الداء وبعض الدواء .. حقيقة وبعد صراع مرير مع حروف كانت تأبى علىَّ أن ألملمها وأنسج منها كلمات تعكس مكنونات صدرى، وبعد محاولة إثر محاولة نجحتُ أخيراً فى تسريب ما يكنُّه صدرى وما تحتويه نبضات قلبى ولم أكن على القدر الكافى من الشجاعة فى كتابة ما أود كتابته لولا أن منَّ الله علىَّ.
الداء وبعض الدواء
تبدأ سطور الرواية القصيرة فى بضع لحظات تمضى كالوميض ثم تهيج فرحاً وإبتهاجاً بقدوم المولود الصغير الذى لا حول له ولا قوة إلا من فرح أبويه ومن حولهما لذلك الضيف العزيز الذى هلَّ وأهلَّ ونثر بذور السعادة فى قلوب من ينتظره وتمضى الأيام وتمضى معها سعادة محبيه ثم رويدا رويدا تخفت السعادة ويعلوا صوت كد العيش والسعى لذلك الذى كان مصدر بهجتهم صار فى بضع سنين مصدرا يقتاتون له
ثم ما لبث الصغير أن أصبح فتىً يغدو ويروح هنا وهناك وهو لا يدرى أن عناية أبويه محفوفة لهم ومن قبلها عناية الله ويكدُّ الأب وتجتهد الأم حتى يصير ولدهما كأسمى الفتيان
وتمر السنون بلا هوادة ويكبر الطفل حتى يشبُّ شاباً يافعاً ومع يَفْعَته يَكْهلُ أبواه وتنحنى عنهما ظَهْريْهما اللذان طالما كانا سنداه وقت أن كان بلا سند ولا مأوى ثم فى لحظة فارقة تتنازع بداخله قوى التَبْعية وقوة الإنعزالية، أيمضى ويترك أبويه بلا سند أم يجعل ظهره سُلَّماً يطأونه كلما رقت عظامهما
تنامى إلى مسامعى قصصٌ تشيب له النواصى عن أبناء غادروا أباهم بين عشية وضحاها لمجرد أن تغلبت قوى السلطة والإنفرادية عندهم على ما سواها، ظنوا فى أنفسهم أنهم ليسوا بحاجة إلى أبائهم وقد إكتفوا بل ووصل بهم إلى حدود ما بعد ما قد يتوقعه عقل بشرى
أسمعتهم عن شاب يطيع زوجته فى هلاك أمه وأخر يطرد أبيه مرضاة لإمرأة بل وإمتدت يد أحدهم الأثمة ليتطاول على أصل منبته ومصدر قوته وأرض عزته – أبويه.
إرتوت عيناى بالعبرات وسط ذهول عقلى وبصرى بينما أنا أفرُّ السطور عن قصص طغاة القلب وقساة البصيرة وهم يكتبون بأيديهم أسوأ نهايات حتى الحيوانات تأنف أن تشارك هؤلاء قصصهم
وقد وقفتُ كثيراً على أسباب هذا الإنحدار الأخلاقى الذى أودى بنا إلى مآلنا الذى بات يصعب على الفِطَر السليمة وكان كما ترائى لى الأتى:
- إنصباب مسئولية الوالدين على تهيئة الإبن جسمانياً وإهمال تهيئته نفسياً وخُلُقياً
- إهمال الجانب الدينى والعقدى لدى الطفل وإعتبار الدين إرثاً ينتقل بالتبعية دون نقله على عين الأب والأم
- ضعف النقل العملى وقلة الإهتمام بنقل التجارب الحياتية لدى الجيل الصاعد وإعتماد الأبوين على المصادر الخارجية للطفل حتى لو كانت مصادر غير موثوق منها
- عدم تحرى الخُلَّةُ للطفل وهو أول طريق الإنزلاق فى طريق الهاوية الأخلاقية فبالصديق يرتقى المرء وبه ينحدر
- تدليل النشء فوق ما ينبغى مما يستجلب للطفل حياة الرفاهية وتذمره إذا إخشوشنت الحياة فيما بعد
- عدم الدخول فى كافة تفاصيل الطفل ولا سيما فى وقت مبكرة حتى يتم تشكيله وفق مراد الأبوين
- فقر صناعة الحب والفخر والإنتماء إلى الأبوين ومعاودة الطفل أنه بدونهما ما كانت لتقوم له قائمة
- إرث الخلل السيئة والتى يكتسبها الطفل بمعايشته لها مع والديه أو ممن يحيطون به كالبخل والجبن والكذب وغيره، وهذه الخلل تنشأ مع نشئة الصبى مالم يحتاط الأبوان لها ونزعها من صفة إبنهما
- البيئة المحيطة والتى قد تورث فى الإبن مالم يرتضيه أبويه وإنما هذا الإرث عن غفلة منها
وقد تمتد السطور لتقف على الداء الذى أصاب الأمة وفرط فى معتقدات مذهبها ولكن حسبنا ما ذكرناه آنفاً ولو وضَعَ الأباء أناملهم على موضع العطب لبرأ ولزال عنا بعض ما نلاقى من هول ما نرى ونسمع.
إقرأ أيضًا
رواية اليك قلبي الجزء الأول ب عنوان ملاك في وطن الخطيئة