النسبة في اللغة العربية .. النسبة زيادة ياء مشددة إلى آخر الإسم للدلالة على وجود علاقة بين الاسم المنسوب وأصله توضيحا وتخصيصا له ، وبذلك يسقط كل اسم أضيفت إليه ياء غير مشددة كياء المتكلم في كتابي وقلمي مثلا ، أو ياء المنقوص وهي لام الاسم أصل فيه مثل القاضي.
فهذه الياءات غير مشددة ولا تحقق علاقة دلالية تفيد التوضيح والتخصيص ، لأن ياء المتكلم إنما يؤتى بها لمعنى الانتماء والتملك ، ويكون محلها الإعرابي جر المضاف إليه أما ياء المنقوص فهي جزء من البنية بخلاف ياء النسب التي تتألف من صوتين فتكون مشددة.
موقع النسبة في الدرس اللغوي العربي
يعتبر النسب من الظواهر اللغوية ذات البعد الصوتي ، لأن هذا النوع من القضايا يخضع للتغيرات الصرفية الناجمة عن المشكلات الصوتية التي تعيق النطق العربي ولا تحقق ما أسماه ابن سينا في رسالة أسباب حدوث الحروف بالجهد الأقل ، ذلك أن اللسان العربي يميل دوما نحو الخفة واليسر ، لأن المصوت لا ينبغي أن يحس المشقة والعنت في نطق الكلم وإلا طرحه لثقله ومشقته ، وهذا جزء من سحر اللسان العربي الذي غير في البنيات والهياكل تغييرا ناتجا عن الثقل الصوتي الذي تحدثه بعض الأصوات المتجاورة في المخارج مثل التاء مع حروف الإطباق ( ص ، ط ، ض ، ظ ) مثل اصطبر واضطرب ومع الدال في اذَّكر التي أصلها إذتكر والزاي كما في ازدان ، فيقع الإبدال دفعا للثقل ، ويحصل مثل هذا في البنيات المعتلة بما يعرف عند علمائنا بالإعلال بالقلب والتسكين والحذف كما في قال التي أصلها قوَلَ وميعاد أصلها موعاد ويميل أصلها يَمْيِل ، فيسهل بذلك نطق الكلم ولا يتعسر على اللسان.
لذا فالمتغيرات التي تعتري الأسماء المنسوبة إنما هي نابعة من هذا المنطلق الصوتي الذي يرمي إلى تخفيف البنية وتسهيل نطقها خاصة وأن الأمر يتعلق بزيادة صوتين على الهيكل .
التغيرات الصرفية التي تعتري الأسماء المنسوبة
الإسم المختوم بالتاء
مثل ثقافة وسياسة فالنسبة إليهما ثقافي وسياسي ، فتحذف التاء بعد زيادة لاحقة النسب مع كسر ما قبلها .
الإسم المقصور ثلاثي البنية
تقلب ألف المقصور المكون من ثلاثة أحرف واوا مثل عصا عصوِيٌّ وفتى فتوِيٌّ ، سواء أكان ظهور الواو في البنية العميقة كما في عصوان حيث تظهر في المثنى أو لا تظهر على الإطلاق كما في فتى ، لأن الواو طريق للنسب يركب عليها كمطية تسير باللسان نحو الياء المشددة ، خاصة وأنها حرف شفوي يسهل نطقه فلذلك تجده مع الثنائيات مثل يد فتقول يدوي وأب أبوي
الإسم المقصور الرباعي
يجوز في هذا الاسم المقصور المكون من أربعة أحرف ثانيها ساكن مثل ملهى ومسعى أن تقلب ألفه واوا فتقول ملهوي ومسعوي ، أو تحذف فتقول ملهيٌّ ومسعيٌّ ، وهذا كلام جمهور علماء اللغة غير أن ابن عصفور في الممتع في التصريف ذكر احتمالا آخر وهو ملهاوي ومسعاوي بزيادة الألف قياسا على الممدود لدلالتهما معا على التأنيث ، ويبقى الخيار الأفضل هنا هو الحذف لأنه أجود وأحسن كما ذكر ذلك علماؤنا لما فين من إنقاص للبنية وتخفيف ، أما إذا كان المقصور رباعيا مما كان ثانيه متحرك مثل كندا فالنسبة إليه كنديٌّ بحذف الألف ولا يجوز قلبها واوا لما فيها من ثقل ( كَنَدَوِيٌّ)* ، فلو سكنت نونها لقبلت البنية في لسان العرب لما يحدثه السكون (انعدام الحركة ) من خفة في الانتقال من الفتح إلى مثله وإلى الكسر ، فكأن اللسان يقفز من الفتح إلى الفتح فيجد لذلك خفة كما وجدها في ملْهوِيٌّ ومسْعويٌّ .
الإسم المقصور الخماسي فما فوق
يجب حذف الألف في هذا النوع من الأسماء المقصورة لطول الهيكل كما في مصطفى فنقول مصطفِيٌّ .
الإسم المنقوص
باب المنقوص في حقيقة الأمر هو نفسه بابب المقصور ، فمتب النحو العربي القديمة لم تتكلم في فهارسها عن هذا النوع وذاك وإنما تكلمت عنها بلفظ واحد فتجد مثلا باب المقصور ، فحين تشرع في قراءته تجد قول علماء اللغة مثلا باب المقصور ويقصد به المنقوص أيضا ، وإنما التمييز بينهما لفائدة الطالب المبتدئ الذي يفرَّق له بينهما بما ختم بألف مقصورة وآخر بياء والحقيقة أن الألف هي الياء ، وحتى يتضح الامر للطالب وضع هذا التمييز المدرسي ليفهم الطالب الفارق بينهما من حيث الصورة لاغير ، لذا فالنسبة تثبت أنهما سيان ، ذلك أن التغيرات الصرفية التي تطرأ على المقصور هي نفسها ما سيطرأ على المنقوص ، فالثلاثي منه مثل شجي يصير شجويٌّ بقلب الياء واوا ، والقاضي رباعي البنية يجوز قلب يائه واوا أو حذفها ( قاضيٌّ / قاضوِيٌّ) ، وما جاوز البنية الرباعية وجب حذفه مثل مهتدي تصير مهتدِيٌّ .
الإسم الممدود
تقلب همزة الممدود واوا إذا كانت دالة على التأنيث مثل حمراء تقول حمراوي وقد فسر سيبويه في الكتاب سبب هذا التغير وحده دون علماء اللغة تفسيرا غاية في العبقرية والذكاء ، فذكر لذلك علتين واحدة صوتية والأخرى صرفية ، فاعتبر تواجد الهمزة بين ألفين مسببة لثقل اللسان وهذا إدراك بالحدس والذائقة ، لأن الدرس الصوتي في عصر سيبويه لم يتوغل إلى الأعماق ، مثلما سيحصل مع ابن سينا حينما سيفسر الهمزة صوتيا مقارنا إياها بصوت الهاء في قضيتين كبيرتين أطلق عليهما الحبس التام والحبس غير التام.
والعلة الثانية نابعة من رفض الياء لدلالتها على التأنيث كالهمزة ، محتجا بتواجدها في بنيات المضارع مثل تقومين وتفعلين ، فهذه ياء المخاطبة خاصة بالمؤنث ، فلما كانت الياء للتأنيث والهمزة للتأنيث كذلك ما كان من المنطق أن يبدل حرف بجنسه لأن الأولى أن يبدل بحرف آخر من غير جنسه فكانت الواو ، فلذلك قيل في التثنية حمروان وفي النسب حمراوي ولم يقل حمرائي ولا حمرايِيٌّ لاجتماع الياءات الثلاثة في هذه الأخيرة .
أما إذا كانت الهمزة أصلية كما في إنشاء نقول في نسبتها إنشائي لأن الهمزة موجودة في كل المشتقات ( ناشئ ، منشوء ، منشأ ، منشأة ، نشء ، نشأة ، منشِئ ، منشَأٌ .. ) ، فهي غير منقلبة عن غيرها فلاحق لك في أن تبدلها بحرف آخر كالواو مثلا .
وإذا كانت الهمزة غير أصلية منقلبة عن واو فأنت بين خيارين ، إما أن تقلبها واوا أو تتركها على حالها كما في كساء تقول كسائي أو كساوي لأن أصل الفعل هو كَسَوَ من كسا بدليل وجود الواو في مضارعه يكسو إ إذ هي الأصل فلما كان الانتقال إلى كساء ووزنها فِعالٌ وافقت اللام الهمزة وهي نفسها الواو التي وجدناها في المضارع مما عنى أن الهمزة منقلبة عن الواو ( كساو ) ، فجاز أن ننسبها وهي على أصلها أو نقلب واوها همزة ثم ننسبها .
نسبة المثنى والجمع
يعاد المثنى إلى مفرده ثم ينسب إليه مثل كتابان تقول كتابيٌّ و عاملون عامليٌّ ومكتبات مكتبِيٌّ ولابد من الانتباه هنا إلى أن بعض هذه الأسماء قد يعيدنا إلى القواعد السابقة حين يتعلق الأمر باسم من طينة المختوم بالتاء فنحذفها أو المقصور والمنقوص والممدود فنتعامل معه بعد رده إلى الإفراد بنفس ما تعاملنا معه مسبقا، وإذا كان الجمع من باب التكسير فيجوز رده إلى المفرد أو الإبقاء عليه جمعا ثم نسبته مثل أوراق تقول ورقي بعد الرد إلى المفرد ويجوز أوراقي لقولهم قراطيسي وجنائزي وشعائري مثلما ذكر ذلك الجاحظ في البيان والتبيين كما أن بعض الكلمات المحدثة يستدعيها المقام لتظل جمعا مثل جماهيري ودولي مثلا .
نسبة العلم المركب
معلوم أن العلم المركب ينقسم إلى مركب إضافي وإسنادي ومزجي تبعا لطبيعة البنية اللفظية ، والنسبة إلى هذا النوع من العلم تستلزم معرفة الجزء الذي ينبغي أن يحظى بشرف النسبة ، فإذا تعلق الأمر بالمركبين المزجي مثل نفطويه / خالويه / بعلبك فالنسبة تكون إلى الجزء الأول فتقول نفطيٌّ وخاليٌّ وبعليٌّ وإذا كان المركب إسناديا مثل تأبط شرا وجاد المولى فالنسبة للأول كذلك ، فتقول تأبَّطِيٌّ وجادِيٌّ ، فيطرح بذلك الجزء الثاني.
أما المركب الإضافي فالنسبة إليه تكون إما للجزء الأول أو للجزء الثاني إذا أن اللبس ويعني ذلك أن قولك : أب محمد / أب زيد / أب خالد يستلزم النسبة للجزء الثاني فتقول محمديٌّ وزيديٌّ وخالديٌّ ، والنسبة مثلا إلى امرئ القيس تكون للجزء الأول فنقول امرئيٌّ حتى يؤمن اللبس ويزول الغموض ، لأن النسبة إلى الجزء الأول وقولك أبوي سيحمل السامع على عدم الإدراك والفهم فهو سيجهل المقصود بهذا اللفظ المنسوب أهو لأب خالد أو لأبي زيد أو لأبي محمد لكن قولك محمدي يجعله عارفا بالمنسوب إليه ، وكذلك في امرئ القيس لأن المسمى بقَيْسٍ ليس واحدا في تاريخنا العربي فنحن نعرف اسم قيس الرقيات وقيس بن ذريح وقيس بن الملوح فقولك قيسيٌّ يحمل النسب على الالتباس فلا يدْرَى أي قيس قصد به الكلام .
اقرأ أيضًا
المفعول المطلق في النحو العربي
الأسماء المعربة والمبنية في النحو العربي
الإعراب والبناء في النحو العربي