الأنثروبولوجيا .. من أجل فهم العالم المحيط بنا يجب أن نتوفر على العديد من الأدوات والمعايير، سواء تعلق الأمر بملاحظات الإنسان نفسه أو الإعتماد على العلوم بأنواعها، ولعل أبرز القضايا التي تتطلب الفهم والتفسير والتحليل هي تلك المرتبطة بالانسان نفسه، أو مايعرف بالظاهرة الإنسانية في ظل ٱعتبارها من بين الظواهر الطبيعية بالمفهوم العام، غير أن معرفة الإنسان ليست سهلة كما يبدو،
فقد شكل مفهوم الإنسان محط تساؤل وٱستفهام على مر العصور وفي مختلف الحقب الفلسفية بدءا من اليونانيين والعصور الوسطى والحديثة ولايزال محط بحث في الوقت المعاصر، إذ أن مجموعة من العلوم تحاول الإحاطة بهذا المفهوم من كل الجوانب سواء الجانب السيكولوجي( النفسي ) أو الجانب التفاعلي العلائقي. وفي هذا الإطار يمكننا الحديث عن أبرز العلوم التي تجعل من الإنسان عنصر ٱهتمامها وموضوعها الأساسي ويتعلق الأمر بعلم (الأنثروبولوجيا)
* التعريف
تعتبر الأنثروبولوجيا علما يجعل من الإنسان غاية من أجل الفهم، سواء فهم الجانب الروحي أو المادي، ويهدف هذا التخصص العلمي إلى دراسة الإنسان خصوصا في مراحل نشأته وتطوره الأولى وخاصة مايتعلق بمظاهر ثقافته ونشاطاته المتنوعة والمختلفة، وفق معايير محددة من أجل كشف خبايا الإنسان في القديم والحاضر.د، وتعد الأنثروبولوجيا من العلوم الحديثة العهد في مجال العلوم الإنسانية، غير أن لها ٱمتدادات في العصور القديمة، حيث كان موضوع الإنسان يحظى بٱهتمام المفكرين كما جاء مع المفكر العربي” إبن خلدون” والمؤرخون القدامى، بحيث ساهم التنقل والتثاقف الإجتماعي بين مختلف الحضارات والقبائل في إثراء الآخرين بجموعة من الثقافات وأنماط من التفكير، وهي ما ٱستحوذت على كتابات المؤرخين والكتاب حينها، مما يدل على أن الأنثروبولوجيا لها ٱمتدادات بعيدة الأمد،
مثال ذلك ماجاء في عصر التنوير وما رافقه من ٱهتمام بدراسة الشعوب والقبائل البدائية من أجل سبر أغوارها وكشف خباياها.
_ إن الانثروبولوجيا تضع الإنسان في صميم بحثها ، لكون الإنسان ينبني على العديد من المفارقات في جوانب متعددة سواء مستوى كيفية التفكير وسواء على مستوى الجسد والبدن، من خلال دراسة مظاهر النمو والتقدم من هذين المستويين، كما دراسة مظاهر ٱكتساب الإنسان لنقاط قوته من الطبيعة المحيطة به وكذلك مظاهر تأثيره في هذه الطبيعة. ومن هنا يمكن القول بأن الأنثروبولوجيا تهتم بدراسة الجانب العضوي الفيزيولوجي والبيولوجي والجانب الثقافي والإجتماعي للإنسان.
* العلاقة بين الأنثروبولوجيا وباقي العلوم
_ تتداخل الأنثروبولوجيا مع العديد من العلوم الأخرى التي تشكل عنصر دعم علمي وعملي، يزود الأنثروبولوجيا بالمعلومات الخاصة بالإنسان وتذكر من هذه العلوم: علم النفس الذي يهتم بدراسة الجانب النفسي والسلوكي للإنسان، مما يعطي دفعة للأنثروبولوجيين من أجل فهم أكثر دقة وموضوعية، بالإضافة إلى علم التاريخ الذي يهتم بدراسة الأحداث التاريخية على مر العصور مما يضيف للأنثروبولوجيا إمكانية الإحاطة بالعوامل التي قد تكون سببا في تفسير مجموعة من التصرفات الإنسانية ومدى تأثرها بالعامل التاريخي وبأحداثه.
ثم نجد كذلك علم الأركيولوجبا والمتعلق بدراسة حياة الإنسان القديم، ودون إغفال علم الاجتماع الذي يعد العلم الأقرب للأنثروبولوجيا، إذ أن هناك من المفكرين من ٱعتبروا أن السوسيولوجيا ميدان عام يضم مجموعة من التخصصات التي من بينها الأنثروبولوجيا، نظرا لكون السوسيولوجيا تهتم بدراسة المؤسسات والأفعال الإجتماعية، وفي كون الأنثروبولوجيا تهتم بدراسة الثقافات المتعددة، الأمر الذي يشكل نوع من التكامل المعرفي بين كل من هذين العلمين اللذان يجعلان من الإنسان مركز الدراسة والإهتمام.
_*الرواد
_ وقد كان وراء ظهور هذا التخصص العلمي مجموعة من المنظرين والمفكرين من أمثال ” كلود ليفي ستراوس” ” ومالينوفسكي”و” راد كليف براون”و ” وإدوارد تايلور” وغيرهم الذين ساهموا بالعديد من النظريات في سبيل فهم أفضل للكائن الإنساني.
_لقد تبين أن العلوم الاجتماعية تتميز بالغنى والتنوع، وخصوصا تعدد العلوم المهتمة بدراسة الإنسان، وهذا أمر بديهي إذا مانظرنا إلى الإنسان أو المجتمع الإنساني نظرة دينامية وحركية، وهو ما يفسر وجوب توفر علوم عدة كالأنثروبولوجيا لفهم الإنسان.
إقرأ أيضاً:
الإشارات التكنيزية و دلالتها المدفنية