الخروج من الحالة النفسية السيئة .. قطعا أنت تعلم أن الصحة النفسية هي أحد دعائم السعادة. إن كانت صحة سليمة. وهي أصل الشقاء والعذاب إن كانت صحة معتلة. وفي هذا المقال سأشرح لك الكثيرَ من الأمور المهمة بشأنها. لكن أود ابتداءً أن ألمِح للمعنى التالي:
المشاعر هي وقود السلوك
ولا ريبَ أن من الوقود ما يحفظ للمحرك كفاءَته، ومنها ما يسرع من تلفه. منها ما يكون كفيلا أن تنطلق الحافلة بعزم شديد. ومنها ما يجعل المحرك في ضعف شديد. إن الغذاء الذي تطعِمه روحَك هو المشاعر أو الحالة النفسية. وأيا كان نوع الغذاء؛ فإنه سيصبغُ روحك بصبغته، ويخلع عليها من طبيعته. فإنه إما يلحق الأذى بحافلتك (جسدك الذي هو وعاء روحك)، أو يزج بها نحو الرفاهية مسرعا. إن الأمر موكول إليك في النهاية. هناك من يصطفي من الأطعمة أطيبها. وهناك من يَعمِد إلى صفائح القمامة؛ فيغترفُ منها لُقيماتٍ يُقِمنَ صلبَه!
حسنا، ليس هناك من يفعل ذلك بالنسبة لطعام الجسد؟! صدقتَ، ولكن ألا تتفق معي أن الكثيرين لا يأبهون لما يُطعمون به أرواحَهم الجائعة؟ ثمة من يسد رمَقَ روحه بالمشاعر المحبطة، ويروي ظمأ نفسه بطعامٍ مسفَهة (من الأفكار الحزينة والانسياق خلف المزاج المنخفض) .
المشاعر وقود السلوك
عندما تعزف على أوتار المشاعر البغيضة؛ فإنك لن تُخرج عزفا متناغما أو سيمفونيةً رائعة. وإنما ستبعث بصوتٍ كأنكَرِ الأصوت وأقزعِها على المسامع وقعا. عندما يكون مزاجك منخفضا؛ فإن أفعالَك ستكون خافتةً مثله. لا تقوى على تحريك ساكن أو تقويم مُعوجٍّ. اللهم إلا أن تُحرِّكَ الساكنَ إلى موضعٍ أسوأَ من موضعه الذي كان فيه. أو تُقَوِّمَ معوجا فيزيده التقويم اعوجاجا! إن الحالة النفسية السيئة هي وقودك إلى التلف والعطب. وهي سبيلك الذي لا يخطئ نحو اقتراف الزلات ومواقعة الآفات. لن تقوَ حينئذ على اتخاذ قرار؛ إلا أن يكون قرارا خاطئا. لن تتجانفَ عن سلوك طريق يقصيك عما تعانيه من ألمها، مهما كان مغرقا في السوء. إن الحالة النفسية السيئة مبعثةٌ على التذبذب والتردد، ومدفعة إلى الفناء والتبدد. حتى إذا اتفق أن ترسو سفينتك على ساحل؛ فكن على يقين أنه ليس الوجهة التي أَردتَ!
يموت لأحدهم إنسان، فيفتُّ ذلك في عضده، وينقض من عُرى عزمه، وينحرُ أوداجَ الرضا من قلبه.. فلا يَحمد اللهَ على مصابه ويسترجع.. بل يوارِي سعادَتَه أيضا في أكفان ميِّتِه! فكأن الأخيرَ أبى أن يخرج من الدنيا إلا وبين يديه راحةُ ذلك المسكين وسعادتُه. فتستحيلُ حياته جحيما، وتغدو كل تفصيلة فيها بابا من أبواب العذاب، ووَزَغَةً من وزغاتِ الهلكة. ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت! فتراه يقترف من المناكير أوبَقَها ويترك من الأفعال أحسنَها. فلا يزيده كرُّ الزمان واختلاف الليل والنهار إلا عُزوبا عن كل فضيلة. وتروح طَيرُهُ خماصا من الخير بعد أن كُنَّ به بِطانا! وتنقلب أموره رأسا على عقب. فلا يرعوي عن سبيلٍ – هو مظنة الإثم- إلا سلكه، ولا واديا – هو مستودع التلف- إلا هَلَكَ فيه! أجل ربما يرجو خلاصا من مرِّ شعوره بالتدخين، أو المخدرات، أو رفقة السوء. فيغدو كالمستجير من الرمضاء بالنار. أو كطالب البرد من قرص الشمس الحارق!
إنها الحالة النفسية السيئة!
الحالة النفسية السيئة ما هي؟
هي الاستجابة النفسية للأحداث بشكلٍ مغلوط. أو هي أحاسيس نفسية بغيضة تحدث كردة فعل لحدث ما أو كلام معين.
والأحاسيس نوعان: جسدية ونفسية.
أولا: الأحاسيس الجسدية
عندما نتعرض للحر؛ فإن جلودَنا تتصبب عرقا.
عندما نمتنع عن الطعام نتضور جوعا.
أو عن الشراب فنَظمأ.
أو نتعرض للجو البارد فَنبرد.
أو للنارِ فنقفزُ من فَرطِ الألم، وقيظ حرارتها.
هذه أحاسيس جسدية، لا يملك المرء نحوها إلا نوعا واحدا من الاستجابة.
لأن عقله ومخه مبرمج على هذه الاستجابة. والتي بدونها، فإن الموت هو المصير الحتمي للأحياء. وكما ترى. لا يوجد مسافة بين الحدث والاستجابة. ليس ثمة موضع للتفكير، فقط حدث (كالتعرض لِمُؤلمٍ) واستجابةٌ واحدة ثابتة (الألم)
أمثلة للأحاسيسِ النفسية (المشاعر)
الموت أو فقدان عزيز أو إصابة بعض المقربين بالمرض يؤدي للاستجابة بالحزن والأسى الإخفاق في تحقيق غاية، أو الرسوب في أحد المراحل الدراسية ربما يؤدي إلى الألم وحسرة.
التصرف بطريقةٍ خلافَ الأولى؛ قد يستتبعُ لصاحبه شلالا من الندم ولوم الذات
التعرض لذئب مفترس، أو التعرض للسقوط والاصطدام بالأرض ينتج شعورا بالخوف
حصول المطلوب، وبلوغ الغايات يستوفِد شعورا بالسعادة ونشوةِ الظفر
تتابع الاخفاقات، وتكاثر الديون، وتعذُّر النوال، وقلة ذات اليد، أسباب تؤدي إلي الإحباط واليأس
فَهذه هي المشاعر أو الأحاسيس النفسية، ولكنَّ التحكم فيها ممكنٌ إلى حدٍّ بعيد!
وهنا ينطرح السؤال المنطقي من فوره: لماذا يمكننا التحكم في الأحاسيس النفسية (المشاعر) بينما لا نملك سوى ردودٍ ثابتة على هيئة أحاسيسَ جسدية؟ لماذا لا نستطيع ألا نستجيب بالألم الجسدي عند التعرض للنار الحارقة، بينما يمكننا ألا نستجيب بالحسرة والندم على الإخفاق الدراسي مثلا؟ أليسَ كلا الأمرين يمثلان استجابةً مبرمجةً للجسد أو النفس سَلَفا؟!
إن الفارقَ بين الحالتين؛ هو أن ثمةَ مسافة بين الحدث والاستجابة النفسية، ولا وجود لهذه المسافة في الاستجابة الجسدية. عندما يُخفق بعضهم في مرحلة دراسية؛ فإن ذلك لا يستلزم الشعور باليأس والإحباط. لماذا؟ لأن هناك مسافة زمنية نستطيع في خلالها إيلاجَ العقل والتفكير ليكون صاحبَ اليد الطولى في تحديد نوعية الاستجابة. ربما خسرَ أحدهم جميع أمواله في البورصة مثلا.. فأصيبَ بجلطة في المخ أو القلب أودت بحياته على أثرها. ولكنَّ نفس الحدث (خسارة جميع الأموال) أدى بشخص كوالت ديزني إلى النهوض من جديد. والانطلاقِ من الصفر مرة ثانية. ليعيدَ ثروته أكثرَ مما كانت! فكيفَ إذا علمتَ أن هذا الأمر حدثَ له سبعَ مرات لا مرةً واحدة؟!
وكأنَّ المُعولَ لا على الحدث نفسه، وإلا لكانت ردات الفعل متوحدة لدى الجميع. ولكنَّ وجودَ مسافة للتفكير المنطقي (وتنحيةِ العواطف جانبا) هو الأصل في الاستجابة اللاحقة. والتي سوف ينجم عنها تغير في تسلسل الأحداث، ووتيرة الأمور إلى حد التناقض أحيانا (بين الأشخاص المتعرضين لنفس الحدث) ، بينما الظروف واحدة!
إن الحالة النفسية السيئة هي نتاجٌ حتميٌّ لطريقة التفكير في الحدث، لا في الحدث نفسه. هكذا باختصار. لقد زُجَّ بشيخ الإسلام ابن تيمية في غياهب السجون. الأمرُ الذي قد يعني نهاية الدنيا لدى البعض. لكن ابن تيمية رحمه الله فكر في الأمر بطريقة مغايرة تماما. فتراه يقول: (وما يصنع أعدائي بي؟ إن جنتي وبستاني في صدري. إن سجنوني؛ فَسجني خلوة. وإن نفوني؛ فنَفيي سياحة. وإن قَتلوُني فقتلي شهادة)!
وهكذا ينبغي أن نعرض الأحداثَ المكروهة على عقولنا.. قبل أن نفتح لها مصراعي قلوبنا، فتأتي على الأخضر واليابس، وتذهب بالمنطق أدراج الرياح! وعندئذ؛ فقد جنينا على أنفسنا. وأعنا الدهر على النيل منا. ولا جرمَ أن نكونَ نحن الملومينَ لا تصاريف القدر.
الخروج من الحالة النفسية السيئة
بيد أن كل ما سبق لا يعني استحالة الخروج من الحالة النفسية السيئة.
والواقع أن هذا الموضوع لن يكفيه هذه الكلمات القليلة.
ولن تُغطي تفاصيلَه بضع أوراق هزيلة. ولكني سأجتهد أن أطرَحَ عليك بعضا من العلاجات الناجعة، واقترح عليك كثيرا من الطرق النافعة.. في الخروج من الحالة النفسية السيئة
- أولا عليك أن تدرك أنك تشكو شعورا سلبيا، وتعاني مِزاجًا مُعتَلًّا. لأنه للأسف لا ينتبه الكثير منا لطبيعةِ مشاعره، والسجيةِ الغالبةِ على حالته النفسية!
- عليك أن تعترف. نعم لا تحاول إنكار أنك الآن في حالة نفسية سيئة. إن المرضَ النفسي ليس من العيوب المستنكرة، ولا من النقائص المستَحقرة. فكيف إذا كان الأمر أقلَّ من هذا بكثير. نحن لا نتكلم عن اكتئاب نفسي جسيم. أو وسواس قهري أو قلق مستفحل. نحن نتكلم عن حالة نفسية عارضة.
- ابحث عن السبب وعالِجه. هذا هو العلاج الأمثل للحالة النفسية السيئة. لا تغض الطرف عن الجوهر وتهتمُّ للمظهر. لا تَدع اللبابَ مستمسكا بالقشور. لكل فعل رد فعل. ولكل حالة نفسية أسبابها القابعة تحت الرماد. لا تكتفي بأن تتخلص من رماد المشكلة، لأن النار المستعرة تحتها لن تلبث أن تُعاود الاشتعال. عليكَ أن تكتنهَ سبرَ المغالق، وأن تقتحم الأسباب الكائنة وراء شعور الملل، أو القلق. أو الحزن أو الخوف أو عدم الرضا أو الحزن الغير مبرر. في الواقع ليس هناك شيء بلا مُبرِّر!
- لا تنكفئ على ذاتك
- . اُخرج من القوقعة.
- مَزِّق تلك الشرنقة الضيقة التي أودعتَها نفسَك.
- كن اجتماعيا، وخالط الناس،
- وشاطِرهم أفراحَهم وأتراحهم.
- ضَمِّد على جراح الآخرين يبرأ جُرحُك. عانق أحباءَك بحرارة؛ تذهبُ حرارة الشوق ببرد السأمِ والملل.
- شارك أصدقاءَك في مائدة تفكيرك؛ تستنزِلْ عقلَك أفكارًا أخرى.
- استمتع بذوبان آلامك في بحور التناجي. تلذذ بالعيش في العلائق الدافئة، والأواصر المحكمة.
- لكن في نفس الوقت؛ لا تسمح لأهدافك أن تذوبَ في يمِّ أهداف الآخرين!
- لا تستحِ أن تَرفض عروضهم التي تُقصيك عن أهدافك. ربما تستشعر غضاضةً في أن تقول لهم أحيانا لا. لكن تأكد أن تلك الغضاضة والمرارة ستكون أضعافا مُضاعفة إن سمحت لهم بالتسلق على أكتافِك. لا تَكن أنانيا. ولكن في نفس الوقت لا تكن إمعة.
- جدد حياتك. عَدِّد وسائلَ المتعة والترفيه. اقرأ وابحث وسافر وروح وتسرَّى. لا تبخل على نفسِك بالمكافأة عندما تستحقها.
- لا تتخل عن عادة التأمل، اجلس منفردا أحيانا، ودع عقلَك يجولُ في حدائق التفكير، دون قيود الواقع، وأغلال المنطق.
- التقبل الذاتي: مهما كانت عيوبك، فأنت إنسان مكرم. هكذا وَصَفك الله تعالى بقوله: ولقد كَرَّمنا بني آدمَ وحملناهم في البر والبحر وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا. وفي قوله: الذي خَلَقَك فسواك فَعَدَلَك. وفي قوله: لقد خلقنا الإنسانَ في أحسن تقويم
- ركز على أهدافك. عندما تفعل ذلك؛ فأنت تُنحي بؤرة عقلك فتصرِفها عن التركيز على ما لا يسرك إلى ما يسرك.
- عندما تزدلفُ من أحلامك؛ فإن عقلك سوف يحلِّق في فضاء المتعة، بعيدا عن مستنقع المشاعر السيئة، والأفكار البئيسة. كما أنك لن تَعدَم شعورا بالرضا، كلما دَلفتَ خطوةً واحدة في المسار الصحيح.
- لا تقتل نفسك في إرضاء الناس، لأنها – كما قِيل- غايةٌ لا تُدرَك.
- إن أُناسًا لا يستنكفونَ أن يجعلوا من فضائلك نقائص، ومن حسناتك عُيوبا. يقول الشاعر:
إذا ما حَسَناتِي اللاتي أُدِلُّ بها كانت ذُنوبِــــــي فقل لي كيف أعتَذِرُ
عَلَيَّ نَحتُ القَوافي مِن مَقاطِعِها وَما عَلَـــــــــيَّ لَهُم أَن تَفــــــــــهَمَ البَقَرُ
أَهُزُّ بِالشِعرِ أَقواماً ذَوي وَسَــــــــنٍ في الجَهلِ لَو ضُرِبوا بِالسَيفِ ما شَعَروا
- لا تُغرِق في التشاؤم ولا في التفاؤل. لأن التشاؤمَ يقطع النفسَ عن العمل، والإفراطَ في التفاؤل ربما يَكلَم النفس بالحسرة إن جَرَت الرياح بخلاف مُشتهى السُّفن. بيدَ أن التفاؤلَ المرتكز على حسن الظن بالله هو أصل نيل الأوطار.
إقرأ أيضًا
التحفيز المغناطيسي لمعالجة الاكتئاب
3 تعليقات
المشاكل النفسية يمكن أن تسبب بعض القلق و الغضب و التوتر. و لا يمكننا اجتياز هذه المرحلة بسرعة. حيث أنه من أجل تقبل الوضع و معرفة أنه فقط وقت ضيق و مار نحتاج وقت كبير.
اقتباس: “لن اطلب منك التفكير بطريقة إيجابية. لكن اذا غيرت طريقة تفكيرك سوف تتغير نظرتك للحياة”
لا يمكنني أن أطلب من أي أحد يمر باوقات عصيبة أو بضغوطات نفسية أن يتعامل مع الأمر بإيجابية. لأنه صعب. لكن يجب أن تتفائل و تتأمل خيرا. لأنه سوف يساعدك على تعامل مع مشاكلك بطريقة أفضل من أجل إيجاد الحلول المناسبة. التشاؤم لن يجدي أي نتيجة لذلك عليك التخلي عنه.