أثبت صحـــة الأطروحـــة القائلة: “الإنسان حر حرية مطلقة”، الطريقة: استقصاء بالوضع.
إذا كان الإنسان هو الكائن العاقل والذي يسعى دائمًا إلى فهم ذاته وما يحيط بها، محاولًا إدراك ما حوله للوصول إلى حريته. والتي تعني ــ الحريـة ــ تجاوز كل إكراه داخلي وخارجي، ولهذا اختلف الفلاسفة حول حرية الإنسان بين القائل أنه مقيد والقائل أنه حر حرية مطلقة. من هنا جاءت الأطروحة القائلة أن الإنسان حر حرية مطلقة، لهذا كيف نثبت صحة هذه الأطروحة؟ وما الحجج والبراهين التي تؤكد على صحتها؟
محاولــــة حـــل المشكــل:
عرض منطق الأطروحــة: يرى عدد من مناصري الحرية وخاصة المعتزلة، وبرغسون وكانت … بإن الإنسان حر في اختيار أفعاله التي يقوم بها، وبالتالي هو حر حرية مطلقة، وبهذا قد تجاوز كل القيود التي يفرضها الوجود، هذا ينفي كل اعتقاد قائل بأنه مقيد ومجبر على أفعاله، فهو حر لأن الحرية شرط أساسي للتحلي بالمسؤوليـة.
إثباتها بالحجج والبراهين : وقد اعتمد أنصار هذه الأطروحة على عدة أدلة وبراهين، فترى المعتزلة أن الإنسان حر في سلوكه، وأفعاله وتصرفاته هي نتيجة لاختياره التام ولوعيه والدليل على ذلك قوله تعالى:
{وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ۖ فَمَن شَاءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}.
فالإنسان حسب الآية مكلف ومسؤول عن أفعاله. نفس الرأي ذهب إليه “برغسون” الذي يعتقد هو الآخر أن الحرية مسألة داخلية تتعلق بحياة الشخص النفسية حيث أن كل إنسان يشعر بأن له القدرة على الاختيار بين الأفعال، أي القدرة على القصد إلى الفعل أو تركه، وهذه السلوكيات النابعة من الحياة النفسية كالأفكار والمشاعر والعواطف التي تؤكد حرية الإنسان، يقول برغسون: “حين أشعر بأفعالي تجري في نفسي متجددة أشعر في نفس اللحظة بأني حر”
” . أما “كانط” فهو الآخر يرى بأن الإنسان له القدرة على الاختيار بين الخير والشر وبالتالي فهو حر لأننا لا نستطيع أن نصدر حكمًا أخلاقيًا “بالخير” أو “الشر” على سلوكيات الإنسان ما لم يكن حرًا، لهذا فالواجب الأخلاقي دليل على حرية الإنسان، لأنه لا قيمة لهذا الواجب إذا انعدمت الحرية.
نقد خصوم الأطروحـــــة:
رأيهم: يرى أنصار الجبر والحتمية أن شرط الحرية يتعارض مع الواقع الإنساني الذي يؤكد وجود الحتميات والضرورات. كما أنهم برهنوا على حرية الإنسان بحجج ميتافيزيقية غيبية غامضة، لأن الشعور قد يخدع الإنسان، وهذا ما أكده سبينوزا في قوله: “يظن الناس أنهم أحرار لأنهم يجهلون الأسباب التي تسوقهم إلى أن يرغبوا أو يشتهوا…” .
نقدهم: يرى سارتر بأن الوجود الحقيقي ميزة يمتاز بها الإنسان فقط، وذلك لأنه يتطلب الاختيار والحرية، أي أن الوجود مرادف للحرية في قوله:
” إن الإنسان لا يوجد أولًا ليكون بعد ذلك حرًا وإنما ليس ثمة فرق بين وجود الإنسان ووجوده حرًا “لهذا فالإنسان حر حرية مطلقة ولا يخضع في سلوكياته وأفعاله لعوامل وظروف، وبالتالي فهو مسؤول ويتحمل عواقب اختياره.
حل المشكلة:
نخلص في الأخير أن الإنسان حر طليق يتمتع بحرية الاختيار ومسؤول عن أفعاله، فحريته هي قوام وجوده، ومن هنا تصبح الأطروحة القائلة “الإنسان حر” أطروحة صحيحة ومشروعة.
اقرأ أيضًا:
الحرية وأهميتها في حياة الإنسان