سقراط والفلسفة .. لايوجد أكثر ما أفجع ” أفلاطون” أكثر من موت أستاذه ” سقراط”، وخاصة بتلك الطريقة عندما تم الحكم عليه بالقتل. وقد كان موته صدمة لتلامذته جميعا، لأن عقل المدينة الذي هو سقراط الشخص الذي كان يدعو الناس إلى التفكير بنظام واستخدام العقل قد تم قتله بتصويت الأغلبية أي بالديموقراطية، وهو ماسيجعل ” أفلاطون” يعترض ويقول أن هذه الديموقراطية التي تعطي نتيجة قتل عقل المدينة لايمكن أن تكون بأي شكل من الأشكال حق، وهذا مايفسر ٱعتراض أفلاطون على مثل هذا النوع من الديموقراطية.
سقراط والفلسفة
ومن هنا يمكننا التساؤل والقول كيف ساهم سقراط في تغيير نمط تفكير الناس من النمط الأسطوري إلى النمط الفلسفي العقلي ؟
_ إن “سقراط” هو الأب الروحي للفلسفة، فهو منزلها من السماء إلى الأرض، فقد تبين لسقراط أن الناس يتبعون مايسمى ” بالحس المشترك” أو المعرفة الشعبية( أي ما يفكر فيه الناس شعبيا ويتم تداوله كإشاعة فيصبح بمثابة قناعة لدى الناس) هنا سيأتي دور سقراط في تنبيه الناس حول مدى صحة هذه المعارف الشائعة بينهم، فبدأ بطرح أسئلة تجعل الناس يفكرون وبالتالي يصلون إلى تناقضاتهم ويكتشفون أخطائهم ويصححون معارفهم بأنفسهم وهذا الاسلوب من هو مايسمى” بالحوار الساخر أو الحوار التوليدي” لأنه يولد الأفكار.
*الأسلوب التوليدي لسقراط
_ لقد عرف سقراط بمنهجه الفريد في المناقشة وطرح الأسئلة مما سيؤدي بالناس لٱكتشاف منهج جديد في التفكير، فعوض أن يتبع الناس ما يقوله الآخرون يمكنهم الإنطلاق من ذواتهم لمعرفة الحقيقة، وهنا تظهر الثورة التي قام بها سقراط وهي أن يعلم الإنسان أن المعرفة تنبع من الذات وليس من خارج الذات، وهو ماسيجعله يقول جملته الشهيرة والشاملة لفلسفته” إعرف نفسك بنفسك”. إذ يتجلى جوهر الفلسفة في هذه اللحظة بالتحديد.
لقد بين سقراط أن قيمة الإنسان تتجلى في قدرته على طرح الأسئلة والبحث عن الحقيقة، وهنا لم تعد المعرفة تنبع من خارج الذات وإنما من داخلها، إذ أنه كان يزعزع ثوابث الناس الراسخة والقناعات لديهم، عن طريق أسلوبه الساخر ولعل هذا الاسلوب ما يبرر رغبة الجمهور في الإنتقام منه وخاصة لما ٱستغلها السفسطائيون والخطباء، لتحريض وتهييج الناس ضد هذا الشخص “سقراط”، الذي كان يزعزع ثوابثهم بينما الثوابث يقول سقراط، يمكن أن تكون أوهام وبالتالي يجب أن تطرح عليها أسئلة، فإذا ماتبين أنها حقيقة ستتأكد منها وإن لم تكن كذلك ستتم إزالتها أو تصحيحها.
وفي نفس الوقت فقد كان أسلوب سقراط توليديا أي ينتج أفكار جديدة وأسئلة لدى الناس بغاية دفعهم نحو ٱكتشاف الحقيقة.
*الحكماء الطبيعيون : فترة ماقبل سقراط
إن هذه اللحظة التأسيسية ستقدم إشارة إلى أنه قد سبقتها مجموعة من الأسماء التي كان لها دور كبير في وضع الأسس الأولى للتفكير الفلسفي، وهم من سموا بالفيزيائيون الأوائل أو الطبيعيون الأوائل، وهم مجموعة من المفكرين ظهروا قبل سقراط وٱهتموا بالظواهر الطبيعية أكثر من ٱهتمامهم بقضايا الإنسان، كبحثهم عن الظواهر الطبيعية وعن أسرار الكون … ومن أمثال هؤلاء المفكرين نذكر ” “طاليس”/”أنكسماس”/” أنكسماندر”/ ديموقريطس”/…بٱعتبارهم السباقين الأوائل للبحث عن قضايا الكون والطبيعة.وهي ثورة مهدت لسقراط الذي قال عليك بٱستعمال عقلك لتكتشف الحقيقة في ذاتك.
* أفلاطون والديمقراطية
لقد تحيز أفلاطون للحقيقة وأنكر الديموقراطية، خاصة الديموقراطية الظالمة التي في نظره ليست بديموقراطية حقيقية مادامت تقتل عقول المدينة( المفكرين والفلاسفة وخاصة سقراط).وهنا سيوظف أفلاطون مفهوم ” الوحش” إذ يعتبر ويقول تخيلوا أن هناك إنسان لديه وحش كبير في البيت، ومع مرور الوقت أصبح مالكه يعرف كل غرائز هذا الوحش، فصار يلبي له الحاجات التي يحبها ويتفادى فعل كل مايغضب هذا الوحش، بمعنى أنه أصبح يساير غرائزه، فذلك الوحش هم السفسطايون عند أفلاطون، إذ يعملون في نظره على تلبية حاجات الجمهور ويسايرون غرائزه فقال ” هؤلاء الناس يربون الوحش”.فالجمهور وحش عندما يصوت على قتل الفيلسوف الذي هو روح المدينة، ومادام الجمهور في حالة تهييج فإنه لن يفكر بالمنطق العقلي.
يمكن القول إذن أن لحظة تأسيس الفلسفة بدأت مع سقراط ، وكذلك بين اللحظة السقراطية واللحظة الأفلاطونية، دون نسيان اللحظة الطبيعية مع الحكماء الأوائل بالإضافة للمعلم الأول “أرسطو” الذي توج الفلسفة من الناحية النظرية، إذ علم البشرية مجموعة من الأمور عبر التفكير المنهجي والمنظم.فأصبحت الفلسفة السؤال الذي يقصد به إدراك الحقيقية بالعقل والذي يعتبر جوهر الفلسفة، غير أن إدراك الحقيقة لايتأتى إلا من خلال هدم الأوهام وبهذا يمكن ٱعتبار جوهر الفلسفة هو السؤال القلق الهادف للمعرفة، وبٱعتبارها نزعة إنسانية كان لها الأثر الكبير في رقي البشرية في مختلف المجالات المعرفية.
إقرأ ايضًا
خطوات تحويل أفكارك إلى واقع حقيقي – كتاب فكر وازدد ثراءً
درس : اللغة و الفكر / السنة الثالثة ثانوي لغــات + آداب و فلسفة
هـــل نظرية الدولـة عند كارل ماركس هي نفسها فلسفة التاريـخ ؟