“عبرت الطريق الجزء الثالث”
هل كنت نائمًا ؟!
سألني هذا السؤال رجل يبدو عليه الفزع وهو ينظر لي .. أنهض أشعر بكم أتربة يخنقني أنظر لنفسي
ـ لماذا لا أرتدي الملابس هكذا ؟!
ـ لا أعلم
نظرت لهذا الشخص أتفحصه لا يرتدي إلا البياض، قميص أبيض وبنطال أبيض يتمكن مني الصداع ذكرياتي تمحى تدريجياً انظر حولي.
ـ مقابر ؟! … نحن في المقابر ؟!
هز رأسه بالإيجاب.
أصوات عواء تملأ المكان من حولنا لكن لا أثر لأي كلب.
ـ كلاب … لكن أين هم أصواتهم قريبة جداً.
ـ أي كلاب … إنه عواء لذئاب … أتدري أنها أقوى مخلوق على وجه الأرض ؟!
ـ لا أظن هذا ..
يمط شفتيه ويكمل.
ـ سمعت والله أعلم أنها آخر مخلوق يبقى على وجه الأرض.
أنظر له متذكر شيء من هذا القبيل.
ـ قرأت هذا مرة على المتصفح.
ـ متصفح ؟!
لم أعر سؤاله اهتمام … ليكمل أسئلته.
ـ ما اسمك ؟!
حاولت أن أجيب لكن
ـ لا أتذكر ….
ـ كنت أتوقع هذا.
وأنت ؟!
ـ مثلك … لا أتذكر … إلا القليل.
قبل أن أستنكر أن نكون فقدنا ذاكرتنا سويًا يظهر أمامنا خيال لشاب … لا بل لكهل بدا هذا جليًا من انحناء ظهره وخطواته البطيئة متجهًا ناحيتنا مستنداً على عصا ملفح بالسواد.
اقترب إلينا أدير وجهي من بشاعة الوجه الذي طل، لكن صاحب الرداء الأبيض لم يتغير وضعه، ثباته أدهشني وجه مشوه كهذا كفيل أن يصيب أي شخص بالقيء نصف وجهه ممسوح والنصف الآخر محروق تخرج عينه من محجرها. وتكاد أن تقفز لخارج مكانها، له لحية سوداء بها بعض الشعر الأبيض لا تزيده وقارًا بل بشاعة.
ـ أهلًا
يقولها الكهل ويتنحنح ليسقط في يده بعض أسنانه.
ـ السلام عليكم
ما هذا الثبات لو كنت أقف بدونه الآن لركضت مما أرى .. نظر لنا دون أن يرد السلام، بل صرخ في وجهينا كأنه يرى خوفي ويريد أن يزيده بصوت أشبه بصوت الوحوش.
ـ أتمنى أن يغرب عن وجهينا.
همست تلك الكلمات لذو الرداء الأبيض .. نظر لي كأنه يوبخني … عادت إلي بعض الذكريات … أجل تلك النظرة تشبه نظرت أمي … لدي أهل ؟!
ـ لما أنت عاري ؟!
ـ لا أدري
قلتها وأنا أضع يدي أسفل خصري لبعض الخصوصية من نظرته التي اخترقت خصوصيتي
ـ أتعلمان أين نحن ؟!
هززنا رأسينا بالنفي.
ـ أنا وصاحبي هذا لا نعلم حتى من نكون.
ـ أيعقل ؟!
ابتسم له ذو الأبيض.
ـ أظن أنك أيضاً قد فقدت ذاكرتك.
نظر له في دهشة.
ـ كيف عرفت ؟!
فصحت فيه بغضب
ـ قال لك نحن أيضاً …. نحن أيضًا فقدنا ذاكرتنا.
نظر لي باشمئزاز
هل تعلم أن للصمت صوت هذا ما شعرنا به، خيم الصمت بل أصمنا الصمت ليحاول اختراق صاحب الرداء الأبيض أن يخفض هذا التوتر
ـ هل شعرتم بهذا ؟!
ـ الصمت !!
قالها الكهل وأكمل
ـ أشعر أني كنت أعيش فيه من زمن
وكأن لم يكن الصمت بهذا السوء لتزيد صرخة دوت في المكان الأمر سوء صوت مرعب كأنه نداء في الفراغ ليس نداء، بل قرعة طبل طويل دائم لا يقل حدته تخترق أذني مارة بعقلي لتصل إلى قلبي محدثة فجوة داخله يتقدم نحونا أناس رويداً من كل ناحية من أعماق الظلام، الظلام له سمك كأنه ضباب.
ـ إنهم يخترقون الظلام
قالها صاحب الأبيض ليصف المشهد بمنتهى البلاغة … رغم صوت القرعة الدائم الممرض إلا أن وقع الأقدام الهادئ ملأ المكان … عواء …نباح … بكاء … كلام … آلاف الأصوات المختلطة … الجيد أنهم لا يقتربون بل مبتعدين منظمين يسيرون باتجاه واحد.
ـ يالا بشاعة المنظر
ألا يعلم كيف يبدو ليقول هذا ؟!
تتسلل ذكريات أخرى …. أنا … أقود سيارتي … تسلل الذكريات يرهق رأسك حتى أنك تنسى ما أنت فيه
ـ أتذكر شيء آخر وأنا أقود سيارتي و …. فقط
ـ سيارتي ؟!
يقولها الكهل باندهاش هل تذكر شيء هو الآخر …. ربما
يظهر فجأة ضوء من السماء يصيبنا بالدهشة رغم شدة الضوء إلا أن … لا أثر السماء لا زالت مظلمة
ـ تذكرت …. أنا مقاتل
قالها صاحب الرداء الأبيض وهو مبتسم.
يقترب الضوء بل النيران المشتعلة تهبط علينا من السماء تلك الكتلة المشتعلة في بطء … نيزك ؟!
ألم اجتاح رأسي انقلبت سيارتي اصطدمت بالزجاج لتسود الرؤية وصمت يتفوق على كل الأصوات
أفيق … أضع يدي على رأسي مكان ما اصطدمت
ـ جبهتي … أين جبهتي ؟!
ـ ألا تشعر … بألم ؟!
نصف جبهتي محطم … نسيتها بمجرد خروج بعض الأيادي من المقابر أناس تحاول الصعود من المقابر المجاورة وهي تحطم شواهد القبور … أصواتهم تختلط الضوء اقترب الحرارة ترتفع أصعب النفس قاتل والرائحة الكريهة تسود
ينظر أحد الموتى لأعلى فيصيح
ـ إنها … الشمس …. هذا ما وعدنا الله
تمت
اقرأ أيضًا:
قصة “مكيدة الشر ضد عصافير الشرق”