لقد عرف القرن التاسع عشر العديد من التحولات في مختلف المجالات السياسية والإقتصادية والفكرية والثقافية وخاصة تلك التي تهم التحولات الإجتماعية التي شهدها المجتمع الاوروبي. والتي أدت بدورها إلى بروز العديد من المشكلات والظواهر الإجتماعية. الأمر الذي بين على ضرورة التفكير في إيجاد حلول لهذه المشاكل الإجتماعية وضرورة إحداث علم جديد ينبني على أسس علمية وعملية. ليكون في الواجهة جراء كل تغيير يعرفه المجتمع.
ولعل أبرز هذه العلوم هو ” علم الإجتماع” الذي يعد واحدا من التخصصات التي تندرج ضمن مجال العلوم الإنسانية، وذلك بٱعتباره علما ترجع بوادر ظهوره إلى القرن التاسع عشر،إذ يهتم بدراسة المجتمع الإنساني والظواهر الإجتماعية، كما يهدف لمعرفة كيف ولماذا تحدث الأشياء وتفسير الفعل الاجتماعي بصنفيه العام والخاص، وقد كان وراء ظهور هذا العلم مجموعة من المفكرين والمنظرين بداية مع المفكر العربي” إبن خلدون” / ” أوغست كونت”/”إميل دوركاييم”/” “كارل ماركس”/” ماكس فيبر”/… بحيث ساهم كل هؤلاء العلماء في تأسيس علم الإجتماع والرقي به كعلم قائم بذاته. فما هو عِلم الاجتماع ؟ وما موضوعه ؟ وما المناهج المستخدمة فيه ؟ وما أبرز النظريات في هذا التخصص ؟
*موضوع علم الإجتماع
_ كما هو معروف فلكل علم موضوع بل إن الموضوع هو مرآة ذلك العلم، فالتاريخ يدرس أحداث الماضي والحاضر مما يشكل موضوعا لهذا العلم، والأنثروبولوجيا تدرس الإنسان في بعض نواحي حياته وهو مايشكل موضوعا للأنثروبولوجيا، وبالحديث عن عِلم الاجتماع نجد أنه يتفرد بموضوعه الخاص والمتمثل في الظاهرة الإجتماعية، هذه الأخيرة تعبر عن البعد الجماعي للإنسان ضمن تفاعلاته اليومية داخل وسطه الإجتماعي، مثل الأسرة، الدين، المواطنة، والعلاقات الإجتماعية التي يبنيها الفرد مع باقي الأفراد ضمن سياق تفاعلي معين.
_ إن دور دارس وعَالم الإجتماع يتجلى في دراسة هذه الظواهر والأفعال الاجتماعية بغاية تحديد أسباب حدوثها ونتائجها المرتقبة منها، كما تحديد خصائصها العامة والخاصة على وجه التحديد، غير أن إشكالية موضعة الظاهرة الإجتماعية تشكل عدة صعوبات، فمثلا نجد أن إميل دوركاييم قد ٱعتقد أنه بالإمكان تحديد الظاهرة الإجتماعية بكل دقة، وهذا في البدايات الأولى لعلم الإجتماع، غير أن هذا القول لقي العديد من الإنتقادات والإعتراضات خصوصا في المرحلة المعاصرة، وذلك لما ذهب إليه الكثير من الفلاسفة والمفكرين في التأكيد على صعوبة تحديد موضوع علم الإجتماع كما هو الشأن في باقي العلوم كالفيزيائية مثلا، إذ تعد إشكالية تداخل الذات والموضوع إشكالية كبيرة وعائقا في هذا المجال
*المنهج
_لايمكن الحديث عن وجود منهج واحد داخل العلوم الإجتماعية، ولعل السبب في هذا التعدد والتنوع راجع بالتحديد لإشكالية وصعوبة الظاهرة المدروسة أو الموضوع المدروس، وكذلك راجع لٱختلاف التوجهات الفكرية لعلماء الإجتماع، لكن رغم كل هذه الإشكاليات يبقى لهذا العلم مناهج متعددة ومن بينها:
*المنهج التجريبي : يعتبر من المناهج التي ظهرت في البدايات الأولى لتأسيس علم الاجتماع، بحيث يميل أصحاب هذا المنهج إلى ٱعتبار أن النظرية الإجتماعية تصبح بدون فائدة إذا لم تأخذ في ٱعتبارها مبدأ التجريب والتجربة.
*المنهج التأويلي : وهو واحد من المناهج التي تعتمد على ذاتية العالم في الفهم والتأويل على غرار الإعتماد على قواعد محددة.
*المَنهج التاريخي المقارن : تعتبر فيه المقارنة مبدءا أساسيا، وذلك عن طريق القيام بمقارنات بين الظواهر الإجتماعية داخل إطار التاريخ، بهدف كشف مواطن الإختلاف والتوافق بين هذه الظواهر، كما الكشف عن مكامن التوافق بين مسببات كل ظاهرة، والتعرف على النتائج التي آلت إليها هذه الظاهرة.
*النظريات
_ يتميز علم الاجتماع بكونه حافلا بالعديد من النظريات التي نجمل أبرزها في مايأتي :
* النظرية الوظيفية : يرى رواد هذه النظرية أن المجتمع عبارة عن كل مركب ومستقر، يتألف من عدة أجزاء وميكانيزمات ٱجتماعية، التي يسعى كل جزء منها إلى القيام بوظيفة وعمل محدد وبالتالي فإن أي عطل وغياب لأي عنصر من هذه العناصر سيؤثر لامحالة على الكل الإجتماعي.
* نظرية الصراع الاجتماعي : يعتقد أصحاب هذه النظرية أن الصراعات الطبقية الإجتماعية هي أساس قيام المجتمع، ذلك الصراع الذي يحدث بين الطبقة المسيطرة وبين الطبقة الخاضعة لها، وتعد النظرية الماركسية نسبة للفيلسوف” كارل ماركس” مثالا واضحا على هذه النظرية.
_ إنطلاقا من عرضنا لهذه المواضيع المتعلقة بعلم الإجتماع، يتبين مدى أهمية وغنى هذا التخصص السوسيولوجي في كافة المستويات.مما يجعل النظرة لهذا العلم تتسم بالحيوية والأمل والتطور، نظرا لحداثة عهد نشأة هذا العلم.
إقرأ أيضاً:
الأنثروبولوجيا كعلم لفهم الإنسان
عدم الثقة بالآخرين و علاقته بالصحة النفسية