منجي جديدي

تأثير مواقع التواصل على الصحة النفسية بحسب بعض الدراسات فقد زادت معدلات الأرق واضطرابات الصحة النفسية مثل الاكتئاب والقلق لنفس الفئة العمرية بنحو 70٪ في الـ 25 سنة الماضية.

لذلك يبدو أن وسائل التواصل الاجتماعي لها تأثير ضار للغاية على الصحة النفسية للجيل الجديد شديد الارتباط ، ولكن لماذا؟ وهل يمكن أن يكون لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي آثار إيجابية أيضا أم هي فقط سلبية؟

تأثير مواقع التواصل على الصحة النفسية

1- إدمان وسائل التواصل الاجتماعي:

يتحمل المسؤولون التنفيذيون في الشبكات اللوم جزئيًا على تدهور الصحة النفسية لمستخدميهم. حيث تم تصميم منصات مثل فيسبوك و إنستغرام و يوتيوب و سنابشات و تويتر لخلق تجربة إدمان للمستهلكين.

وصل هذا الإدمان إلى درجة أنه في دراسة أمريكية أجراها عالم النفس الدكتور آدم ألتر في عام 2017 ، حيث طلب من الشباب في المدرسة الثانوية أن يتخذوا خيارًا نظريًا بين رؤية هواتفهم الذكية محطمة إلى قطع أو كسر عظم.

قال 48 ٪ منهم إنهم يفضلون كسر عظم في أيديهم بدلاً من رؤية هواتفهم مكسورة. ما يقرب من نصف هؤلاء الشباب كانوا على استعداد لتحمل الألم الجسدي للبقاء على اتصال! لماذا ا ؟

2- قبل و بعد وسائل التواصل الإجتماعي :

كانت تجربتنا الإعلامية قبل عصر وسائل التواصل الاجتماعي محدودة. أما الٱن فغير محدودة على الإطلاق.

في السابق ، عندما كان الأمر يتعلق بقراءة الأخبار أو الاستماع إلى برنامج على سبيل المثال ، كانت تجربتنا الإعلامية تنتهي بٱنتهاء الغاية

. لقراءة الخبر فتحنا الجريدة الورقية وانتهينا من القراءة في الصفحة الأخيرة. للاستماع إلى برنامج ، قمنا بتشغيل التلفزيون وتوقفنا عن الاستماع بمجرد انتهاء البرنامج.

الآن ، تلك التوقفات الطبيعية في استهلاك الوسائط التي كانت بمثابة إشارات توقف لأدمغتنا قد ولت. قراءة الأخبار على فيسبوك أو سنابشات هي تجربة لا حدود لها بفضل التمرير اللانهائي الذي يجعل القراءة غير محدودة حرفيًا.

أصبح الاستماع إلى عرض أو مقطع فيديو واحد فقط على يوتيوب أو فيسبوك ، أو مشاهدة “قصة” واحدة فقط على إنستغرام أو سناب شات شبه مستحيل بفضل التشغيل التلقائي.

بمجرد انتهاء مقطع فيديو أو قصة ، يبدأ مقطع آخر تلقائيًا. لذلك ليس من المستغرب أن هذه المنصات التي تم إنشاؤها لإبقائنا ملتصقين بشاشاتنا تسبب لنا اضطرابات نوم خطيرة يمكن أن تؤدي إلى جميع أنواع المشاكل الأخرى المتعلقة بالصحة النفسية و حتى الجسدية.

3– صيحة فزع :

الٱن أكثر من أي وقت مضى يجب إبلاغ مستخدمي الشبكات الاجتماعية بأنهم يفرطون في استخدامهم لها .

يجب ترشيد سطوة الشبكات الاجتماعية وتحذير مستخدميها من المخاطر الناتجة عن قضاء ساعات طويلة على منصاتهم. لهذا السبب دعا الباحثون الذين أجروا دراسة RSHP حكومة المملكة المتحدة إلى إجبار الشبكات الاجتماعية على دمج “النوافذ المنبثقة” في منصاتهم لإخطار مستخدمي leom المؤقتين.

يعتقد آخرون ، مثل الدكتور ألتر ، أنه من الضروري أيضًا تثقيف المستخدمين بشكل مباشر حتى يتمكنوا من إجراء تغييرات فيما يتعلق بعادات نمط حياتهم المتعلقة باستخدام الهاتف والشبكات الاجتماعية.

في الولايات المتحدة ، في عام 2017 ، كان الشباب يمضي ما معدله 9 ساعات يوميًا على هواتفهم بينما يقضي البالغون 4 ساعات في المتوسط ​​على الهاتف.

بالإضافة إلى ذلك ، يمكن لحوالي 75٪ من البالغين الأمريكيين الوصول إلى هواتفهم دون حركة على مدار 24 ساعة في اليوم.

غالبية الناس لا ينتبهون إلى مقدار الوقت الذي يقضونه على وسائل التواصل الاجتماعي كل يوم وغالباً ما يستخفون بهذا المقدار. لذلك من المهم تثقيف مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي ، وخاصة الشباب ، حتى يكونوا أكثر وعياً بالوقت الذي يقضونه على وسائل التواصل الاجتماعي و يستغلونه بشكل أفضل.

4– خدع منصات التواصل الإجتماعي:

إن التخلص من فترات التوقف الطبيعية ليس هو الشيء الوحيد الذي يجعل وسائل التواصل الاجتماعي مسببة للإدمان.

فقد تم تصميم منصات الوسائط الاجتماعية الخمس التي شملها الاستطلاع و هي فيسبوك تويتر سناب شات أنستغرام و يوتيوب على الرغم من أن بعضها أكثر من غيرها ، مصممة لخلق حالة عدم يقين هائلة في الموافقة بين مستخدميها.

إن عدم اليقين هذا ، بالنسبة للكثيرين ، يجعلهم يعودون مرارًا وتكرارًا. لذلك ، تخلق وسائل التواصل الاجتماعي ، من خلال أنظمة الموافقة الاجتماعية الخاصة بها ، نوعًا من الإدمان على القبول لدى الكثير منا.

يحسب فيسبوك و إنستغرام و يوتيوب عدد مرات الإعجاب وعدد التعليقات المرتبطة بمنشور أو مقطع فيديو.

كما يحسب تويتر أيضا عدد المشتركين في الحساب. هذا بالاضافة فيسبوك و سناب شات عدد الأصدقاء. كما يحسب تويتر “التغريدات” ، ويحسب فيسبوك عدد مشاركات المنشور. يحسب يوتيوب و إنستغرام و سناب شات عدد مشاهدات مقطع فيديو أو “قصة”.

يحسب سناب شات عدد “اللقطات” المرسلة وحتى أنه يحتوي على نظام تذكاري مرتبط باستخدام النظام الأساسي.

كما تظهر العديد من الدراسات أن الأشخاص ، وحتى بعض الحيوانات ، يظلون أكثر تفاعلًا عند مواجهة نظام من المكافآت المتنوعة (مثل ماكينة القمار في الكازينو) بدلاً من نظام المكافآت الثابتة (على سبيل المثال ، راتب كل أسبوعين).

عدم القدرة على التنبؤ يأسر البشر. أنظمة الإعجابات والمشاهدات والتعليقات والمشاركة على وسائل التواصل الاجتماعي هي ما يبقينا ملتصقين بشاشاتنا لمعرفة مقدار “مقدار” الموافقة الاجتماعية (المكافأة) التي سنحصل عليها.

بشكل أساسي ، فإن عدم اليقين في عملية الموافقة على وسائل التواصل الاجتماعي هو ما يجعلنا نشارك كثيرًا ونصاب بالإدمان.

بالإضافة إلى ذلك ، فإن الشعور بالفشل المرتبط بنقص القبول الاجتماعي (عدم وجود عدد كافٍ من الإعجابات ، وإعادة التغريدات ، وما إلى ذلك) يخلق القلق وحتى الاكتئاب لدى البعض وخاصة لدى الشباب.

هذا أمر مزعج عندما تفكر في أن صورة أنفسهم وحياتهم التي ينشئها الناس على وسائل التواصل الاجتماعي هي “أكثر من مثالية” ونادرًا ما تعكس الواقع.

5- وسائل التواصل الإجتماعي تراجع نفسها :

من ناحية أخرى ، من المشجع معرفة أن بعض المنصات بدأت في اتخاذ مبادرات لإلغاء أنظمة الموافقة الخاصة بها. على سبيل المثال ، إنستغرام الذي تم تحديده في دراسة RSPH على أنه من وسائل التواصل الاجتماعي الأكثر سلبية على الصحة النغسية – ألغى في كندا ، منذ مايو الماضي ، الرؤية العامة لعدد الإعجابات التي يحصل عليها المنشور في محاولة لتقليل الضغط الذي يشعر به المستخدمون لديهم دائمًا للحصول على المزيد من الإعجابات

6- وسائل التواصل الإجتماعي و تقدير الذات :

أحد جوانب القبول الاجتماعي هو جانب الإدمان ، لكن الرغبة في الموافقة الاجتماعية تؤدي أيضًا إلى إنشاء أهداف غير قابلة للتحقيق والتي بدورها يمكن أن تؤدي إلى المعاناة من اضطرابات الصحة النفسية .

تحديد الهدف جزء من الطبيعة البشرية. يميل الناس بشكل طبيعي لوضع أهداف لتحقيقها. لكن تأثير عدم اليقين المرتبط بالقبول الاجتماعي وتمجيد الواقع الذي تمارسه وسائل التواصل الاجتماعي دفع الكثيرين إلى وضع أهداف غير قابلة للتحقيق ، خاصة فيما يتعلق بمظهرهم وأسلوب حياتهم. لذلك ليس من المستغرب أن يكون أنستغرام ، بمنصته المخصصة للصور الجمالية شديدة التصفية وأنماط الحياة “الأحلام” ، الشبكة الاجتماعية الأكثر ضررًا للصحة العقلية للشباب.

منصة الصور يتبعها سناب شات ثم فيسبوك وأخيراً تويتر. يبرز يوتيوب من حزمة التواصل الإجتماعي على أنه يتمتع في المتوسط ​​بتأثيرات إيجابية أكثر من السلبية ، لكن هذه الشبكة الاجتماعية هي التي تسبب أكبر خسارة في النوم بين الشباب.

بخلاف فقدان النوم ، إنشاء أهداف غير واقعية تتعلق باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي تجعل الجميع يبدو أجمل في إنستغرام وأكثر تسلية في تويتر وأكثر موهبة على يوتيوب، وأكثر ثراءً على أنستغرام ولديه أصدقاء كثر على فيسبوك.

كل ما سبق يدفع المستخدمين المدمنين خاصة الشباب منهم إلى دائرة من العزلة عن واقعهم العيان و بالتالي مزيدا من الكٱبة و القلق.

كانت هذه الٱثار السلبية لوسائل التواصل الإجتماعي . فهل لها ٱثار إيجابية و ما هي ؟

7-كيف نستفيد بشكل صحي من الشبكات الاجتماعية:

على الرغم من أن الآثار السلبية على الصحة النفسية المرتبطة بالطبيعة الإدمانية والمثالية للشبكات الاجتماعية

لا يمكن إنكارها ، فإن دراسة RSPH توضح أن الشبكات الاجتماعية يمكن أن يكون لها أيضًا تأثيرات إيجابية على الصحة النفسية .

على وجه الخصوص ، بالنسبة للعديد من الشباب ، فإن يوتيوب له تأثيرات إيجابية على التعبير عن الذات وعواطف الفرد

وعلى بناء الهوية.

و تمثل هذه المنصة دعمًا عاطفيًا مهمًا للعديد من الشباب الذين يشعرون أحيانًا لأول مرة بالشعور بالانتماء إلى مجتمع

تمكنوا من الاتصال به عبر يوتيوب . هذه الظاهرة ليست فريدة من نوعها على موقع يوتيوب.

كما تشير الدراسات إلى أن بعض مجتمعات الفيسبوك و الأنستغرام ، تلك المتعلقة باللياقة البدنية على سبيل المثال ، تميل إلى أن يكون لها تأثير إيجابي على المواقف والسلوكيات الصحية للشباب ، وخاصة الشباب الذين يعرفون كيفية التمييز بين الممارسات المفيدة التي تشاركها هذه المجموعات من تلك المثيرين للإثارة. معلومات مثل المونتاج المتطرف قبل / بعد الصور والتي يمكن أن تؤدي بالطبع إلى فخ إنشاء أهداف غير قابلة للتحقيق.

لذلك فإنه في حين أن القادة العامين و المؤثرين ووسائل التواصل الاجتماعي يمكنهم فعل الكثير للحد من إدمان منصات المشاركة الاجتماعية هذه ، هناك أيضًا نقص في التعليم حول كيفية استخدام رشيدة تجاه الشبكات الاجتماعية.

ويمكن أن تسهم آثارها في الحد من مشاكل الصحة النفسية مرتبطة بإساءة استخدام الشبكات الاجتماعية. سلبي في الغالب هو أن مجرد إدراكنا لتأثيرات وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يقودنا إلى استخدامها بشكل أكثر صحة. في الواقع ، تُظهر دراسة RSPH أن وسائل التواصل الاجتماعي لديها القدرة على إحداث تأثيرات إيجابية على الصحة النفسية للشباب إذا استخدموها بطريقة صحية.

التواصل الإجتماعي

خاتمة : تأثير مواقع التواصل على الصحة النفسية

لا يمكن إنكار العلاقة بين الاستخدام شبه الشامل لوسائل التواصل الاجتماعي بين المراهقين والشباب والزيادة الهائلة

في مشاكل الصحة النفسية بينهم في السنوات الأخيرة. لذلك يبدو من المناسب تحويل الجهود نحو سن قوانين من شأنها

تنظيم سلوك عمالقة وسائل التواصل الاجتماعي.

و من ناحية أخرى ، من المهم بنفس القدر بذل جهود لإنشاء موارد وأدوات تعليمية لتعليم الجيل الجديد المتصل دائمًا

بكيفية الاستخدام الصحي والمنتج لوسائل التواصل الاجتماعي لجني فوائد أكثر من إستخدامها.

إقرأ أيضًا

الصحة النفسية وعلاقتها بالتحصيل الدراسي

الضغوط المهنية وأثرها على الصحة النفسية

الصحة النفسية والارشاد الاسري

لا الفرح يطرق بابي و لا الحزن يهجرني ، كأن الإثنين اتفقا ضدي. هذا ليس مجرد تشاؤم ، بل هذه حقيقة عمدها دمعي في غربتي و تيهي . إنه تشاؤم مبرر

تشاؤم

مُتحيِّلا على روحي وعاطفتي أمضي الوقتَ العصيب ، أعرفُ أن إصابتين في القلبِ معناهُ؛ انتهينَا ! إذن ، وقد أصِبتُ بالأولى دون أن أسقط ؛ لكمة القدر المهيب ، الذي لم يجد غيري أمامه ، فإنّي عرفتُ أن الإصابة رجّت القلب فقط ..

هكذا قلتُ : حين لا يكونُ معك أحدٌ، كن مع نفسكَ ، فكنتُ . أتراجعُ خطوتينِ كأنّما لم أُصَبْ وكأني جرَرْتُ الزمان معي إلى الخلف . أقولُ بصوتٍ يصلحُ للمواساة : ” نحنُ بخير ” . وفي الوقت الذي تحسّ نفسي أنّها بدأت تصدّق تحيّلي عليها ، أو ربما هي أيضا تريد أن تُنجح خطتي لننجو من النهاية معًا ، أغمض عينيّ تمامًا كما لو كنتُ أنام . أقول لي: لا شيء يساوي أي شيء ، الحزنُ طهارة عظمى ولكن عليهِ أن لا يتجه نحوك بل نحو الذين كانوا يعرفون أن إصابة أولى في الطريق إليك و ثانية وربما ثالثة واكتفوا بالفرجة ، أما أنتَ فقد تعوّدت الرحيل . ولا أحد يصيبُ غائبًا ، حتى الظلال أخذتَها . وتركتُ لهم ما يُلهي عنّي و عن الفؤاد . اسمٌ على ورق مقوى ، وذكريات في كتاب ..!

نفضتُ يديَّ من الحظّ منذ زمن بعيدٍ . أحيَا دونَ أن أترُك شأني للصدفة مطلقًا . مدينٌ بتشاؤمي للبلاد ، كما علّمتني أن الأمل لا ينمو في حياتنَا دون حسابٍ . وإن حصلَ و تطاوَلنَا في أحلامنَا و طلعَ في سهول خيالاتِنَا أملٌ طائشٌ ، فهناكَ ألف منجلٍ لجزّه ورميهِ خارج الدائرة .
أحيطُ حياتي بسياج عالٍ ، فردانيّتي فعلتْ ذلكَ . ولكن بسبب جينات قليلة متخلّفة أشعرُ بالوحدة فأتسلق السياج . وعوض أن يقتحم السوء سور حياتي ، أقفزُ أنَا إليهِ .

وككلّ الأطفال ، أضعُ يدي في النار و أشكو ظلمها . معتقدا أنه ليس من حقها حرقي حتى لو لمستُ جمراتها باصبعي . وقتَها أكونُ محتاجًا فقط لحضنِ أمي لتقبل يدي وتتوعّد النَار بالماء ..
أعودُ إلى سياجي عارفًا أن الخارج نارٌ وجمر ، أنظرُ إلى السّماء فلا أجدُ المطر .. عندها فقط أضعُ يديّ خلف ظهري وأواجه نارَ الشوق بقلبٍ عارٍ وعينين ممطرتينِ .

إقرأ أيضاً

الطاقة السلبية

سر الريال الفضة “قصة في عاقبة الخيانة الزوجية”

الأمل سلاح ذو حدين

نهاية حب .. كان يسير بخطى مثقلة و ذهنه خال من أي شيء سوى من ضرورة العودة سريعا إلى المنزل للتمتع بقيلولة يغالب بها تحالف الحر و الرطوبة ، خاصة و أنه لم ينم بالقدر الكافي ليلته السابقة.
حتى اقتحم سمعه صوت طرق كعب أنثوي بنسق سريع على الأرضية الرخامية .

نهاية حب

الذهن المتعب يقول أن صاحبتنا لا ريب في عجلة من أمرها. و لا بد أن تفسح لها الطريق أو أن تسرع و هو خيار لا أضنك تطرحه الآن حتى كمجرد افتراض بالفذلكة.
لم يتغير شيء في خطواته المثقلة سوى أنها أصبحت جذابا متأنيا نحو اليمين ، حتى يتسنى لصاحبتنا المجاوزة على خط متقطع تماما.
و في غضون ثوان تجاوزته بنسق سيرها الأول و لما صارت على بعد خمسة أو ستة أقدام توقفت تماما لبرهة و حامت حول نفسها و عادت أدراجها.

فصارت قبالته تماما و دخلت مجاله البصري فدقق النظر بعض الشيء: شابة ذات قامة قصيرة حتى مع وجود الكعب العالي. بيضاء الوجه مشرقته مع تورد في الخدين. على الأرجح هي شامية : هكذا حدثه حدسه.

أصلها و فصلها ، قامتها و ملامحها لم تكن تعني له شيئا أمام ما انتابه من فضول عن سبب توقفها المفاجئ و عودتها “على غبار الثنية” !

لأنه ممن يشهد لهم بحضور البديهة في ما لا ينفع و لأنه ينحدر من السلالة التونسية فلم يعوزه التعليق و لم تغب عنه الإجابة التي تريح عقله من البحث عن تفسير لما رآه .

و قبل أن تتجاوزه في طريق عودتها و قبل أن تنهي الأعين لقائها ؛ مر الشريط في عقله بسرعة لا قبل للواقع بمحاكاتها؛ فتاة تسرع الخطى في اتجاه كأن فيه خلاصها ، ثم تدور حول نفسها  و تسلك الاتجاه المعاكس بذات السرعة .
قال لها دونما أدنى تحكم في لسانه ، كأنما عفريت يسكنه نطق بلسانه: “شنهي ، ندمتي؟ “.
كلمتان بلا معنى و لا هدف كان يمكن أن تتسببا في فضيحة “بڨلاڨل” . لكن لطف الله سابق سخطه.

توقفت و قد بدت له لوهلة كلبؤة تتحفز لتفتك به ، لكنها ضحكت و أجابت جوابا مقتضبا في حدود فهمها للسؤال : ” ما ندمت بس …”. كأنها كانت تنتظر أن يأتي من يستمع إلى كم ما كانت تريد قوله يومها.

كثر حديثهما واقعا و افتراضا.

و ها هو بعد كل حديث مطول بينهما يتساءل: هذه البداية تشبه بدايات كل القصص السابقة ؛ أحاديث طويلة ، رسائل ، ورود و قلوب ملونة …

تشابهت البدايات فهل تتشابه النهايات ؟

هل تنتهي هذه القصة كما انتهت سابقاتها ، هل ينتهي السيناريو بمشهدين متقابلين كالعادة : في الجهة الأولى ؛ فستان أبيض و مشهد فتاة و هي تمثل دور السعيدة المسرورة في الصور المنشورة على قصتها في الفيسبوك لتقول للعالم كل العالم :” ها قد قتلت وحش العنوسة و ليذهب الحب إلى ما بعد الجحيم و ليحمل معه العبارات الجميلة و الاحاديث الطويلة و الورود و القلوب الملونة”!
و في الجهة الأخرى فتى ، انفطر قلبه من مشاهدة صور عرسها فتراه مكبا على وجهه فوق السرير ، يضع فوق رأسه مخدة أو غطاء متينا. و غير بعيد عنه هاتفه يطلق لحنا حزينا و كلمات بوزن جبال من الهزيمة: ” أعذريني في يوم زفافك ، ما قدرتش أفرح زيهم ، ما خطرشي أبدا يوم في بالي إني أبقى واحد منهم” .

اقرأ أيضًا

قرينة البراءة

كيفية تربية طفل واعي