مرحبًا يا صديقي، بما أنك تسأل وتبحث وتنقب لتعرف ما “طرق الراحة النفسية” فأنت حتمًا في أمس الحاجة إلى أقصر طريق يبلغك ويصل بك إلى تلك الراحة المنشودة، وحقيقة لست وحدك من يبحث عنها، فكلنا هذا الرجل، فكل منا يأتيه بوم ما يخرج فيه لا لطلب الرزق أو العمل أو جلب الطعام والشراب والدواء والكساء… لكن ليبحث عن الراحة النفسية ليتمكن من التوقف لأخذ أنفاسه ومحاولة ألا يقع تحت قطار الحياة وألا يتعرض للدهس.
كلنا يريد أن يحقق ما لم يُحقق بعد، كلنا يريد أن يترك بصمة في الحياة وأولادًا ونسلًا وتاريخًا، وان يجلب أيضًا لأولاده ولشريكه كل ما يمكن للحياة وللترفيه، لكن بينما نسعى لتحقيق كل هذا لا ننتبه إلى أننا قد فقدنا أعز ما نملك، لا نعرف أننا قد فقدنا أهم جزء من روحنا ومن وجداننا، إنه ذاك الشيء الذي يجعلنا مستمتعين في الحياة ونشعر بقيمة الحياة وقيمة أنفسنا.
الراحة النفسية عنصر أساسي في الحياة
إن الراحة النفسية ليست عنصرًا مكملًا للحياة، بل هي العنصر الأساسي الذي به تشعر بأنك حي ولم تمت بعد، إنها الجنة الأرضية والتي متى فقدتها لن تجد سوى جحيم يجتاحك من الداخل، وألم أسوأ مما تظن سيظل ينخر في روحك حتى تصير إنسانًا أجوفًا لا نعرف هل هو على قيد الحياة أم فقدناه منذ زمن، سينظر إليك البعض على أنك حي وسعيد ومعك الكثير من المال و…. لكن أنت وحدك من يعلم أنك قد فارقت الحياة منذ زمن، وللأسف ترى إنسان تسأله عما يريد فيجيب (مال، بيت، زوجة، أولاد، مشروع ناجح.. وراحة نفسية).
بالفعل إن الكثيرين يضعونها في ذيل القائمة، وكأنها ليست عنصرًا مكملًا أصلا بل إضافة كالبهار إذا لم تتوفر فلا بأس، لكن هؤلاء الذين لا يعرفون قيمة الراحة النفسية هم الذين ينعمون بها، نعم إنهم المرتاحون نفسيًا وجسديًا، ولأن الإنسان لا يعرف قيمة ما يملك، ولأنه لا يشعر بقيمة الشيء إلا من فقده، لأنه يرى أن الراحة النفسية موجودة لديه بوفرة فأين ستذهب فهي من الأشياء الملازمة له.
أما أنت يا من فقدها، أو من لم يعرفها منذ زمن، أو فقدتها منذ زمن طويل حتى نسيتها ونسيت الطريق إليها، فأنت تعرف قيمتها وقدرها وحاجة الإنسان إليها، لذا ولكي تصل إلى الراحة النفسية لا بد أن تبذل قصارى جهدك لتنعم بها كي تتمكن من التنعم بحياتك وعمرك.
طرق الراحة النفسية
1 – حسن علاقتك بالله، واجعل قلبك دومًا موصولًا بربك مستنيرًا بحبه وبالثقة فيه وحسن التوكل عليه، وثق أن الله تعالى سيكون ناصرك فهو نعم المولى ونعم النصير، ومهما كان اختبارك إياك والشك أو أن تقل ثقتك في القادر على كل شيء، واعلم أن ثقتك بالله وتوكل عليه، وترك حملك وما يثقل ظهرك بين يديه ليس لأجله هو – سبحانه وتعالى – بل لأجلك أنت، ولأجل راحتك النفسية.
كلما كثرت المسؤوليات وكبرت الهموم، اعلم أن ربك أعلى وأكبر وأعز وأجل سبحانه، إن ثقتك بربك تجعلك قويًا من الداخل، فلا تزعزع نفسك أبدًا، واسأل الله أن يرزقك الثبات.
2 – حافظ على القيام بشعائر دينك والالتزام بالعبادات المفروضة عليك، وكلما كنت مؤديًا لواجباتك الدينية بالشكل اللائق كنت أكثر راحة نفسية وارتياحًا؛ لأنك ستشعر بالرضا عن نفسك، كما تشعر أنك إنسان صالح نقي.
سوء الخلق
“خالق الناس بخلق حسن” فسوء الخلق أو التطاول أو سوء الظن بالناس، أو رميهم بالباطل، لن يجلب لك إلا طاقة سلبية وشعور داخلي أنك إنسان سيئ مهما تظاهرت بغير هذا، وبالعكس كلما عاملت الناس جيدًا، ومنحتهم الاحترام، ستشعر بالرضى من نفسك وأنك مرتاح من الداخل لأنك لن تجلس لتأمل نفسك من الداخل وتعلم نفسك بسوء الظن وحياكة الحيل والخداع ونصب الفخاخ، وتلك الحياة السوداوية التي لا تجلب سوى الشقاء والتعاسة.
الابتعاد عن البخل
لا تبخل لا بالمال ولا بالحب والاهتمام ولا بأي شيء، كن كريم الخلق وسخي، فمنك المال أو الهدايا، والإيفاء بالمسؤولية المادية، ومنح الحقوق وأدائها كما يجب هو عين الراحة النفسية، فحقوق العباد وأكلها لا يورث في النفس سوى التعاسة والبؤس، وأعجب ممن يظلم ويأكل الحقوق وأموال اليتامى – والعياذ بالله – ويبحث عن الراحة والسعادة، أو من تجده يحبس حق طليقته ويظلمها، بل يحتال هو ومحاميه لكي يأكلوا حقها ويظلمونها، ويستحلون أموالها، وبعد هذا يسأل عن راحته النفسية أين راحت ولما ذهبت وأبدلته تعاسة وبؤسًا، إننا – للأسف – صرنا نرى الظلم واغتصاب الحقوق وأكلها عنوة ذكاء.
بر الوالدين
أين أنت من والديك وبرهما، حتى أن كانا قد توفيا فلهم عليك البر والصدقة الجارية والدعاء وتلاوة القرآن، وأين أنت من أبنائك؛ نعم فالأبناء لهم علينا بر وإذا ما أخطأنا في حقهم فهو عقوق، وإليك ما حدث مع أمير المؤمنين عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – لتفهم قصدي:
“جاء رجل إلى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، يشكو إليه عقوق ابنه فأحضر عمر بن الخطاب رضي الله عنه ابنه وأنبه على عقوقه لأبيه، فقال الابن: يا أمير المؤمنين، أليس للولد حقوق على أبيه؟ قال: بلى، قال: فما هي يا أمير المؤمنين؟ قال: أن ينتقي أمه، ويحسن اسمه، ويعلمه الكتاب (القرآن). فقال الابن: يا أمير المؤمنين إنه لم يفعل شيئاً من ذلك: أما أمي فإنها زوجة كانت لمجوسي، وقد سماني جعلاً (جعراناً)، ولم يعلمني من الكتاب حرفاً واحداً. فالتفت أمير المؤمين إلى الرجل، وقال له: أجئت إليّ تشكو عقوق ابنك، وقد عققته قبل أن يعقك، وأسأت إليه قبل أن يسيء إليك.”
وعندما تتأمل تلك الحادثة وهذا الموقف نرى أن سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – قال له قد عققت ولدك لهذه الأسباب التي قد تبدو بسيطة جدًا، لكن ماذا عن الأب الذي يعامل ابنه بقسوة ونكران ولا يمنحه وقتًا ولا حنانًا ولا حبًا، وكل هذا بحجة أنه يعمل لأجل أن يجلب له الأموال، ثم يحزن عندما يكتشف أن ابنه يعامله معاملة البنك.
اقرأ أيضًا:
كيف أحافظ على صحتي النفسية والجسدية؟
علاج الحالة النفسية السيئة والاكتئاب