قصة “أمواج الحياة الطاعنة”
بدأ يوسف حياته طفلا صغيرا هادئا ليس كبقية الاطفال يمتاز بالاخلاق العالية جدا يحبه زملائه ولكن بجانب ذلك اكتسب بعض الخجل عانى منه كثيرا، مما أثار انتقاد الكثير ضده من بينهم اهله وبالذات والدته التى دائما ما كانت تنهره بحجة السذاجة وكان والده هو من يدافع عنه، ويؤكد انه ما زال صغيرا على هذا الكلام القاسى
عانى يوسف من بعض خلافات والديه بسبب عصبية امه فى أوقات كثيرة وكانت نظرات امه والبعض له بانه ساذج تؤلمه جدا فكان كلما ما يرتكب فعل بسيط مثل تكسير “فازه” او كوب او ضياع مبلغ من المال تزداد نظرات الناس له بأنه ساذج وبالمعنى البلدي خايب وهو لم يكن كذلك.
بوفاة والده وقع يوسف تحت سيطرة أمه التى كانت ما تخاف عليه بصورة كبيرة بحجة انه ساذج وتقول له دائما “اتنصح” وكان يوسف حزين جدا من داخله وتسبب ذلك فى ضغط نفسى بداخله، ولكن طيبته الشديدة كانت تمنع من الخروج بأي انفعالات سلبية.
بدأ يوسف يكبر رويدا رويدا ولم يتغير شئ فى نظرات البعض له مثل أمه وخاله وعمه الذان كان يدعمان امه فى رايها وكانوا يحاولون فرض سيطرة عليه بحجة ايضا انه لا يعرف مصلحته ولا يستطيع ان يدير نفسه فكانت امه تقوم بتوصيله للمدرسة حتى الثانوية العامة وبدايات الجامعه وتذهب اليه فى الامتحانات بصورة مبالغة وتضغط عليه فى المذاكرة بالاضافة الى شئ اخر وهو المعاناة المادية وكانت أمه تقترض من الناس وكانت ترسله هو كثيرا للاقتراض من أقاربهم وكان يتعرض لمواقف كثيرة حرجة مثل الانتظار بالخارج وقذف الأموال له من البلكونة او الرفض والمقابلة السيئة وكان يكتم كل هذا بداخله ولا يبوح به خشية الأزمات.
دخل يوسف الجامعة ونجح فى السنة الاولى والثانية وكان يشعر دائما بالنقص وسط زملاؤه ويشعر بالفراغ العاطفى وهو يرى الفتيات حوله ولم يكن يتحدث مع اى منهن وفى السنة الثالثة رسب يوسف وخشى من ابلاغ امه واضطر للكذب عليه وعند التخرج اضطر لابلاغ أمه أنه سيعمل فى الجامعة “منحة” دراسية لمدة سنة على أن يستكمل بعدها الى تعيين حكومى، وكان الأمر مجرد مبرر فقط ليملأ السنة المتبقية له ففرحت أمه بذلك ولم تدرى انه لا يزال في السنة الرابعة فاضطر يوسف للعمل فى أحد شركات التسويق كمندوب مبيعات وهو ما كان صعب فى البداية على شخصيته التي لا تزال به الكثير من الخجل الا أنه لا مفر من كسر هذا الحاجز حتى يعبر بتلك السنة الصعبة.
وبالفعل كان يذهب للعمل ويحضر محاضراته وكان يعانى من قلة مبيعاته وضغط العمل عليه أيضا طريقة مقابلات الناس له أثناء عرض المنتجات ما بين الجيد والمقابلة السيئة وما بين الطرد احيانا من المصلحة أيضا ضغط الدراسة والأموال المطلوبة منه ووقت المذاكرة ومطلوب منه النجاح ولا بديل غيره حتى يعبر بالعام امام امه وخاله وعمه بالاضافة الى ضغوطات المنزل وعصبية امه فى كثير من الأحيان وخوفه من معرفة أمه الحقيقة ما يحدث وبالتالى تزداد نظراتها له بأنه غير جدير بادارة حياته، كان عام صعب عليه فى كل شئ، سواء ماديا او فى الدراسة أو فى العمل أو فى المنزل.
فكان يعمل ويذاكر فى المواصلات ويخفى كتبه فى ملابسه ويحاول توفير بعض من المال من المبلغ الذي يظهره لامه على انه راتب عمله وكانت تعتقد انه فى عمل مريح على مكتب وتكييف لم تكن تدرى طبيعة عمله القاسية
مرت الشهور على يوسف واقتربت نهاية العام ومر الترم الاول دون ان يعرف نتيجته رغم انه فى أشد الحال لمعرفة النتيجة وذلك بسبب عدم دفع مصاريف العام ودخل التيرم الثانى وهو فى عز عمله وادى امتحانات التيرم ونجح في تسديد القسط الأول أما القسط الثاني فوجد انه من الممكن ان يتعافى منه لو احضر شهادة وفاة والده وهو ما حدث
وعبر يوسف الامتحانات بصعوبة وانتظر النتيجة ليجد نفسه معه مادة على درجة واحدة حاول أن يتقدم بتظلمات دون جدوى ليضطر إلى الدخول فى امتحان الملحق ويضطر للاستمرار فى العمل ايضا حتى يحن الوقت لاظهار شهادة التخرج وظل يعبر الايام ويكذب على أمه بأن هناك مشاكل فى استخراج الشهادة الجامعية وظل يتابع حتى خرجت الشهادة الجامعية بعد معاناة وتنفس الصعداء
وبدأ يوسف مرحلة جديدة ظنا انه يسترد حريته الكاملة ولكنه فوجئ بمزيد من الضغوطات فاضطر للعمل من جديد مندوب مبيعات وايضا دون أن يعلم أحد طبيعة عمله، من أجل أن يعمل دون أى ضغوطا جديدة، وفى محاولة للحصول على المال الذي سيشعر من خلاله بحريته والحياة دون ضغوط، كان يحلم بالثراء ولو البسيط وفتاة جميلة يحبها تنسيه مقاسى الحياة السابقة وأن يختارها بنفسه.
عمل يوسف فى مهنته فى جميع أنواع المبيعات وكان يحمل أثقل الحقائب يسير بها دائما وعمل فترة لحسابه الخاص وكان يدخل ويخرج دائما بحقيبته الكبيرة والتى بها البضاعة، دون أن تدري امه ويحرص على الا تدرى طبيعة عمله فهي تعتقد أنه يعمل فى شركة تتبع جامعته هكذا اقنعها
ووسط كل تلك الأحلام جاء خاله بعروسة ليوسف ولم يكن يوسف جاهزا لها نفسيا ولا ماديا الا ان خاله يرى أنها مناسبة له حتى لو تعيش معهم فى نفس المنزل وبالطبع رحبت امه ورحب عمه وشعر يوسف انه قد يجد نفسه فى نفس القيود بقية حياته و سيُفرض عليه حياة وواقع آخر فحاول الرفض الا ان اهله ضغطوا عليه بشدة بحجة انه لابد ان يتزوج لانه لن يستطيع الحياة وحيدا وغير قادر على إدارة أمور نفسه فحاول يوسف شرح الموقف وكان يحتد احيانا ويلاقى توبيخ من اهله ومع الضغط وجد نفسه متورط فى تلك الخطبة وكانت الفتاة جيدة وهادئة واحبت يوسف.
ورغم احساس يوسف بالتقرب نفسيا وعاطفيا ناحيتها إلا أنه كان دائما يتذكر أنها ليست من اختياره مثل كل الامور، ولكن يوسف حاول بكل الطرق التعامل معها حتى لا يظلمها، فقد كانت طيبة قلبه دائما ما تقوده وتطغى على شخصيته.
وفى نفس الوقت وأثناء رحلته فى عمله كمندوب مبيعات التقى مخرج سينمائي ومنتج صغير أقنعه بأنه يصلح كممثل واجرى له بعض الاختبارات ونجح فيها وقتها شعر يوسف بأن الحياة ستبدأ فى التبسم وان حلم الخروج الى حياة جديدة سيتحقق وبالفعل كان يذهب ليحضر ورش تمثيل مع هذا المخرج استعدادا لعمل قادم.
والتقى خلال الورش التمثيلية بفتاة جميلة أحبها بقوة ولكنها لم يخبرها بذلك حاليا حتى تستقر اموره اكثر خاصة وأنه مرتبط بفتاة اخرى لا يريد ان يظلمها، وفى لحظة ما جاءه خبر وفاة خطيبته فى حادث ورغم حزنه الشديد عليها الا انه شعر بالراحة النفسية لانه تخلص من قيد قوى بداخله دون ان يظلمها، فهو قضاء الله وبدأ يمهد يوسف لأمه حقيقة الحياة الجديدة كممثل ومع رفيقته الجديدة، ولكنه اصطدم بأمه من جديد التى رفضت تلك الحياة الجديدة ليوسف.
وكان سبب الرفض هو المبرر المعتاد، وهو أنه غير قادر على ذلك ولا تثق في قدرته على تكوين حياة جديدة بمفرده واستنجدت بعمه وخاله اللذان رفضا دخول مجال التمثيل وزواجه بتلك الطريقة لعدم ثقتهم فى قدرته على الاختيار المناسب، وظنا منهم أنه غير قادر على تكوين حياته بمفرده.
وهنا احتد يوسف عليهم لأول مرة واكد انه سيفعل ما يريد وسيبنى حياته بعيدا عن اى قيود وأصر على استكمال مشواره فى ورشة التمثيل وهنا ذهب خاله وعمه الى المخرج الذى تبنى موهبة يوسف وأكدوا له أنه شخص غير قادر على بناء حياته وطالبوا المخرج بطرده لانه غير موهوب وغير جدير بتلك الثقة.
لم ينال كلامهم اعجاب المخرج والذى ابلغ يوسف بهذا الكلام وطالبه بحل مشاكله مع أسرته حتى لا يؤثر على مشواره الفني مستقبلا وهنا عاد يوسف الى اهله وحذرهم من اى تدخل فى حياته والا سيكون له رد فعل وطالبهم بترك تلك المعاملة له وكانه ساذج وغير قادر على بناء نفسه واكد لهم إصراره على استكمال مشوار الفن والزواج من الفتاة التي اختارها معتمدا على الأموال التي يكتسبها فيما بعد
وعاد يوسف لاستكمال ورشته مع عمله كمندوب مبيعات لاكتساب رزقه لحين دخوله المجال رسميا
ليفاجأ يوسف فى يوم من الايام بالمخرج يطلب منه ترك الورشة بسبب ان العم والخال هددوا المخرج بفضحه واصدار شائعات ضده وهو مخرج ومنتج جديد خاف على سمعته وطرد يوسف الذى شعر بضيق الحياة من جديد وهو يخرج ويرى حبيبته وقد ابتعدت عنه من جديد وعاد وهو يشعر بالضعف ليفاجأ بأهله وقد جهزوا له خطوبة جديدة من فتاة اخرى واجبروه على الزواج منها وشعر بالضعف الشديد من شدة التحكم الذي يفرض عليه ووجد نفسه منهار عاطفيآ حيث وجد القيد مفروض عليه مجددا بشكل أقوى حيث وجد نفسه فى غمضة عين متزوج من تلك الفتاة التى أحضرها له أهله.
تلك الفتاة بجانب انها ليست جميلة ولا ترضى عاطفته كانت أيضا عصبية جدا او بالاصح “نكدية” عانى منها وشعر انه يمر بنفس القيود التي نشأ فيها مع أمه وأهله خاصة وأنه تزوج فى منزل يتبع اهل الزوجة فكانت تعايره بذلك دائما وكانت غير مهتمة بنفسها ودائما ما تنشغل بأعمال المنزل بصورة كبيرة ولم يجد فيها فتاة أحلامه التى كان يحلم بها، بجانب ما يعانيه من صياح وندب وكان يمارس هوايته فى مشاهدة التليفزيون ويتعب نفسيا عندما يجد الحياة التى كان يتمناها فى شاشات التليفزيون من خلال المسلسلات والأفلام.
ومرت السنوات وانجب يوسف طفل صغير لم يتركه له اهله وكان يتهمونه بأنه غير جدير بتربيته وكان الطفل يقضى معظم وقته فى بيت اهل زوجته بحجة انهم هم من يقومون بتربيته وذلك بتحريض من خاله وعمه وايضا أمه وعندما بلغ الطفل عام فوجئ يوسف بوفاة والدته لتتجمد لديه المشاعر ما بين قيد امه الذى تحطم وما بين القيد الجديد الذى يعيش فيه وما بين حزنه على أمه.
وفى أحد ليالى شهر رمضان كان يوسف يتابع أحد المسلسلات ليلا وكانت زوجته ترتب المنزل استعدادا للعيد، وكالعادة كانت صيحاتها عالية ووجد فى أحد المسلسلات حبيبته السابقة التى تعرف عليها فى ورشة التمثيل وقد اصبحت ممثلة لامعه وشاهد أمامه البطل وتمنى لو كان هو البطل أمامها وشعر بضيق نفسى شديد وهو يشاهد العالم الذي كان يتمنى الحياة بداخله وينظر لزوجته ويجد عالم آخر مغاير تماما وقتها وجد نفسه يشعر وكأن روحه تنسحب منه، تزداد تلك الحالة السيئة مع صيحات زوجته وندبها له على الحياة والعيشة القاسية التى تعيشها مع يوسف، وتتحسر على حياتها السابقة مع عائلتها بشكل.
بدأ هنا يوسف ينظر اليها والى التليفزيون والى صدره الذى بدأ يضيق من مشاعر كثير متلاحمة وفجأة ينقطع التيار الكهربى والزوجة فى البلكونة تنظفها من أعلى تتحدث مع الجيران بصوت مرتفع تقدم يوسف فى الظلام وهو يشعر بأن أمامه فرصة لاسترداد روحه التى تخرج منه ولم يشعر سوى بيده فى الظلام وفى عينه الفتاة التى يحبها والذى شاهدها منذ قليل فى التليفزيون ويقوم بدفع زوجته فى الظلام حيث سقطت من اعلى البلكون وقد توفت ثم تراجع يوسف غير مُدرك ما يحدث ولم يستفيق سوى على صرخات الجيران يخبرونه بأن زوجته سقطت وهى تقوم بتنظيف الشرفة.
لم يتمالك يوسف نفسه من الدموع ليس حزنا على زوجته بل حزنا علي نفسه، فقد أصبح قاتل أمام نفسه وبعد أيام بدأ يوسف يستعيد نفسه وبدا يفكر فى الحياة وقد وجد نفسه حرا من جديد حتى طفله يعيش تحت رعاية أهل زوجته لينطلق هو الى المخرج مجددا طالبا منه أن يعطيه الفرصة مجددا ووعده بعدم حدوث أى أزمات ولكن المخرج اسمه لمع وأصبح مخرج كبير جدا ومشهور لم يعطي اهتمام ليوسف وهنا تراجع يوسف وانطلق نحو الفنانة المشهورة حبيبته القديمة يطلب منها فرصة للتمثيل وهنا المعاملة تتغير وتهاجمه الفتاة بشدة وتطلب منه الابتعاد وتعنفه.
يغضب يوسف بشدة وهو يصرخ “بتعملوا فيه كده ليه” ثم يندفع محاولا التهجم عليها حتى يدافع عنها من حولها ويدخل السجن حتى ياتى عمه وخاله ويخرجانه ثم يقومان بالهجوم عليه بشدة عند العودة لمنزل خاله ويقومون بضربه وصفعه ويتهمونه بالجنون واللامبالاة والسذاجة والهبل وكل الألفاظ التى استفزت يوسف اكثر مما هو مستفز وغاضب والدموع تحتبس فى عينيه ومع صرخات العم والخال لم يدرى يوسف بنفسه الا وهو ماسك برقبتى الثنائى حتى تعثرت فى يده وسقطا قتيلان
يوسف غير مدرك ما يحدث ضغوطات السنين تخرج رويدا رويدا يندفع مسرعا خارج المنزل، يجرى يجرى لا يعلم أين يذهب نام عدة ليالى فى الشارع لا يعلم ماذا حدث ولماذا حدث وهل يدفع ثمن طيبته الزائدة والتى اعتبرها الكثير سذاجة مفرطة.
ولم يفكر يوسف فى تلك اللحظة سوى استرداد نجله من أيدي اهل زوجته الراحلة واتجه مسرعا فى الليل وذهب إليهم وكان يوجد حماه وحماته وبمجرد رؤيته حاولا الصراخ حيث ان خبر قتله خاله وعمه وصل اليهم وبمجرد محاولة الصراخ انقض عليهم ودخل فى معركة معهم وقتلهم واسترد ولده وحصل على الكثير من الأموال المتواجدة فى المنزل وغادر مسرعا وهاربا بصحبة ولده الصغير.
وانطلق مغادرا القاهرة ونجح فى الحصول على تأشيرة سفر غير شرعى إلى خارج مصر باسم جديد وهناك اشتغل بجد وكسب الكثير من المال لتربية نجله وحرص على غرز الطيبة فيه رافضا فكرة تعليمه قسوة القلب، أو أن يقوم بتربيته على كره الأخرين، ولكنه تمسك بأنه يكبر الطفل على الأخلاق الحميدة.
ونجح فى تكبير ابنه وأصبح شخص له اسمه ومكانته خارج مصر وقرر يوسف بعدها العودة الى القاهرة من جديد وقد اطمئن على نجله ونجح فى تزويجه وجعل منه إنسان ذو شخصية قوية هادئة طيبة مثله
وكان يحرص أن ينسى تلك الفترة التى أصبح فيها قاتلا لخاله وعمه وحماه وحماته وزوجته ووضع كل اهتمامه فى نجله وبمجرد الاطمئنان عليه واطمأن أنه أصبح فى حياة هادئة، قرر يوسف العودة وتسليم نفسه حتى يقوم بتنقية حياته من تلك الأفعال الاجرامية، ولكن قبل أن يقوم بتسليم نفسه لفظ انفاسه الاخيرة مودعا هذا العالم.