيموت كل البشر.
كلام كان من البداية وكأنه شئ لا يصدق، الا أن صديق ايهاب أقسم له على ذلك، وأرسل له عبر الموبايل مشاهد صادمة نجح فى الحصول عليها، وهى للنيزك وهو قريب جدا من الأرض وتقريبا ملتصق فيه، وأن النيزك شوهد بالفعل فى سماء أمريكا وأرسله له الفيديوهات الصادمة والمخيفة التى تؤكد هذا الكلام.
وبعد حوار كثير بين ايهاب وصديقه كان مليء بالانفعالات المخيفة والصراخ والرعب الشديد، اقتنع ايهاب بالأمر، وظهر على وجه علامات عديدة من الرعب والخوف، وبدأ يشعر بـ “دوار” كبير، سقط بسببه على الأرض وهو فى وضع التشهد ويحاول أن ينطق بالشهادتين ولكنه عاجز عن ذلك.
حتى شاهدته ابنته منى وهى فى طريقها للخروج، فذهبت إليه بسرعة وهى تنادى على اخواتها، يوسف وجلال اللذان جاءوا بسرعة على أصوات صرخات منى.
ونجح الثلاثة ابناء فى حمل والدهم والدخول به إلى المنزل الكبير، حتى بدأ ايهاب فى استيعاب وعيه نوعا ما، كان أشبه بالشخص السكران، لا يدرى ماذا يقول، يشعر وكأنه فى حلم أو فى عالم أخر من قوة الصدمة.
شعر الأبناء بالقلق الشديد على والدهم وقرروا استدعاء الطبيب أو نقله الى المستشفى الا أن الأب فاجئهم بصرخة مكتومة يقول لهم: فات الميعاد مالوش لازمة .. انتهى كل شئ .. الحساب اقترب .. وهندفع التمن.
ظن الأبناء أن والدهم يهذى وقرر الابن الأكبر يوسف نقله الى المستشفى وأخرج هاتفه المحمول الا أنه فوجئ بوالده يهجم عليه ويأخذ منه الهاتف ويُسقطه على الأرض وهو يقول: مش هنلحق نعمل حاجة .. نحاول نلحق نفسنا الأول قبل ما نتحاسب.
استغرب الأبناء من هذا الكلام لتسأله الابنة منى باكيا بكاء القلق: مالك يا بابا انت بتقول ايه .. ايه ال “جرى” ليك.
ويتحدث الابن الأصغر جلال وهو يبكى: انت تعبان يا بابا.
يهدئ ايهاب نوعا ما وهو يبكى ويقول لهم: زى دلوقتى بكرة “هندفع” التمن غالى قوى واحنا بنقابله .. يا ولاد جه وقت الحساب على الـ “احنا” عملناه فى حياتنا والحساب هيبقى عسير .. انتهى وقت النعيم والـ “جاى” عذاب شديد.
تعجب الأبناء من كلام الأب وحاولوا فهم ما حدث، وبالفعل حكى لهم الأب ما حدث وما وصل إليه من أمريكا، وأظهر لهم تفاصيل المحادثة بالصور الصادمة والمرعبة التي جاءت إليه، حتى فهم الأبناء ما سيحدث واقتنعوا بأن والدهم لم يُجن بل يقول الحقيقة.
سقط جلال مغشيا عليه، بينما يوسف ومنى فى حالة انهيار شديد جدا، الرعب يملأ الوجوه والعيون والصمت يقتل المكان، ويستفيق جلال ويتحدث كأنه كان يحلم، ولكنه يُفاجأ بأنه كان واقع، ويتحدث والرعب يملأ كلماته: أكيد فيه حاجة غلط مش معقول نموت كلنا.
يجلس ايهاب ويتذكر ما كان يقوله لنفسه فى الحديقة قبل أن يتلقى خبر نهاية العالم المنتظرة غدا، ويتذكر حاله وحال أبناءه ويتساءل من جديد، “كيف سيواجهون الله تعالى غدا” وهم بتلك الأخلاق والتصرفات، ويسأل الأبناء الثلاثة أنفسهم: هل لا يزال هناك مجال للتوبة.
هل سيعفو الله تعالى عنهم، هل من الممكن عمل شئ فى آخر أيام الدنيا وفى اللحظات الأخيرة من الزمان، هل يمكنهم أن يفعلوا شئ يشفع لهم قبل لقاء الله تعالى.
نعم الفرصة لا تزال موجودة، نعم يمكن فعل الكثير، يمكن أن ينجحوا الثلاثة فى إيقاف ما كان في نيتهم ارتكابه اليوم، حيث لم يعد أى مجال للوقت والتفكير ولم يعد هناك الكثير.
نهض ايهاب ونهض الثلاثة معه: يلا روحوا انقذوا الا كنت هتعملوه النهاردة، الحقوا نفسكوا والحقوا الناس، كل واحد كان هيحصل له أذى بسببكم النهاردة الحقوا وأوقفوا كل حاجة.
.. ياولاد الحقوا نفسكوا اقضوا على الفساد والظلم اقضوا على سوء الأخلاق .. رجعوا الطيبة والكلمة الحلوة للدنيا قبل ما تنتهى ارسموا البسمة على الوجوه .. احموا الأعراض .. احموا الأنفاس الأخيرة على الأرض.
وبعد كده ارجعوا هنا نستغفر ربنا ونصلى ونقرب أكثر من الله، علشان حتى يبقى لينا وش نقابله.
وبالفعل تحرك الأبناء بشكل أسرع من السرعة نفسها لإنقاذ ما سيحدث اليوم بسببهم، حيث تحرك يوسف من أجل إيقاف صفقة السلاح التي ستتم اليوم وتؤدى أيضا اليوم الى إزهاق العديد من الأرواح، وبالفعل تدخل وأوقف كافة الإجراءات، وقام بتعطيل الشحنة وتسبب فى عودتها من جديد من المكان الذي جاءت إليه.
وعندما علمت العائلة التى كانت سوف تقوم بشراء السلاح أبدت غضبها الشديد من يوسف وحاولت معرفة السبب، وكان رد يوسف أن العالم سينتهي غدا من خلال “نيزك” يضرب الأرض ويجب العودة الى الله سريعا، الا أن أفراد العائلة اتهموه بالجنون وهددوه بقوة، حيث تسبب لهم فى خسارة كبيرة بجانب الإحساس بالإهانة من وراء تصرف يوسف.
أما المحامية منى فقد حصلت على التسجيل الذى كانت تهدد به الفتاة لصالح موكلها وقامت بالتخلص من هذا التسجيل وحماية شرف الفتاة، وعندما علم موكلها وعائلته قاموا بتهديدها بقوة بأسوء مصير.
أما جلال الابن الأصغر فقد حرص على الاسراع الى الفتاة التى كانوا سيقومون باستدراجها وصرح لها بما كان سيحدث معها، وبالتالى قررت الحذر وابتعدت بعيدا وهربت من هذا الموقف.
وعندما علم صديق جلال بهذا الموقف غضب بشدة وهدده بالانتقام الشديد، رغم محاولات جلال توضيح له العديد من الأشياء التى لم تُفيد بشئ ولم تهدأ من غضب الشخص الأخر.
وعاد الثلاثة الى المنزل الكبير وضميرهم قد ارتاح وقرروا ومعهم الوالد ايهاب التواجد فى غرفة صغيرة والتفرغ للصلاة والعبادة وقراءة القرآن ودعوة الله تعالى.
كان احساس كبير وجميل .. الشعور بالتوبة والعودة الى الله تعالى قبل فناء الدنيا وقبل نهاية العالم وقبل أن نقف أمامه للحساب والجزاء.
ودخل الأربعة أفراد فى لقاء خاص مع الله تعالى أملا فى تقبل توبتهم، وشعروا بالفعل أن الله تعالى تقبلها فدخلوا فى رحابه وفى رحمته بدموع الحزن والندم على ما فات من الدنيا.
وفى عز تفرغهم للعبادة والتقرب الى الله تعالى، سمعوا صيحات كبيرة من الخارج، فى البداية ظنوا أنه “النيزك” وبعد أن فتحوا النوافذ وجدوا تجمعوا كبير من البشر خارج المنزل الذى أصبح تحت الحصار.
إنهم أتباع العائلة التى لم تتمكن من شراء السلاح من يوسف، وهم أهل موكل منى الذى دمرت الدليل ضد الفتاة والذى كان سيجلب له البراءة فى القضية، وأهل صديق جلال الذى جاءوا للانتقام منه بسبب مافعله مع ابنهم.
اتفقت الثلاثة أطراف على العائلة وقرروا التخلص منها ومهاجمة المنزل، وبالفعل تم فتح النيران تجاه المنزل من كل حدب وصوب، وأصبحت العائلة محاصرة بين طلقات النيران التى أشعلت النار فى كل مكان، بجانب قذائف النار التى يتم إطلاقها على المنزل.
النيران فى كل مكان والعائلة بالداخل والمنزل يتعرض للاحتراق، الخراب والدمار فى كل مكان يحاصر العائلة والنيران تمتد أكثر من مكان الى آخر.
لم يعد مكان به أمن ولم يعد هناك مخرج لأى فرد من العائلة التى تحاصرها النار وخارجها مجموعة كبيرة تحاصر المنزل الذى أصبحت أعمدته تتساقط على العائلة التى لم يعد أمامها سوى النداء على الله تعالى.
أصبح المنزل نموذج مصغر للعالم قبل نهايته، الأحداث سريعة والخراب فى كل مكان، المذنبون فى الخارج لا يزالون على ضلالهم، والتائبون فى الداخل يرجون رحمة الله تعالى، وفى الوسط مثال للدنيا وهى تنتهى وتدمر تماما.
النيران أضاءت الدنيا فى الليل فأصبح مشهد مرعب ومفزع أن تبدو الدنيا نهار والوقت لا يزال ليلا، يا له من منظر مخيف يجسد حال الدنيا قبل نهايتها.
وقف ايهاب يبحث عن أبناءه وسط الخراب الأخير ووسط الفصل الأخير من فصول الزمان وقبل لحظات قليلة من النهاية، ليجد ايهاب أن أبناءه قد ماتوا جميعا من طلقات الرصاص ومن النيران المشتعلة.
صعد ايهاب إلى أعلى نقطة فى المنزل المدمر وبصوته العالي يحاول أن ينصح البشر: عودوا الى أخلاقكم ستموتون الأن.
ثم عاد يتحدث: فات الأوان ومصيركم هو حال العالم الأن الملئ بالنيران.
ولكن صوته كان أضعف من أصوات الخراب والدمار، ولم يسمع له أحد، وفجأة شاهد كتلة نيران قادمة من السماء، نعم بالفعل انه النيزك يقترب ولا أحد يلتفت اليه، يقترب أيضا ولم يملك ايهاب إلا أن ينادى بصوته العالى: الله أكبر .. الله أكبر.
ولكن لا احد يسمع ولا أحد يشاهد، أصبح البشر لا يرى ولا يسمع شئ، والنيزك يقترب أكثر حتى وصل الى الأرض وضرب الجميع فانهار كل شيء وأصبح العالم يذوب فى النيران بشكل سريع ولم يتمكن البشر حتى من محاولة الصراخ.
وسقط ايهاب من قوة ضربة النيزك من مكانه وسقط على الأرض وسط النيران .. وفجأة.
وجد ايهاب نفسه يسقط على الأرض وسط حديقة منزله، ينهض فى حالة فزع شديد ويجرى والخوف على وجهه، ويتوقف فجأة وينظر حوله ليجد كل الأمور طبيعية ولا شئ حدث.
العالم لم ينتهى والحياة مستمرة والأبناء يستعدون للمغادرة والتوجه الى أعمالهم والاستمرار فى “طريق الفساد”، دون أى تغيير.
أدرك ايهاب أنه كان يحلم ولكنه ليس حلم عادى بل هو رسالة هامة ترجمت ما كان يفكر فيه فى حال عائلته وما وصلت اليه من سوء الأخلاق وفساد شديد وإفساد فى الأرض.
لم يكن حلم بل تهديد ووعيد من الله تعالى بضرورة استغلال الوقت والعودة اليه قبل فوات الأون، وأن العالم حاليا يعيش “النهاية قبل الأخيرة” والتى يجب أن يستغلها قبل النهاية الأخيرة والتى لا مجال فيها للعودة.
توجه ايهاب سريعا الى أبناءه وحذرهم وطلب منهم الرجوع عن ما سوف يفعلونه اليوم، وحاول بشتى الطرق إرجاعهم عن أعمالهم الفاسدة.
ولكنه وجد ردود عنيفة منهم ولم يستجيبوا له، وتركوه وغادروا، كلا منهم الى طريقه، وظل ايهاب ينظر اليهم فى حالة بكاء ثم ينظر الى السماء ويقول “يارب”.
النهاية
إقرأ أيضاً
ثأر العشق _ للكاتب والصحفي سجاد حسن عواد
1 comment
قصة ذات عبرة و مغزى كبير. يجب على الآباء إختيار الطريقة الصحيحة للتربية أبنائهم. و توجيههم للطريق الصحيح.