العلة في الدرس اللغوي العربي
معروف أن العرب تكلمت العربية بالسليقة. فلم تحتج إلى ولوج مدرسة لتعلم قواعد الكلام . لكن اختلاط العرب بغيرهم في مرحلة تاريخية متقدمة أدى إلى فساد اللغة ودخول اللحن أي الخطإ . فهرع اهل اللغة كل وتخصصه إلى الإسراع بين جمع المفردات مثلما فعل المعجميون والبحث عن العلل النحوية والصرفية مثلما سيفعل علماء النحو والصرف ، من أجل سلامة اللغة وصيانة لها من الفسل والخطل والضعف الذي بدأ يدب غليها بسبب الإختلاط مع غير العرب ( روم وفرس وهنود وزنوج ) . فشرع علماء اللغة يقعدون مستقرئين كلام العرب واضعين لكل نسق وكل قول وكل بنية قاعدة تحكمها وتضبط السنن العربي فيها لتلائم في منطوقها وكتابتها لسان العرب فلا تخرج عنه ولا تحيد وإلا عدجوها كلاما خارج السنن العربي.
فبدأ الحديث لأول مرة عن العلة وأخذ علماء اللغة يجرون على قدم وساق يعللون وفقا للأفهام واستجابة للمذاهب الكلامية المنتشرة آنذاك ونقصد المعتزلة والأشاعرة ، فتولد الخلاف النحوي والانتصار لكل مذهب ومدرسة فاشتد الصراع بين الكوفة والبصرة ، وأعلن الخليل بن أحمد الفراهيدي عن بدايات التعليل مفسرا أن الأمر شبيه تماما بدخول بيت وضعت فيه أعمدة هنا وهناك مما يجعلك تعلل سبب تواجدها وتموضعها فما وافق ما شاءه البناء كان تعليلا صائبا وما لم يوافقه فخالف المنطق رد وبحث له عن علة أخرى ، مما يدل على أن التعليل يظل اجتهادا من علماء اللغة متسما بالنسبية قد يحتاج أحيانا إلى النظر والتدبر .
التعليل النحوي والصرفي المدرسي
إن الطال العربي ملزم عند قراءة درس من دروس اللغة بمعرفة العلة وراء الظاهرة اللغوية إذ لايكفي مجرد التحديد والاستضمار وإنما لابد من فهم العلة بما فيها من منطق رياضي ولغوي يجعلها مقبولة أو مردودة ، لذا فالمدرس مطالب حينها بكشف التفاصيل الجزئية للظاهرة اللغوية وإثبات صبغتها المنطقية من أجل أي يتستلذها المتعلم ويجد في التعليل متعة خاصة كلما استوعب تفاصيله ، ومن هنا يغدو ارتباط الطالب بالنحو أمرا قائما لأن إدراك الخفايا وراء الظاهرة اللغوية ، مما يجعله هو نفسه يتحرى البحث والإستقصاء ليكشف بنفسه عن العلة فيتحول دون سابق إنذار إلى عالم لغة مصغر يستطيع أن يلامس العلة في الظاهرة اللغوية .
منهجية التعليل النحوي
يظل الاستقراء الوسيلة الرئيسية لعرض الظاهرة اللغوية قبل الكشف عن العلل ، حيث تعرض الأمثلة مثالا مثالا ، ويأتي دور المقارنة عن طريق الملاحظة استكشافا لعمق الظاهرة مثل بيان الإختلافات والمشتركات بينها ، ثم التوجه نحو تبرير سبب الرفع أو النصب أو الجزم وغير هذا ، أو بيان سبب مجيء البنية على هذا الوزن دون غيره ، ليأتي دور التمييز العوامل اللفظية والمعنوية في مسار أكثر عمقا يدرك فيها المتعلم المحذوفات ويستطيع تقديرها بنفسه على عادة ما فعل علماء اللغة عليلا للإعراب مثلا .
ولتأصيل هذه المنهجية لابد من تعويد الطالب على طرح السؤال التعليلي ( لماذا ) الذي يعد السؤال الأكبر في درس اللغة ، لأنه سبيل إلى نبش العلة ومعرفة اشتغالها في الظاهرة اللغوية مع وضع المقارنات المنطقية بينها وبين المتشابهات إغناء للفكر التعليلي الذي نحتاجه في مدارسنا ، باعتباره سبيلا إلى خلق جيل مفكر خاصة وأننا في زمن المعرفة الجاهزة .
نماذج تطبيقية من التعليل النحوي والصرفي
لو أن المدرس يلقن تلامذته درس اسم الفاعل وعمله ، ووضع عددا من الأمثلة أمامهم من قبيل :
إنه مزارع مجتهد في حقله
لاح القمر المشع نوره
ما كاتب درسه إلا مجد
يا بانيا صرح حضارته
هل منجز درسك ؟
وسأل المتعلمين بعدما بين طريقة الصياغة عن اسم الفاعل العامل وغير العامل مع التعليل لأول وهلة لما أجاب أحد عن هذا السؤال ، لأن عناصر العلة غائبة عن الذهن ، لكن لو أنه بين أن الفعل رافع وناصب واسم الفاعل يشتق من الفعل فمن المنطق أن يكون اسم الفاعل قائما بنفس دور فعله الذي اشتق منه ، حيث رفع الفاعل من اللازم ونصب المفعول من كل متعد لكان أسهل على المتعلم لأنه سيلحظ الإعراب أي الأثر الإعرابي المتروك على المعمولات بعد اسم الفاعل وهنا سيكون البحث عن العلة يسيرا لأنه سيخضع للاستقراء التركيبي حيث التعريف أو الاستناد غلى نفي واستفهانم ونداء وغيرها ، وسيمون المتعلم علىلا بينة من العلة وراء عمل اسم الفاعل أو عدم عمله .
وتعليلا لسبب مجيء اسمي المكان أو الزمان على وزني مفعَل ومفعِل ، لابد من العودة إلى الأصل الإشتقاقي الذي يعد مفتاحا وهو الفعل والنظر في طبيعته الصرفية تعليلا لما هو صرفي ، فتكون العودة للماضي وعين المضارع لأجل تفسير علة فتح العين أو كسرها وهذا من المنطق بما كان ، فالشيء يفسر في غالبه بعين طبيعته وجذوره ، فيدرك المتعلم أن فتح عين المضارع وضمها وانتهاء الماضي بحرف العلة يجعل اسمي المكان والزمان على صيغة مفعَل بفتح العين و كسر عين المضارع وانتماء الفعل للمثال وأجوف الياء يجعلهما على وزني مفعِل فتصير العلة واضحة خاضعة لقوانين ضابطة ولو أنها قوانين غير منتهية لاختلاف اللسان العربي في كثير من المناحي منها اسما المكان والزمان نفسيهما .
إقرأ أيضاً:
تعلم المشتقات في اللغة العربية
تعلم صيغ المبالغة في اللغة العربية
الحال في اللغة العربية: مفهومه وأنواعه
حروف العلة في اللغة العربية: تعريفها، استخداماتها، وإعرابها