هل تعتقد أن السر في النجاح هو قدرة الأشخاص الناجحين في مقاومة الإغراءات، أو مقاومة رغبات النفس وملهيات الحياة؟.. إن كنت ممن يعتقدون ذلك فهذا المقال سيقلب لك الموازين، وأول ما سأفاجئك به أن أقول لك: سر النجاح هو ألاّ تقاوم الإغراءات على الإطلاق!، هيا بنا لنتعرف معاً على سر النجاح، وما الذي يعنيه “سر النجاح: لا تقاوم الإغراءات إطلاقاً”.
سر النجاح: لا تقاوم الإغراءات إطلاقاً
في الوقت الذي يعتقد فيه كثير من الناس أن سر النجاح هو مقاومة أكبر قدر ممكن من الإغراءات، والتركيز في العمل أو الدراسة أو المذاكرة، إلا أن مقاومة الإغراءات هي حرب خاسرة بكل المقاييس، وسر النجاح هو عدم مقاومة الإغراءات على الإطلاق.
النجاح النهائي وتحقيق الأهداف الكبيرة، هو مجموع إحراز النجاحات الصغيرة، وحتى تحرز هذه النجاحات أو أن تحقق بعض الإنجازات التي تصبو إليها، مثل قراءة كتاب مهم أو تلقي كورس أو كتابة مقال أو حتى أن تنجح في تقليص وقتك الضائع على مواقع السوشيال ميديا، عليك أن تستغرق في إتمام هذه المهام بتركيز واستغراق وعمق.
وحتى تنجز هذه المهام بتركيز عليك أن تعمل بعمق، عليك أن تهيئ البيئة من حولك بشكل يخلو من أي مشتتات، حتى لا تضطر لمقاومة الإغراءات من حولك، ذلك ببساطة لأنه لا يوجد ما تقاومه.
الصراع بين التركيز والإنجاز وبين الإغراءات والمشتتات
نحن اليوم في زمن السرعة والتكنولوجيا والمشتتات والملهيات، مضى زمن التأمل والهدوء، حتى بركة الوقت التي كانت تعينك على الإنجاز ولَّت ولم تعد، نحن الآن في زمن يصعب فيه التركيز والعمل بعمق، أصبح الحصول على قسط من الانقطاع والعكوف لإنجاز مهمة أو تعلم دورة أو التركيز في قراءة كتاب، أمر من الصعوبة بمكان.
وإن لم يأتيك صديقك أو قريبك ليقطع عليك تركيزك واستغراقك في العمل، ستأتيك المشتتات من بين يديك لتغرقك بكم هائل من الإشعارات والبيانات الرقمية المتداخلة على تليفونك الجوال.
ولعل هذا هو الفارق بين زماننا وزمان العلماء الأوائل، ذاك الزمان الذي إذا ذكرت فيه علوم الطب والفلك والرياضيات والهندسة، وجدتها خرجت من قنينة رجل واحد، أمثال ابن سينا، وابن رشد، وابن الهيثم، والخوارزمي، وغيرهم.
هذا لأنهم استغرقوا في دراستهم استغراقًا لا مشتتات فيه، فاستطاعوا أن يبرعوا في عدة جوانب، ذلك بالطبع فضلاً عن الفوارق الشخصية بيننا وبينهم.
ولذلك يتم ربط النجاح دائمًا بضبط النفس والقدرة على التركيز والاستمرارية وعندم الالتفات إلى المشتتات، ولذلك فإن أسهل وأيسر الطرق للتركيز وتكريس مجهوداتك والتغلب على الإغراءات هو أن تخلق من حولك جوًا خالي من الإغراءات، وتقوم بتهيئة مكاناً لا تضطر فيه لمقاومة ما يشتت تركيزك.
ولعل ما أيد هذا المنطق هي تجربة ظريفة جدًا أطلق عليها تجربة المارشميلو.
سر النجاح: لا تقاوم المارشميلو
تمت هذه التجربة (تجربة المارشميلو) في أوائل السبعينيات من القرن الماضي، قام القائمون على تجربة المارشميلو على جمع عدد من الأطفال، وأعطوا كل طفل طبق به قطعة مارشميلو واحدة، وتركوه بمفرده داخل غرفة مغلقة، بعد أن أخبروه أنه بإمكانه أن يأخذ قطعة مارشميلو ثانية بشرط ألا يأكل قطعة المارشميلو الأولى لمدة ١٥ دقيقة.
لك حينها أن تتخيل مدى الحرب النفسية التي عاناها هؤلاء الأطفال الأبرياء، تقول نتيجة تجربة المارشميلو أن ثلثي عدد الأطفال قاموا بالتهام قطعة المارشميلو الأولى مباشرة بعد خروج الشخص خارج الغرفة، بدون أي مقاومة تذكر.
أما ثلث الأطفال استطاعوا أن يقاوموا إغراء طعم المارشميلو اللذيذ لمدة ١٥ دقيقة كاملة في سبيل الفوز بقطعة إضافية من المارشميلو، ولم تنتهي تجربة المارشميلو عند هذا الحد، وبالمتابعة وجد الدارسون أن هؤلاء الأطفال في شبابهم أثبتوا قدرة على النجاح والإنجاز أكثر من باقي الأطفال.
كيف استطاع هؤلاء الأطفال مقاومة إغراء المارشميلو؟
كثير من الدراسات تشير إلى أن النجاح يتعلق بقوة الإرادة وضبط النفس، ولكن هذا التفسير ربما يرتبط أكثر عند الحديث عن الأشخاص الأكبر سنًا والأكثر نضجاً والأوفر خبرة.
ولكن في تجربة المارشميلو لم يكن الأمر كذلك، فقد لوحظ أن الأطفال الذين قاوموا إغراء المارشميلو، هم في الأساس لم يقاوموها، ولكنهم صرفوا تركيزهم عنها.
أثناء ملاحظة الأطفال في غرفهم، لاحظوا أنهم شغلوا أنفسهم ببعض التصرفات التي صرفت تركيزهم عن أكل المارشميلو، فمنهم من أعطاها ظهره، ومنهم من دندن أو غنى، ومنهم من قام وطاف بالغرفة لإلهاء نفسه وتمرير الوقت.
إنهم في الحقيقة لم يخوضوا حرب إغراء المارشميلو لأن مقاومة الإغراءات حرب خاسرة، وسر النجاح ألا تقاوم الإغراءات إطلاقاً.
سر النجاح مرتبط بتجنب الإغراءات والمشتتات
مقاومة الفرد أشبه ببطارية الهاتف، كلما استهلكت منها كلما قاربت على النفاذ، والشخص الذكي هو الشخص الذي لا يضطر لأن يستهلك طاقته في الرفض والمقاومة لأنه يعلم أنها حرب خاسرة.
ولذلك إذا كنت مثلاً تتبع حمية غذائية، فلا تجعل ثلاجتك ممتلئة بما لذ وطاب مما تشتهيه من أصناف الحلويات، فربما أنت ستقوم مرة .. مرتين .. ثلاثة، ولكن في النهاية ستخور قواك وينتهي مخزونك من القدرة على التحمل ومقاومة إغراء الطعام.
وكذلك إذا أردت تقليل استخدام تطبيق أو جيم على الموبيل، فقم بإزالته من التليفون المحمول بحيث يصعب استخدامه .. وهكذا.
وكذلك في كافة أمور حياتك على طريق النجاح، قلص مغريات العصر ومشتتات الحياة من حولك، ولا تعول على قدرتك على ضبط النفس وقوة الإرادة فحسب، ولكن قم بتهيئة نفسك لما يعينك على ذلك، فالنفس ضعيفة والعقل يميل إلى بذل الحد الأدنى من المجهود الذهني.
ومن هنا نخلص إلى أن النجاح والإنجاز غير مرتبط بقوة الإرادة والعزيمة وضبط النفس بقدر ما هو مرتبط بقدرتك على تهيئة البيئة المحيطة بك بشكل يعينك على تحقيق الهدف الذي تسعى إليه.
كلمة شكر
في النهاية أود أن أشكر اليوتيوبر المعروف المهندس (أحمد أبو زيد) صاحب قناة “دروس أونلاين”، لما ألهمني به لكتابة هذا المقال الذي يعد تفريغ مع بعض التصريف لما جاء في أحد حلقاته.
اقرأ أيضاً:
كيف تقوي ثقتك بنفسك وأنت نائم؟
كيفية الثقة فى النفس وتطوير الذات