الجوهرة الملكية الصاعدة، إيدواردو كامافينكا، يشق طريقه بثبات نحو النجومية و كتابة تاريخ اسطورة جديدة من أساطير البيرنابييو. وقصة نجاحه الكروي لا تضاهيها إلا قوة الإرادة و العزيمة و المثابرة التي أطرت قصة نجاحه و جعلت من الشاب ذي التسعة عشر سنة الحامل للرقم 25 على قميص ريال مدريد عنوانا لبث الرعب في قلوب الفرق المنافسة و رمزا لقلب الطاولة على الفرق حتى ولو كان اسمها باريس سان جيرمان، تشيلسي أو المان سيتي.
كامافينكا من نيران حروب الأدغال الإفريقية إلى القمم الكروية الأوروبية
لم يكن يتجاوز عمره السنتين، و تحت نيران الحرب و الضمار التي كانت تعيشها أنكولا، اضطر الأب إلى الرحيل إلى فرنسا آملا في غد أفضل.
و بالفعل،استقرت العائلة بمدينة فوجريس، حيث أبان الطفل إيدواردو كامافينكا عن حبه المبكر لممارسة الرياضة و خاصة رياضة الجودو التي كان يعشقها حتى النخاع و يمارسها بشكل منتظم حتى سن السابعة الذي شكل فارقا و منعرجا أساسيا في توجيهه الرياضي. إذ لاحظ أطر مدرسته، عند كل حصة كرة القدم، مدى تمكنه من مداعبة المستديرة و كأنها قطعة من جسده و قدرته على خلق الفرجة و المتعة داخل الملعب بمهاراته و أسلوبه المتفرد، فنصحوا الأم بتسجيله بمدرسة كرة القدم للفريق الأول للمدينة.
غموص و تردد في تحديد موقع كامافينكا على رقعة الملعب
منذ نعومة أظافره تميز إيدواردو الصغير بتقنيات و دهاء وجرأة المهاجم، وكذا شراسة و صلابة و قوة و حسابات المدافع، مما وضع المسؤولين التقنيين في حيرة من أمرهم، فثارة يلعب مدافعا أوسطا و ثارة يكون مهاجما صريحا.
و لا يستدعي الأمر أن يكون الواحد منا خبيرا كرويا ليعرف أن عدم الاستقرار في المركز عند الفئات الصغرى إبان فترة تكوينها قد يفقد الطفل البوصلة و يصيبه بالإحباط و يحد من تطوره. لكن إذا كان اسمك إيدواردو كامافينكا بٍارادتك القوية و شغفك الكبير بالكرة و ثبات ثقتك بنفسك و قدرتك على خلق الفرص من أنصافها وتحويل الضارة للنافعة، فإنك ستتخطى المرحلة بنجاح و أكثر من ذلك ستجعلها مرحلة لاكتساب مهارات متعددة و صقلها لتصبح عارفا بأسرار أساليب إيقاف الخصم و استرجاع الكرة و الاستحواذ و التحول بسرعة و سلاسة من الدفاع إلى الهجوم، و هي الميزات التي مكنته ليصبح لاعب محور وسط الميدان و سقاء فنان تجده متموضعا أمام المدافعين مساندا، و عند الاستخلاص تراه خلف المهاجمين خالقا التفوق العددي. إنه كامافينكا يدافع و يقاوم ثم يهاجم و يمرر و يسجل.
النار من جديد تلاحق كامافينكا
و كأن الأقدار تمتحنه إن لم نقل تعاكسه، فبعد الإفلات من نار الحروب هاهي ألسنة النيران تأتي على منزل العائلة سنة 2013، و لأن شبلنا هذا لا يمكن إلا أن يكون من صلب أسد إفريقي أصيل ظل الوالد مؤمنا بالمستقبل المشرق لابنه إيدواردو، فعمل على انتقاله إلى فريق ليل Stade Rennais في نفس السنة متحديا ما أرادت فرضه النيران.
كامافينكا و بدايات الصعود نحو النجومية
بانضمانه إلى فريق ليل في تجربته الاخترافية الأولى، و في سن الستة عشر أصبح أصغر لاعب محترف في البطولات الخمس الكبرى الأوروبة متفوقا بذلك حتى على مبابي.و بينما كان يكتب الأسطر الأولى من صفحات التألق حصل الأنكولي الكونكولي على الجنسية التالثة ليصبح أنكوليا كونكوليا فرنسيا، ينال شهادة الباكالوريا في علم الاقتصاد و الاجتماع، تتم المناداة عليه لمتخب فرنسا للأمل فيصير محط اهتمام كبريات الفرق : ليفربول، البارصا و ريال مدريد.
زين الدين زيدان وانتقال كامافينكا إلى ريال مدريد
حدس زيزو دائما صائب، إذ كان يتابع إيدواردو منذ فترة و كان واثقا من قدراته و تميزه، مما جعله ينخرط شخصيا لجلبه إلى الفريق الملكي، و ما سهل الأمر هو كون زيدان صديقا لابن مالك فريق رين و أيضا رغبة كامافينكافي تحقيق حلم الطفولة باللعب للملكي. و هكذا حل الشاب في التاسعة عشرة من عمره يوم 21 غشت 2012 بالبرنابيو، و لأنه لا يومن بالحظ و إنما بالمواعيد التي لا يجب التخلف عليها، أصبح عنوانا لقلب الموازين و خلق الحدث عند كل فرصة متاحة للعب و لو لدقائق معدودة.
فهو وحده القادر على امتصاص الضغط و التأقلم مع كل الخطط و الجمل التكتيكية بقيادة الداهية أنشيلوتي. و هو وحده القادر، دون أدنى شعور بالنقص أو الارتباك، على مجاورة و مقارعة لاعبين يعتبرون من أساطير وسط الميدان ككروس و مودريش و كاسيميرو، و التمركز بينهم و إعطاءهم حلولا إضافية و نفسا جديدا بقيامه بأدوار تكتيكية متعددة: الاستخلاص، الاستحواذ، تسريع إيقاع اللعب، قيادة الهجمات المضادة، بناء الهجمات من الخلف، اللعب بين صفوف الخصم، التمرير الطويل، القراءة الصحيحة للعب، جرأة اتخاذ القرار…و ما يؤكد الثقة التامة للطاقم التقني للملكي في قدرات كامافينكا هو إقحامه لأول مرة أمام فريق سيلتا فيكو و مكان من؟ مكان الكبير إدين هازارد. و رغم حصوله على 24 دقيقة فقط للعب أكد أحقيته بتسجيل إصابة و أسيست و أداء مذهل جعله يلج قلوب مشجعي الميرينكي.
كامافينكا سلاح الريال لبث الرعب و قلب الموازين
أصبح دخوله للملعب وسيلة لبث الرعب في قلوب الفرق المنافسة و شعارا لقلب الطاولى عليه و من أبرز هذه المحطات اللحظات:
-بمجرد إقحامه في مباراة باريس سان جيرمان قام بتنشيط وسط الميدان و خلق الحيوية اللازمة داخل الفريق، فقلب الريال تأخره بهاتريك المتألق دوما كريم بنزيما، و اندحر الباريسيون رغم نجومهم العالميين الكثر كميسي و نايمار و مبابيو دي ماريا و حكيمي…
-و إن نسينا، فلن ننسى ليلة إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا، أقحم كامافينكافي الدقيقة 75 و الريال منهزم ذهابا و كذلك إيابا إلى حدود هذه الدقيقة من المقابلة، و ثوابت الريال في وسط الميدان قد تم استبدالها إذ غادر كل من كروس و مودريش و كاسيميرو، و يدخل كامافينكا ليصبح قائدا للأوركيسترا الملكي لقلب الطاولة كما عهدناه. فهاهي الدقيقة 90 و الكرة تحت الرجل اليسرى الساحرة لإدواردو الذي يمررها بدقة و مكر الاعبين الكبار إلى كريم الذي يحولها لرودريكو الذي يضعها في الشباك كما سيبجل الهدف الثاني برأسية جميلة ليفرض شوطين إضافيين على المان سيتي الذي لم يعد قادرا خلالهما على كبح طموح كامافينكا.
و هاهو إيدواردو مرة أخرى بيسراه و براعته يخترق دفاعات الخصم ليمرر لرودريكو الذي يضعها أمام بنزيما مجبرا الخصم على ارتكاب المحظور و ضربة الجزاء و هدف الخلاص الذي أطاح بفريق الفيلسوف جوارديولا.ذ
من يفعلها غيره، إنه كامافينكا المرعب الذي يجيبك لما تسأله:المال ليس العامل الاول و إنما هي قدرتك على تحقيق حلمك هي الأهم.
هي قصة نجاح و مثل يحتدى به من كل طامح للتألق و تغيير الواقع بالاستناد على العطاء و العمل و المثابرة و الصبر و قوة العزيمة، فلاشيء مستحيل مع الطموح لتخقيق الذات.
حلمنا أن نراه متألقا صحبة جيله من النجوم في سماء العرس الكروي القريب: مونديال قطر فخر كل العرب.
إقرأ أيضاً:
اللاعب ردريغو يعبر عن سعادته البالغة بالفوز
جوارديولا بيده يهزم فريقه مانشستر سيتي لصالح ريال مدريد