“محدش هيشيل همك. بس عايزين يعرفوه”، تغريدة كتبتها المذيعة المغدورة شيماء جمال على صفحتها الشخصية في منصة تويتر، في ١٢ أكتوبر سنة ٢٠٢١، لتعيد كتابتها مرة أخرى، في ١٣ ديسمبر من الشهر نفسه. شهران يفصلان بين التغريدتين، لم تلق فيهما شيماء من يزيح عنها ثقل همها، دون أن “يشمشم” أخبارها.
صرخة شيماء جمال
“محدش هيشيل همك. بس عايزين يعرفوه”.
تتمعن في كلمات تلك التغريدة، فتشعر بثقل الوحدة التي كانت تعاني منها شيماء، فتسأل نفسك لبرهة: .هل كانت تطلب المساعدة يا ترى؟ هل جل ما أرادته صديق صدوق تحكي له معاناتها، هل كان من الممكن لكائن واحد أن ينبهها إلى ما قد تؤول إليه الأيام؟. هي صرخة اطلقتها شيماء مرتين، لتموت بعدها مقتولة بسنة.
لطالما حذرت شيماء في الفيديوهات التي كانت تنشرها، والبرامج التي كانت تقدمها، من مخاطر التعنيف. ولطالما حملت هم النساء على عاتقها، بحيث جاء خبر مقتلها في فيلا في حي المنصورية بعد إختفائها لمدة أسبوعين، ثقيلا على كاهل محبيها. وحدهم من لا قلب لهم، هم من انشغلوا عن خبر قتلها، بإمكانية أن يكون زواجها عرفيا. يبدو بأنه لم يكتب لمصر أن ترتاح هذه الأيام.
شيماء ومصطفى
وبينما أتفحص صور شيماء، يأتيني وجه “مصطفى”. مصطفى توكل، الشاب الذي انتحر قبل فترة ليست ببعيدة، من فوق كوبري مدينة المنصورة. يومها، أطلق مصطفى صرخة على منصة التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، قبل إنتحاره يقول فيها: “أشوفكم بخير وابقوا افتكروني، وعامةً أنا على حافة الوفاة، وهيفضل الإنسان الطيب والحنين اللي بيراعي ربنا في كل تصرفاته”. إنتحر مصطفى بعدها. نعاه الأهل والأصدقاء بعبارات حزينة، أرفقوا صوره بعبارات بؤس، عبروا عن شوقهم وأسفهم لإنتحاره على جدار حائط وهمي. لكن. ماذا لو؟. ماذا لو رفع أحدهم سماعة الهاتف، وحدثه لعله يبرد قلبه، ماذا لو أرسل له أحدهم رسالة، يسأله عن حاله، بدل أن ينعاه ببيت شعر مسروق عن “جوجل“. حتى صديقه المقرب قال يومها:
“حين رأيت ما كتب، ظننت بأنه يمزح”.
صدقوني، لا يمزح الإنسان حين يكون موجوعا. نحن نلجأ الى صفحات التواصل، كي نعبر عما يجول بداخلنا، عن حقيقة قد نخفيها عن أهلنا، عن صدى صرخة نريد أن نطلقها في هذا الفضاء الإلكتروني الواسع، نبحث فيها عن غريب يسمعنا، بعد أن يفشل القريب. لا تهم الأسباب، ما يهم حقا أن نجد من ينقذنا من براثن ضيقنا وحزننا ووحدتنا.
قد لا يعرف مصطفى وشيماء بعضهما، لكنها يتشابهان، وكأنهما صورة لشخص واحد، عنوانها “الوحدة”. مصطفى توكل، إختار أن ينهي حياته بيده، أما شيماء فقرر أحدهم أن يزهق روحها، لكن ما كان أكيدا هو أن الضحيتان أطلقا صرخة مدوية في هذا الفضاء الإفتراضي الواسع، طلبا للمساعدة. قد يبدو كلامي هذا للبعض مجرد تحاليل لا معنى لها، ولكن بمعزل عن قصة شيماء ومصطفى، وغيرهم من الناس الذين قتلوا أو إنتحروا ولم يتح لنا أن نسمع عنهم، هناك حقيقة واضحة وضوح الشمس، بأنه أحيانا يمكن لأذن صادقة تصغي، أن تغير الكثير، وأحيانا قد تكون قبلة على الخد، وأحيانا قد تكون ضمة، وأحيانا قد تكون كلمة واحدة، كفيلة بأن تمنح الشخص الكئيب حياة جديدة.
الوحدة القاتلة
لا تتركوا أحبتكم وحيدين، أهلكم، أحباؤكم، أزواجكم، أولادكم، أصدقاؤكم، وأحيانا غرباء عرفتموهم من خلف شاشة إفتراضية، حتى لا تندموا حين لا ينفع الندم. الوحدة شعور قاتل، كفيلة بأن تسرق منا من نحب إلى الأبد.
إقرأ أيضاً:
ايمان مؤيد رشيد ونيرة أشرف نفس المصير رغم المسافات البعيدة
كيف ساهمت السوشيال ميديا في قتل نيرة وانتحار مصطفى توكل؟!
تفاصيل جديدة في قضية ” نيرة أشرف ” القاتل كان يخطط لفعلته منذ شهر رمضان !