كتبت_ سمية سمير
الشخصية الكمالية أو المثالية أو الـ “Perfectionism ” هي سمة شخصية تظهر في رغبة الفرد وسعيه الدائم للكمال، وزيادتها إلى الحد الذي يؤثر بالسلب على صاحبها نفسيًا وعقليًا، ينصف كأحد اضطرابات الشخصية التي تحتاج إلى علاج.
سمات الشخصية الكمالية
مبدأ كل شيء أو لا شيء:
إن أهم ما يميز الشخصية الكمالية، هي سعيها الدائم للوصول إلى الكل، فإي نقص أو خطأ أو قصور طبيعي الحدوث، يجعلها تهدم كل شيء وتعود لنقطة البداية.
المعايير الصارمة:
تضع الشخصية الكمالية معاييرًا صارمة لنفسها؛ فهي لا تقبل أي خطأ أو ضعف أو تقصير، ولا تقبل إلا بتحقيق معايير أهدافها كاملة، مهما كانت غير واقعية، وللآخرين؛ فهي لا تقبل الخطأ منهم، ومتعبة جدًا إذا عملت ضمن فريق.
- المعايير الصارمة
النتيجة النهائية:
لا تستمتع الشخصية الكمالية أبدًا بالخطوات ولا الإنجازات الصغيرة، كل تركيزها ينصب على الوصول للنتيجة النهائية المثالية. فتفقد الكثير من الاستمتاع بطريق السعي، ورؤية ما تمّ إنجازه من خطوات الهدف.
وَحش النقد:
النقد هو أشرس الوحوش التي تخشاها الشخصية الكمالية، فعلى الرغم من كونها شخصية لازعة النقد؛ لا تقبل أبدًا الأخطاء والتقصير، فهي تخشى النقد وتتقيه وتتحول إلى شخصية شرسة في وجه منتقديها، ومع ذلك، فهي أشد الناقدين والجلادين لنفسها.
تحمل الجبل وحدها:
تُفضل الشخصية المثالية القيام بكل شيء بنفسها، ولا تقبل تكليف الآخرين ببعض المهام عنها، ويرجع ذلك إلى عدم ثقتها في تحقيقهم للمعايير الصارمة التي ترتضيها هي، مما يُثقل أصحابها بالأعباء والمهام على الدوام.
اكتئاب الإنجاز:
وعلى عكس ما يبدو من أن هذه الشخصية من أكثر الشخصيات إنجازًا، فحقيقة الأمر مغايرة. ويعود ذلك إلى المعايير الصارمة التي تضعها الشخصية لإنجازها، والتي تكون هي ذاتها مُعيقاتها في طريق الإنجاز، وحتى إن وصلت إليه تكون غير راضية عنه، مما قد يصل بها إلى تجنب الإنجاز أحيانًا، هروبًا من الضغط وخشية الفشل واكتئاب الإخفاق.
أنواعها:
وتتنوع الكمالية ثلاثة أنواع وهي:
1_ الكمالية نحو النفس، حيث تضع الشخصية معايير صارمة لنفسها، وفروض وإلزامات جامدة لا تحيد عنها، معايير لصورتها الذاتية، وأهدافها، وترفض كل أشكال النقص أو الخطأ أو التقصير وتجلد نفسها إن فعلت.
2_ الكمالية تجاه الآخرين، وهنا تنقل الشخصية معاييرها وفروضها للآخرين، وتُطالبهم بها، وتسلب حقهم في الخطأ أو التقصير.
3_ الكمالية من المجتمع، وهنا تفترض الشخصية معايير وقواعد إلزامية من المجتمع تجاهها، وتعتقد أن المجتمع لا يقبل منها أقل من التوقعات المثالية، وهو جاهز بالتقييمات السلبية تجاهها إن فكرت بالحياد عنها.
- أسباب الاضطراب
أسباب الشخصية الكمالية:
وترجع أسباب الوصول إلى اضطراب الشخصية الكمالية إلى الأخطاء في أساليب التنشئة الأولى ومنها:
الحب والقبول المشروط:
أغلبنا ما سمع كلمات مثل” أفعل كذا حتى أحبك.. ، أو أنا لا أحبك لأنك فعلت كذا وكذا.. “، وغيرها من العبارات التي ربطت الحب عندنا بشروط وأفعال، إن فعلناها نِلْنا الرضا، وإن أخفقنا سُحب من تحت قلوبنا بساط الحب والقبول.
وهذا ذاته ما يدفع الشخصية الكمالية للسعي الدائم إلى الكمال، فالطفل المتألم بداخلها يبذل كل جهده، ليعود لينال الحب الذي سحب منه قبلًا.
ربط القيمة بالإنجاز:
فأنت ولد جيد وأنتِ ابنة رائعة، حين تحصل على الدرجات النهائية، وحين تنظف غرفتك، وتغسل أسنانك، فتنهال عليك عبارات المدح والثناء.
ثم ماذا إن أخطأنا أو قصرنا، ماذا إن تعثرت خطواتنا، سُحب اللقب وتم القذف بنا في “Naughty Corner” كرسالة واضحة أنت بلا أي قيمة إن لم تنجز شيئًا، ثم نكبر فنظل في ظاهر الأمر نلهث خلف الإنجاز، بينما يلهث الطفل بِنا نحو قيمته المسلوبة.
الوالِدان الكمالِيان
“وَيَنشَأُ ناشِئُ الفِتيانِ مِنّا.. عَلى ما كانَ عَوَّدَهُ أَبوهُ”
وهنا تظهر الكمالية كسلوك مُكتسب من الوالدين، فهما القدوة والعالم بالنسبة للطفل في سنواته الأولى، فيكتسب المعايير الصارمة، ورفض الأخطاء، ورهبة النقد، وغيرها من السمات.
النقد المستمر:
فإذا نشأ الطفل على أن كل خطا غير مقبول، وكل تقصير غير وارد، وكل ضعف منبوذ، فإنه سيجمع كل هذا المخزون بداخله، ليكون أول من يفجره في نفسه لاحقًا.
المقارنة:
وهنا يبدأ الطفل في التعرف على أسلوب “أفعل التفضيل”، انظر هذا ابن خالك “أفضل” منك..، وابن عمّك ” أجمل” منك.. ، فيبدأ الطفل في العدو في سباق المقارنة الظالمة، ليُثبت أنه الأفضل والأجمل والأسرع، ثم يكبر فما عاد يرضيه إلا “الأفضل”.
- آثار الكمالية النفسية والصحية والاجتماعية
آثار الكمالية:
إن آثار الشخصية الكمالية بالغة السوء إن تفاقم أمرها، وإن لم تعالج ومن هذه الآثار:
1_ آثار نفسية كالقلق الدائم، والضغط والتوتر المستمر، والخوف من الفشل، وقد تصل إلى تجنب الإنجاز واللامبالاة، وضعف الثقة بالنفس، والوساوس، واكتئاب ما بعد الفشل، فهُم قد ربطوا سعادتهم بكمال لن يصلوا إليه أبدًا.
2_ آثار صحية، كاضطراب النوم، والأكل، وصعوبة في الاسترخاء، وأحيانًا قد تصل إلى إيذاء النفس، كنتيجة للقلق والتوتر المستمر.
3_ آثار عاطفية واجتماعية، حيث يعاني الكماليون من صعوبة في تكوين علاقات طيبة والمحافظة عليها، بسبب سعيهم لعلاقات مثالية بلا نقص أوخطأ بشري، وهم يُطالبون الناس بالالتزام بمعَاييرهم غير المحتملة.
علاج الشخصية الكمالية:
في حالة وصول الشخصية الكمالية إلى هذا الحد من الأذى لنفسها وللآخرين، فينصح بطلب المساعدة من المختصين.
ولكن هناك بعض الخطوات التي قد تساعدها في العلاج ومنها:
_ الاعتراف والوعي بالمشكلة؛ فمعرفة الداء نصف العلاج، ولكن من المهم عدم تهويل الأمر، والتعامل معه كسلوك غير مرغوب نسعى لتحسينه.
_ الاعتراف بالحق في الخطأ؛ واستبدال النظر إلى الأخطاء كعيوب شخصية ووصمة عار، بالنظر إليها كوسيلة للتعلم ومحفزات لتدارك الخطأ، أو بذل المزيد من الجهد لو كان هناك تقصير.
_ معرفة الدوافع الداخلية التي خلف الأفكار والسلوكيات الكمالية، والجذر الحقيقي للمشكلة، وغالبًا ما يكون له علاقة بأساليب التنشئة في السنوات الأولى، والصورة الخاطئة التي تكونت عن الذات.
_ الاستعداد لسيناريو الفشل؛ وتخيل أسوأ الاحتمالات وتجهيز خطة للتعامل معها حال حدوثها، فذلك يوصل للعقل رسائل طمأنة، مما يُقلل من الضغط والتوتر، ويساعد في التعامل بشكل أفضل حال حدوث أي إخفاق.
_ تعلم المرونة في وضع المعايير، وتعلم السعي بالخطوات المتاحة، والمنطقية في وضع الأهداف وتقسيمها.
_ تجنب الحديث الداخلي السلبي مع النفس، والنقد المستمر، وجلد الذات، واستبداله بحديث إيجابي مطمْئِن ومشجع.
_ كما يجب البعد عن التفكير القطبي أبيض وأسود، ووضع الحلول بينهما. والتركيز على الأنسب وليس المثالي.
_ تعلم الاستمتاع بالخطوات الصغيرة، والتركيز عليها، ومكافأة النفس بعد كل إنجاز مهما بدا بسيطًا.
مميزات الشخصية الكمالية المثالية
وبعد كل هذا التفصيل قد يتساءل القارئ، هل هناك أي ميزات للشخصية الكمالية؟!
والإجابة هي نعم؛ إن المشكلة تقع حين نتجاوز الحدود، ونُزايد في المرفوض. ولكن إن استطاعت الشخصية الكمالية إزالة ظلام المثالية الزائفة عنها، فحينها يمكن أن نرى ما يخفى خلف هذا الظلام من نور، وهذه بعض المميزات التي تختبأ خلف الشخصية الكمالية:
_ إنجاز المهام بدقة عالية.
_ رؤية ثاقبة، بسبب اهتمامها بالتفاصيل الصغيرة.
_ قدرة هائلة على التنظيم.
_ تقدير قيمة الوقت، واحترام المواعيد.
_ أفضل من يساعد في النقد البناء، بسبب تركيزها على أوجه القصور.
_ غنية بالمشاعر والأفكار والإبداع.
_ مستوى عالي في الأداء والإنجاز حين يوجه بشكل إيجابي.
_ السعي الدائم نحو الأفضل.
_ الإتقان.
إقرأ أيضاً
الشخصية القوية وكيف يستطيع الشخص أن يقوي شخصيته
هل الشخصية الحدية تختلف عن الشخصية السريعة الغضب ؟ أعرف الإجابة
2 تعليقان
موضوع المقال جيد وتم تناوله بشكل تفصيلى شامل ويتميز المقال بالتنسيق والترتيب الجيد كنت أتمنى من كاتبة المقال ضرب أمثله عمليه وطرح نماذج لتدعيم فكرة الموضوع ثم فى الخاتمه خلاصة المقال. جهدا مشكورا
أشكرك على رأيك المشجع، توجد الشخصية الكمالية بوضوح في الشخصيات الناقدة، التي تلفت العيوب والنقائص نظرها بشدة، فلها قدرة هائلة على رؤية النقص أو الخطأ في أي عمل، وإذا استطاعت توظيف ذلك جيدًا وبشكل إيجابي ستخرج منها شخصية ناقدة حكيمة رائعة.