حديث النفس من الأفعال التي إما تزيد من إيجابية الشخص ونظرته التفاؤلية نحو الحياة، أو على النقيض حيث أفكارك الداخلية التي تتحدث بها مع نفسك ترمي بك نحو الحضيض، فلا يوجد إنسان لا يتحدث لنفسه بالأفكار والخطط المستقبلية والنصائح وأحلام اليقظة وطرح الأسئلة التي تخطر في باله لحاله، إلا إذا كان نائماً أو فقد عقله، وقد تحدث رسولنا الكريم صلوات الله عليه عن حديث النفس قائلاً: “إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به نفسها ما لم تعمل أو تتكلم”، فما حديث النفس وما الفرق بين حديث النفس والأحلام؟
ما حديث النفس؟
قبل الحديث عن حديث النفس لا بد أن نعرف ما النفس؟ .. النفس هي الشق المعنوي داخل الإنسان لا يمكن لمسه كعضو بيولوجي، لكن يمكن الشعور به عند اتخاذ القرارات الحياتية، أما عن حديث النفس هو فعل متأثر بالعقل اللا واعي، حيث يقوم الشخص بسلوك صحي من خلال طرح أفكاره ومعتقداته وخبراته وتجاربه السابقة مع الحياة.
كما أن علم النفس قد أشار في تعريف حديث النفس أنه عبارة عن محادثات من أسئلة وإجابات يديرها الشخص مع حاله، بدون التطرق لأي مؤثر خارجي يفسد عليه هذه العملية الذاتية، وهناك بعض علماء النفس وصفوا هذا الحالة بـ “الحديث الداخلي” الذي يتسم بالمرونة والعقلانية والمنطقية، حيث للشخص المتحدث مع حاله الحق في الاعتراض والشجب حتى يصل لحلول تزيد من فرص نجاحه بالحياة سواء على الصعيد المهني أو العاطفي أو الاجتماعي .
أنواع حديث النفس
قامت عالمة في علم النفس اسمها “ليندا سابادين” بتقسيم الحديث الداخلي إلى أربعة أنواع وهم:
النوع الأول: حديث النفس الإطرائي وهو النوع المُفضل لدى الكثير، عندما يقوم الشخص بتحقيق إنجاز ما أو نجاح في مجال علمه أو عمله، فيقدم لنفسه المديح والإطراء والامتنان لما أنجزه، وبالطبع هذا النوع من الحديث يزيد من إيجابية الحياة لدى المتحدث لنفسه.
النوع الثاني: حديث النفس التحفيزي، وهو من المفترض أن يدار قبل حديث النفس الإطرائي، حيث يحتاج الشخص قبل أي إنجاز ما أن يشجع ويدعم حاله بالجمل الحماسية والكلمات التحفيزية .
أما النوع الثالث: وهو حديث النفس الحواري، والذي يبنى على مبدأ الحوارات المتفرعة بين الشخص ونفسه، وقد يلجأ بعض الأشخاص لتسجيل تلك الحوارات من خلال الكتابة في كراسة ملاحظات خاصة، حتى يستخرج منها ما يمكن الانتفاع به .
النوع الرابع: وهو حديث النفس التنظيمي، وهنا يعتمد الشخص على التخطيط مع ذاته بشأن أحداثه المستقبلية، وكيف سينظم حياته ويوظف إمكانياته بهدف تحقيق الأحلام والأهداف .
أهمية حديث النفس
هل للحديث مع النفس أهمية، أم مجرد ثرثرة عقل لا تجدي نفعاً؟ .. بالطبع الحديث الداخلي له أهمية وإيجابية بالحياة، وقد أكد الكثير من الأخصائيين النفسيين أن الحديث مع النفس أمر هام في حياة الفرد لمعرفة بواطن قوته واستثمارها جيداً، ولفظ كل الأفكار السلبية والتشاؤمية، ومن أهم فوائد الحديث الداخلي:
- الحديث الداخلي يساعد الفرد في الانتقال بانسيابية بين الماضي والحاضر والمستقبل، فتصبح رؤيته للمشهد أكثر وضوحاً مما يجعله يخطط جيداً للأحداث القادمة .
- حديث النفس يساعد في تعزيز يقظة الفرد وتركيزه نحو هدفه وحلمه، ومواجهة كل العراقيل التي قد تردع عزيمته.
- أيضاً حديثك مع حالك يجعلك تتحكم جيداً في دوافعك ومشاعرك، كما يساعدك في التعلم من أخطائك وعدم تكرارها.
- فكرة أن تكون قريب من نفسك وتتحدث معها دائماً، تجعلك شخص عميق وواثق من ذاتك لأنك أصبحت تفهم جيداً ولا تحتاج لمن يعرفك على نفسك .
- قد تصبح وحيداً في لحظة ما وبوقت عصيب تحتاج فيه للدعم والتشجيع، هنا لن تجد أمامك سوى نفسك، وعندما تلجأ لحديث النفس التحفيزي الذي تحدثنا عنه، تتحول اللحظات العصيبة للحظات ممتعة .
- ممارسة التفكير الإيجابي في الحديث مع نفسك يساعد في الحد من أعراض الاكتئاب والتوتر، كما أن هناك دراسات أثبتت أن الحديث الإيجابي مع النفس يزيد من قوة مناعتك ويعزز من كيفية عمل القلب وينشط الدورة الدموية.
- كما أن الحديث الداخلي بإيجابية يقلل من الضغوط النفسية، ويجعلك تتجاهل كل السلبيات المحيطة من حولك كرأي بعض الأشخاص بك فأنت في غنى عن آرائهم .
ما الفرق بين حديث النفس والأحلام والرؤيا؟
هناك خلط بين الأحلام والرؤيا دائماً رغم أن الاثنين مختلفين من حيث الأثر والمصداقية، لكن هل حديث النفس له علاقة بهذا اللغط .. لمعرفة الإجابة علينا تعريف كل مصطلح على حدة.
الأحلام
هي تخيلات نلمسها ونشعر بها خلال النوم، وتعد كما فسرها بعض علماء النفس نوع من أنواع تفريغ الكبت، وتعويض رغبة أو دافع ما بالحياة، فقد يكون للإنسان حلم بالحياة الواقعية لا يستطيع تحقيقه، وهنا يصبح دور الحلم أن يعطي هذا الشخص رشفة من الصور المُخزنة بالعقل الباطن.
وهناك علم مخصص في تفسير الأحلام، وقام الكثير من علماء أفاضل كابن سيرين والنابلسي وابن شاهين والمفسر الأمريكي جوستاف ميلر، بوضع تفسيرات لمعظم أحلامنا وما دلالتها بالمستقبل .
الرؤى
الرؤيا هي حلم، ولكن حلمًا صادقاً لا يشوبه أي تدخل من الشيطان، فالحلم قد يكون عبارة عن وساوس شيطانية تسللت لعقلك الباطن، أما الرؤيا فهي من الله حيث قال رسولنا الكريم: “أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثاً”.
والرؤى هي رسائل ربانية تحمل إما بشرة مستقبلية أو تحذير ونصيحة بشأن الرائي، وتحتاج إلى شفافية وقلب عامر بحب الله، فليس الجميع محظوظين بهذه النوعية من الأحلام الإلهية .
حديث النفس
أما عن علاقة حديث النفس بعالم الأحلام، ففكرة التفكير والحديث الدائم مع نفسك، قبل النوم مثلاً، تجعلك ترى في أحلامك ما كنت تفكر فيه .. فعندما أراد رجل صالح رؤية رسولنا الكريم في المنام وسأل شيخ فضيل عن الطريقة التي تجعله يحقق ما يتمنى، أخبره الشيخ أن يتناول وجبة دسمة بالعشاء وكانت السمك مع إضافة الملح قبل النوم ولا يشرب ماء بعدها، ورغم عطش الرجل بعد تناول السمك المُملح إلا أنه نفذ تعليمات الشيخ.
وعندما نام لم يحلم سوى بالمياه ومنابع المياه وأمطار السماء، فذهب للشيخ منزعجاً فهو لم يريد رؤية المياه في الحلم ولكن رؤية رسول الله، هنا كشف له الشيخ عن سر حلم المياه حيث هذا الشخص الذي تناول الطعام بدون شرب المياه كان يفكر قبل النوم في ظمأه وحاجته للشرب، لذا عليه أن يفكر في رسول الله بخشوع وتدبر قبل النوم حتى تأتيه الرؤى التي يبحث عنها، وهذا المثال باختصار يوضح سحر الحديث الداخلي وبصماته على عالم الأحلام .
سلبيات حديث النفس وهل يبطل الصلاة؟
بعد كل ما تم ذكره عن إيجابيات حديث النفس .. هل لحديث النفس سلبيات؟، بالطبع قد يكون حديثك مع نفسك مُفعم بالسلبية والإحباط والأفكار التشاؤمية والمتطرفة، وهنا تصبح النتيجة معاكسة تماماً لما ذكرناه بالفوائد، وعلى الجانب النفسي والعقلي .
وقد يكون الحديث لنفسك به نوع من أنواع النفس الأمارة بالسوء، فقد تعقد النية مع حالة على ممارسة الرذيلة أو أي فعل يغضب الله ورسوله، ولكن من رحمة الله وتيسيره علينا أنك لا تحاسب على النوايا ما لم تنفذها وتفعلها، حيث قال الله تعالى:
” وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ” ، كما قال رسولنا محمد صلي الله عليه وسلم ” إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِأُمَّتي ما حَدَّثَتْ به أَنْفُسَهَا ، ما لَمْ يَتَكَلَّمُوا ، أَوْ يَعْمَلُوا بهِ ” .
فحديث النفس لا ضير فيه ولا ذنب ولا يبطل العبادة، ولكن عند الصلاة الأمر مختلف، حيث لا يجوز الحديث مع النفس خلال الصلاة، فقد قال رسول الله:
” مَن تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هذا، ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِما نَفْسَهُ، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ “..
أي لا بد لكي تكون صلاتك نافعة ومقبولة أن تكون خاشعًا بكل حواسك مع الله سبحان وتعالى خلال العبادة .
وبالنهاية أنت أولى الناس بنفسك، تعرفها جيداً وتفهم دوافعها ورغباتها في الحياة، وتحبها وتحب الخير لها وتشعر بأحزانها، فكن صديق لنفسك وتحدث معها كلما سنحت فرصة لذلك، ولكن كن صديق مُخلص وإيجابي لنفسك وليس العكس .
المصدر/ موضوع.
للمزيد:
نبدة عن حياة الرّسول و عن صفاته
عظمة الصلاة على النبي محمد صل الله عليه وسلم
1 comment
الحديث مع النفس ومراجعتها يذهب النفس ويكون الخبره التي تجعلنا أنضج وأكثر فهما للحياة….