الشيخ جوجل! كانت المعرفة من قبل محدودة، محدودة للغاية: بحوزة الشيخ، والخطيب، والأستاذ، الأستاذ ليس بصفته أستاذ، بل كونه يعمل في جماعة دينية ما، ومنها يستقي المعرفة ثم يدلي بها للناس. أو في كتاب يصعب عليك أن تجده. أكثر طفرة معرفية دينية حدثت بكشل جماعي، هي فترة المعاهد العلمية. أتحدث هنا عن محدودية المعرفة بشكل عام والمعرفة الدينية على وجه الخصوص.
ولذا كانت المجتمعات تستقي معرفتها من هذه الجهات المحددة بعددها وعدتها. كانت الجهات تلك، تنقل المعرفة كما هي ثم تلقيها فيستوعبها الناس كما هي. فرسخت في أذهان الناس باعتبارها دين خالص. وهي: مجمل الفقه، التأريخ، السيّر، أحداث تلك الأزمنة وأقاصيصها.
تغير الزمن، وجاء زمناً آخر، جديد وغريب الأطوار. وأكبر ميزة في هذا الزمن، أنه جعل المعرفة في متناول الجميع بلا استثناء. انخرط الناس فيها، بإدراك وبدونه، فهاجت الدنيا وماجت، واختلط الكثير من الحبال بالنابل. وعلم الناس، عن أغلب الأشياء بطريقة أو بأخرى، المهم أنهم علموا. أصبحوا يدركون أكثر من ذي قبل.. حتى الذين لم يعلموا، يعرفون طرق المعرفة جيداً.
ظل بعض من فئات الناس في أماكنهم القديمة، ولم يبرحوها حتى اللحظة. لم يدركوا كيف غادرهم الكثير وانخطروا في الواقع الجديد فكراً وعلما ومعرفة، ولم يستوعبوا الآن وهم يقفون أمامهم في مواجهة شرسة. حتى المتجددون لم يدركوا ماذا حدث لهم بالضبط وهم يجدون أنفسهم في ميدان: اللا والتحليل، والرفض، والحديث عن الكهانة، والمنطق العقلي، والفطرة والضمير، والتصحيح والتصويب..الخ، وشرعوا بإيمان عميق، بالوقوف أمام الذين كانوا للأمس واجهاتهم الاجتماعية وقدواتهم المبجلين.
أصيب الذين ظلوا في الأماكن القديمة، بصدمة كبيرة، لم يستوعبوها ولن يستوعبوها عن قريب. ولكنهم، لم يقفوا أمام هذا الانقلاب اللا متوقع، وقراءة دوافعه وتداعياته، لم يفكروا أن يدرسوه.. كالعادة اندفعوا- غيورين كما يعللون- واختاروا الحرب.. واشتعلت البلاد بحربٍ أخرى، عقدية ضارية. هذه من أخطر الحروب. الجميل فيها: أنها أجبرت كل محارب البحث عن أسلحته بنفسه. ليرد بها، أو ليشارك بها في هذه الحرب، بأي طريقة.
يقول رجل دين، من مكانه القديم، أمرا ما، فقهياً كان أو اجتماعيا، ويبدو الغبار وخيوط العنكبوت في أحاديثه؛ فيخرج أمامه الجميع، بمن فيهم من امتلك هاتف ذكي أول أمس. حاشدين معهم كل أدلتهم من الدين نفسه، فتصبح معركة بين معرفة ومعرفة.
الشيخ جوجل!
المدهش في هذا الجدل؛ أنه يدفع بالجميع البحث والتحري والمقارنة والتأمل والتدقيق، وذلك من أهم وسائل المعرفة والفهم والإدراك وأقصرها في الوصول إلى المراد. في كل قضية يثار الجدل، تتحول إلى حلقات نقاشات علمية ومعرفية مفتوحة. ويخرج الجميع منها بحصيلة ما. يفهم الناس اليوم أكثر من أي يوم مضى.
يقع في معضلة، فيبحث حلها ويجده.
من هناك، من زوة ذلك المكان القديم، ذو النوافذ الضيقة جداً كما في البنايات القديمة؛ يطل بعض المتدينين قائلين بجدية: نحن وحدنا ( هكذا يقولون وحدنا) مفتاح كل شيء، وحل كل معضلة دينية. والذهاب لغيرنا انحراف وضلالة.. وبعضهم يقول” كفر”. غير مدركين أن جوجل شيخ العارفين جميعهم، وهم يستدلون منه ما يعزز أراءهم.
إقرأ أيضاً:
١٠ أسرار في بحث جوجل، أنت لا تعرفهم
جوجل (Google)… يتسع كلما اتسع العالم!
كيف نشأت شركة جوجل وكيف وصلت إلي ما هي عليه الآن؟
’ ترند جوجل Google Trend ’ اسهل طريقة لمعرفة المواضيع الحديثة