كيف تأثرت الحضارات ببعض الأفكار الفلسفية .. لقد أعطت الفلسفة للبشرية ثراثا حيا لازال يستعمل لليوم متعلقا بالتفكير المحض المدرك للحقيقة عن طريق العقل، للفلفسفة شأن عظيم جدا في تاريخ الأمم والشعوب، لأنها في كل عصر وزمان تعطي روح المرحلة المعاشة والتي تحتاجها أمة معينة أو مجتمع معين، والتي يعطيها فلاسفة تلك المرحلة..
كيف تأثرت الحضارات ببعض الأفكار الفلسفية
وذلك عن طريق التأمل و التفكير النقدي وطرح الأسئلة الإنسانية حول الإنسان في تلك المرحلة، فليس بالضرورة أن يقدموا أجوبة نهائية، مادامت مهمة الفيلسوف هي جعل الإنسان يعيش من خلال تلك التساؤلات المطروحة، فالفيلسوف على مر التاريخ عرف بٱستقلالية فكره وتفلسفه، إذ من خلال هذه الحرية والإستقلالية يتمكن من الإبداع والإكتشاف وطرح الأسئلة الجديدة التي تتعلق بمصير البشرية.فما أهمية الخطاب الفلسفي إذن في إحداث ثورة تقدمية في المجتمع ؟
_ لإدراك أهمية الخطاب الفلسفي في مختلف العصور يمكن الإنطلاق من مثال عصر ” إبن رشد” الفيلسوف والفقيه الكبير الذي عمل على تنمية القوم في عصره على ضرورة فهم الكون، كنقطة أساسية في المعرفة البشرية، ٱنطلاقا من العمل بمجموعة من العلوم كالرياضيات والطبيعيات والفلك … وهي أمور بحاجة للبرهان العقلي والتفكير بهدف الإحاطة ومعرفة الوجود بطريقة علمية، أي عن طريق العلم وليس الجهل، أو من خلال ما يسميه ابن رشد ” ببدائع الخلق”..
أي كل الظواهر الطبيعية والكونية ولاسيما التي يعيشها الفرد يوما بعد يوم، وهنا يظهر دور إبن رشد الكبير في التأسيس والتنمية لفكرة ضرورة الإلتزام وتبني العلوم العقلية كوسيلة ومبدأ أساسي للفهم وإدراك المعرفة الحقيقية.
_ وإذا ما أخذنا على سبيل المثال الفيلسوف ” فريديريك نيتشه” نجد أن هذا الفيلسوف قد وجه نقدا قاسيا للمجتمع المحافظ في عصره، بهدف إحداث التغيير في المجتمع الغربي، ليستقبل فترة جديدة من تاريخه، فترة مغايرة لما هو عليه.
_ وإذا ما أخذنا الفلسفة الماركسية كذلك على سبيل المثال وخصوصا مع الفيلسوف العظيم ” كارل ماركس” إذ أجابت الفلسفة الماركسية على سؤال في مرحلة صعود البورجوازية ووجود طبقة معزولة مضطهدة وفقيرة، وهو ما أدى بماركس لٱقتراح مجموعة من الأفكار هي بمثابة حلول لتلك المرحلة، وهي الحلول التي كان لها صدى كبير من ناحية التغيير، إذ تعتبر أفكار ماركس وحلوله التي جاء بها أهم الحلول التي تم العمل بها عالميا، خصوصا في ما يتعلق بملكية وسائل الإنتاج وتقليص ساعات العمل وتخصيص فترات الراحة والعطل … إذ أن مجموعة من الدول الرأسمالية تبنت الإصلاحات الماركسية كوسائل للتغيير وإصلاح الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية، وتفادي مجموعة من الثورات.
_ بالرجوع للمرحلة الأولى للفلسفة مع الفيلسوف” سقراط” نجد تجلي أهميتها الكبيرة، حيث كان سقراط يدفع الناس للتفكير وطرح الأسئلة، فكان يدعو إلى ضرورة ٱستخدام العقل والتفكير والنقد، بهدف إدراك الحقيقة وليس أن يبقى الإنسان مثقلا بعقول لا يستخدمها.
فأنت أيها الإنسان بالطاقات التي تتوفر عليها والقدرات الكامنة في دواخلك، تستطيع أن تعرف الواقع وأن تعرف نفسك، وذلك بنظام عقلي وهذا دور الفيلسوف في نظر سقراط.
_ عندما تذبل قيمة العقل والعلم فإن الحضارة تنحدر للأسفل، و في هذا السياق نجد ما قدمته الأفكار الأرسطية أو أكاديمية” أرسطو” التي أسسها في أثينا والتي كانت تهتم بمختلف العلوم من الرياضيات والفلسفة والفن والمجتمع … ففي هذه الأكاديمية دون كل من أرسطو وتلامذته ملاحظاتهم وأفكارهم، في العديد من المخطوطات التي شكلت واحدة من أهم المكتبات والمراجع في العالم….
نظرا لما تحتويه من علم ومعرفة وقيمة مضافة، ممنهجة ومنظمة في مختلف المجالات، إذ يتميز أرسطو بكونه فيلسوفا موسوعيا بالنظر لكتاباته المتعددة في مختلف المجالات والمواضيع التي كان أغلبها على شكل ملاحظات ومخطوطات.
_ لقد لعب كل من الشكل والمادة دورا كبيرا، عندما وصف أرسطو كيفية تمييز الإنسان الأشياء في العالم، إذ يصنف الإنسان الأشياء حسب فصائل متنوعة والتي تشترك في تحديد التشابه الذي يكون الشكل النهائي للشيئ، وتمييز الإنسان بين المواد، بين الصلب والسائل …
وفي مايخص نظرته للمجتمع فيرى أرسطو أن الإنسان ينبغي أن لايتوقف عند مظهر واحد من مظاهر الأشياء، ذلك بٱعتبار أن الإنسان ٱجتماعي بطبعه، وبدون مجتمع يؤطر وجود الشخص، فذلك سيؤدي إلى تغيير الجانب الإنساني، حيث أن الأسرة والقرية والمدينة، هي التي تساهم في تسهيل وتلبية حاجيات الحياة الأساسية كالغذاء واللغة والمشاعر … ولذا فقد ركز على مبدأ الديموقراطية المنصفة.
وفي مايتعلق بالجانب الروحي خاصة في مايرتبط بالسعادة يرى هذا الفيلسوف أن السعادة هي مسعى الإنسان لتحقيقها، فهو يفرق بين ثلاثة أنواع من السعادة:
أولها : أن يعيش الإنسان حرا ومسئولا في ذات الوقت،
وثانيها : أن الحياة متعة و تسلية من خلال الإعتماد على مبدأ التعايش والتأقلم أحيانا، وثالثها : أن أن يعيش الإنسان كعالم وفيلسوف، أي أن يعيش الفرد كمفكر وفيلسوف في حياته الخاصة والعامة من خلال التأمل وطرح التساؤلات والتفكير النقدي و المنظم، القائم على معايير متزنة والهادف إلى إدراك الحقيقة.
_ هكذا يتبين دور الفلسفة بأصنافها سواء القديمة اليونانية أو الوسيطة أو الحديثة، في إحداث تغييرات كثيرة في كافة مجالات الحياة الإجتماعية والسياسية والاقتصادية والفكرية والثقافية والروحانية، وذلك عبر سيرورة من التفكير الذي حمله المفكرون والفلاسفة على عواتقهم متكبدين بذلك كل الإتهامات والتعسفات التي وجهت لهم ومورست عليهم.
إقرأ أيضًا
الحضارة وتأثيرها على حياة الفرد والمجتمع
مشكلة الحضارة في فكر مالك بن نبي