تعد رواية أولاد حارتنا للأديب المصري الكبير نجيب محفوظ واحدة من الروايات التي أثارت جدلا واسعا في مصر، وهي رواية مكونة من جزء واحد فقط. كما تعتبر رواية أولاد حارتنا واحدة من أهم الكتابات الروائية التي قام بها نجيب محفوظ، تم نشر الرواية في شكل مقالات متسلسلة في إحدى الجرائد المصرية ولكنها لم تكمل نشرها بسبب الهجوم الشديدي الذي تعرضت له من قبل بعض الهيئات الدينية قبل أن يتم إصدارها بشكل رسمي لأول مرة في عام 1962 حيث امتنعت دار النشر المصرية من إصدار الرواية مما دفع نجيب محفوظ إلى التعاون مع إحدى دار النشر في مدينة بيروت عاصمة لبنان.
في عام 2006 قامت إحدى دار النشر المصرية “دار الشروق” بإعادة نشر الرواية لأول مرة رسميا في مصر، وشكلت هذه الرواية خطرا كبير علي نجيب محفوظ؛ غير أنها عرضته لبعض الاتهامات الباطلة بالكفر والتطاول على الذات الإلهية والخروج عن الملة، حيث تعرض نجيب محفوظ لمحاولة قتل في عام 1994 وبعد يوم واحد من تكريمه وحصوله على جائزة نوبل في الآداب، حيث قام شخصين مجهولين من إحدى الجماعات المتطرفة بالتعدي عليه وتعرض للطعن في الرقبة ولكن القدر أراد له أن ينجو منها ولكنه ظل يعاني من العديد من المشكلات الصحية بسبب تلك الحادثة حتى وافته المنية في يوم التاسع والعشرون من شهر أغسطس لعام 2006 وقد بلغ من العمر خمسة وتسعون عاما.
ملخص رواية أولاد حارتنا لنجيب محفوظ
الغيرة والعصيان سبب طرد إدريس وادهم من البيت الكبير.. تدور أحداث الرواية حول شخص يسمي الجبلاوي وهو رجل كبير في السن له ويتميز بالخلود والأزلية والعظمة والهيبة خاصة بين ساكني الحارة حيث كان يعيش في إحدى حواري صحراء المقطم في محافظة القاهرة في مصر المحروسة وكان الجبلاوي كما يعتبر “شيخ الحارة” فهو المتحكم في جميع شؤونها منذ قديم الأزل، يعيش الجبلاوي مع عائلتها في أكبر بيت في الحارة وكان لديه عدد من الأبناء الذكور والإناث، ومرت الأيام قرر الجبلاوي قرر أن باختيار أحد أبنائه لتولي خلفة وقف الحارة بعده، وكان من أصغر أبنائه هو ادهم الذي ولد من زوجته السمراء وكان الجبلاوي يخصه بالحب والتفضيل عن باقي إخوته من أبيه، ومن جهة أخرى كان إدريس هو واحد من أبناء الجبلاوي والذي كان يشعر بالغيرة من ادهم وتفضيل والده عنهم فقرر أن يواجه والده وتمرد علي قرارته مما دفع الجبلاوي إلى طرده من المنزل، وظل إدريس يمارس ألاعيبه حتى يتمكن من إيقاع أخيه ادهم في شر اعمله لينال نفس الجزاء من والده وبالفعل نجح في إدريس في إقناع ادهم بان يعصي أوامر والدهم الجبلاوي مما عرضه للطرد هو الآخر.
الحارة والصراع بين الخير والشر
يبدأ هنا الكاتب في عرض الصراع الأزلي بين الخير والشر، يعيش ادهم في الحارة ويتزوج وينجب الأبناء وتمر الأيام ويتمكن الشر من التغلب على أحد أبنائه فيدفعه لقتل أخوه، وتمر الأيام ويتوفى ادهم ويقوم الجبلاوي بكتابة وصيا لكل من أبنائه ولكنهم أيضا يعصوه مما يعرضهم للفرقة والتفكك والانقسام ليتكون ثلاث مجموعات من أبناء ادهم كل مجموعة تعبر عن فكر معين وينتشر الفساد والظلم في الحارة ولكن من بين كل مجموعة يتمكن الجبلاوي من انتقاء فرد هو الأصلح لتولي زمام الأمور ويتمكن من هدايتهم وإرشادهم إلى الطريق المستقيم.
الأول هو جبل الذي ينتمي إلى قوم حمدان والذين كانوا يتعرضون من الظلم والاضطهاد والعنف القتل من الناظر وتحاول والدته أن تحمي ابنها الصغير من بطش الناظر مما يدفعها إلى وضعه في حفرة من المياه، ويحدث القدر الغريب حيث تعثر عليه زوجة الناظر مصادفة في تلك الحفرة وتنجذب إلى براءته وتقرر أن تتبناه وبالفعل تأخذه ليعش معه في نفس البيت ويكبر جبل ويصبح رجل قويا يافعا ويبدأ في محاولة للدعوة لمحاربة الظلم والفساد الذي يقوم به الناظر، ويبدأ في أخبار الناس أن الجبلاوي كبير الحارة قد قام بتكليفه بمهمة نشر الوعي وتخليص الناس من فساد الناظر وبالفعل يتمكن جبل من إتمام مهمته والقضاء علي الناظر ينتشر العدل بين أبناء الحارة مرة أخرى، ولكن القدر أراد له الموت، وبدلا من يظل الناس على طريق الهداية يعاودون إلى طريق الفرقة والفساد والصراع والظلم فيما بينهم.
يحاول الجبلاوي من إعادة العدل والنظام مرة أخرى بين أبناء الحارة وتخليصهم من الفساد الذي سيتسبب في القضاء عليهم لذلك ينتقي الجبلاوي ثاني هاديا من بين أبناء الحارة وهو رفاعة، ولكن الفساد كان قد بلغ ذروته بين وزاد الطاغين والظالمين والمفسدون والذين كانوا أقوى من رفاعي، ولكن رفاعي لم يتوانى فيما كلفه به الجبلاوي وبدأ في دعوة الناس إلى الرجوع إلى طريق الهداية والإصلاح ويبدأ الناس في الالتفاف حوله وتأييده مما يثر غضب الفاسدين ويقررون قتل رفاعي وبالفعل يتمكنوا من ذلك؛ لذلك يقرر الحبلاوي أن يكرمه ويعيده إلى في البيت الكبير ويقوم بدفنه هناك تكريما وتقديسا لروحه الطيبة الطاهرة.
يتنعم كل من قوم جبل وقوم رفاعي بالحياة الطيبة بسبب التزامهم بما دعاهم إليه الجبلاوي، ولكن ينشق حي آخر في الحارة يسمي حي الجرابيع والذ يتعرض لأشد أنواع الظلم والفساد من الأقوياء الظالمين والفتوات الموجودين في الحارة وينشأ بين أبناء حي الجرابيع شاب يسمي قاسم والذي توفي والده ووالده وهو في سن صغر يعمل قاسم في حرفة كراعي للأغنام التي تمتلكها إحدى السيدات في هذه الحارة، كان قاسم يميل بشكل كبير إلى حب الخلاء ومناجاة النفس والعزلة، وكان قاسم هو ثالث هاديا وقع الاختيار عليه من قبل الجبلاوي لتولي مهمة إصلاح الحارة ودعوتهم إلى طريق الخير، كما قام الجبلاوي بتكليف قاسم بمهمة القضاء علي الظلم والفتوات في الحارة. يتمكن قاسم من تنفيذ المهمة التي جاء من أجلها ويتمكن من إعادة الوحدة والنظام بين جموع الحارة ويتمكن من نشر الخير والسلام بينهم، ولكن سريعا ما يموت ويتولى شخص يسمي صادق خلفته في الحارة ومن هنا تعود الانقسامات والصراعات بينهم مرة أخرى فهناك بعض الأشخاص الذين لا يؤيدون تولي صادق خلافة قاسم ويريدون أن يتولى حسن خلافته.
العلم
في ظل الصراعات والخلافات بين أبناء الحارة يظهر شخص يسمي عرفة “الذي يرمز إلى العلم الغربي في العصر الحديث” وهو ساحر عالم يقوم بإعداد التجارب والاختبارات والاكتشافات العجيبة، وكان حاقدا علي الجبلاوي عندما رأي إيمان وتعظيم أهل الحارة للجبلاوي، قرر أن يكتشف السر وراء هذا البيت الكبير وبالفعل تسلل إليه وقتل الجبلاوي ليحل محله ويبدأ الناس في تعظيمه ولكنه يقتل هو الآخر ولا يتبقى من علمه إلا بعض الزجاجات، والتي يحاول الناظر أن يتملكها ليحكم بها الحارة التي أوشكت على الانهيار.
الرموز في رواية أولاد حارتنا وتحليل اسم الرواية
تميزت كتابات نجيب محفوظ بالرموز وفي رواية أولاد حارتنا بعض الرموز الواضحة التي ترمز إلى الصراع الأزلي بين الخير والشر، فالبداية هي الجبلاوي الذي يرمز إلى الإله المقدس والبيت الكبير هنا يرمز إلى الجنة التي كان يعيش فيها آدم المتمثل في ادهم وإبليس المتمثل في إدريس والذي كان يتمتع بالذكاء والحكمة وكان المتولي لأمور الحارة ولكن الجبلاوي فضل عليه ادهم مما جعله يخرج عن طاعته وطردته، ويظل إدريس في وسوسته لادهم حتى ينال نفس الجزاء من الجبلاوي وبالفعل يطرد هو وزوجته من البيت الكبير ولكنه يندم ويبقي على أمل أن يعفو الجبلاوي عنه.
ثم تأتي الرموز جلية هنا بين صراع الخير والشر المتمثل بين همام الذي يشير إلى هابيل وأخوه قدري الذي يشير إلى قابيل ويقتل الأخ أخوه ويبدأ الفساد ينتشر بين أبناء ادهم بعد وفاته، وهنا يأتي يرمز نجيب محفوظ إلى الثلاث مجموعات التي تكونت بعد وفاة آدم وكما يأتي الرمز هنا إلى كلا من سيدنا موسى وعيسى ومحمد بالثلاثة أبطال وهم جب ورفاعي وقاسم الذين انتقاهم الجبلاوي من بين أبناء الحارة لهدايتهم وإرشادهم وتخليصهم من الظلم والفساد، ثم يعرض نجيب محفوظ انحرف أهل الحارة عن طريق الهداية مرة أخرى بعد وفاة آخر الأبطال قاسم. ثم يرمز نجيب محفوظ إلى العلم في العصر الحديث بشخصية عرفة التي تنكر وجود الإله “أسطورة الجبلاوي” ومحاولته لانتزاعها من قلوب أهل الحارة الذين يمثلون البشر.
نبذة عن أعمال نجيب محفوظ
تعتبر رواية أولاد حارتنا هي واحدة الأربعة أعمال التي حققت نجاح كبير لنجيب محفوظ والتي كانت سبب في تكريمه وحصوله على جائزة نوبل للآداب في عام 1988 كما تم ترجمتها إلى العديد من اللغات “الفرنسية-الإنجليزية”، الكاتب نجيب محفوظ أصدر حوالي 55 كتاب و35 رواية، و223 قصة، و19 مجموعة، كما قام بكتابة سبعة مسرحيات، وتولي كتابة 26 سيناريو سينمائي، حولت عدد كبر من أعمال نجيب محفوظ إلى أفلام، ويحتل الفنان نور الشريف نصيب الأسد من الأفلام التي تولي بطولتها والتي كانت مقتبسة من أعمال نجيب محفوظ حيث قام ببطولة أكثر من عشرة أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية مقتبسة من أعمال نجيب محفظ.، وفي المقابل تعتبر شادية هي الفنانات التي شاركت في بطولة أكبر عدد من أعمال نجيب محفوظ التي تم تحويلها إلى أعمال فنية. كانت أول رواية لنجيب محفوظ تم تحويلها إلى فيلم سينمائي هي رواية بداية ونهاية في عام 1960 بطولة لورانس العرب عمر الشريف والفنان فريد شوقي والذي تولي إخراجه المخرج صلاح أبو سيف، ثم توالت الأعمال الفنية المقتبسة من كتابات نجيب محفوظ، لتبلغ حوالي أكثر من 20 فيلم سينمائي ناهيك عن المسلسلات والمسرحيات الأخرى.
إقرأ أيضاً:
زقاق المدق للكاتب نجيب محفوظ ملخصة
كتاب السر الأعظم من تأليف الدكتور مصطفى محمود
كتاب الخالدون مائة أعظمهم محمد صلى الله عليه وسلم