حيل الدفاع النفسي… تعرف كل شيئ حول الحيل التي يلجأ إليها الإنسان للدفاع النفسي… منح الله جميع مخلوقاته قدرات مختلفة على حماية أنفسها. فالنبات يستطيع أن يحمي نفسه بطرق مختلفة. وكذلك الحيوانات والحشرات نجدها تعرف كيف تتماهى مع البيئة من حولها وتتلون بألوانها. وذلك لكي تقوم بحماية نفسها من خطر قادم وتختفي عنه أو تزوغ منه أو تخدعه وتواجهه على حين غفلة.
وهكذا الإنسان، أعطاه الله ومنحه العقل لكي يخترع ويبتكر ما يزود به عن نفسه من البيئة. فهو وإن كان أضعف من مخلوقات كثيرة صغيرة كانت أو كبيرة إلا أنه يواجهها بما ميزه الله من عقل وفكر. وهذا لا يحدث على مستوى الصراع الجسدي فقط. ولكنه يحدث أيضًا على المستوى النفسي. حيث أن الإنسان يلجأ إلى حيل دفاعية نفسية كثيرة تساعده لكي يدافع عن نفسه في مواجهة الضغوطات والتوترات والأمراض التي قد تصيبه إن لم يواجهها.
فماذا نعني بالحيل النفسية؟ وما هي هذه الحيل النفسية؟ وكيف يستفيد الإنسان من هذه الحيل؟ وهل لهذه الحيل النفسية أضرار على الإنسان؟ كل هذا وأكثر، سوف نتعرفه سويًا خلال سطور هذا المقال بإذن الله.
حيل الدفاع النفسي
عندما يتحدث العلماء والأخصائيون النفسيون عن “حيل الدفاع النفسي”. فهم يعنون بها تلك التصرفات التي يسلكها الإنسان أو يفكر فيها من أجل القيام بحماية نفسه والدفاع عنها. وهذا لأنه يشعر بالتهديد والهجوم لذلك يبحث عن أفضل شكل يدافع به عن نفسه ويحميها بالفكر أو بالتصرفات والسلوكيات من أجل الحفاظ على شخصيته وعلى صورته الذهنية.
ويتم تعريف “حيل الدفاع النفسي” في علم النفس بأنها،
إحدى الطرق التي بها يتم النظر إلى كيفية إبعاد الناس لأنفسهم عن الوعي الكامل بالأفكار والمشاعر والسلوكيات غير السارة. ويتم تعريفها أيضًا بأنها عبارة عن استراتيجيات نفسية يتم استخدامها بدون وعي لحماية الشخص من القلق الناتج عن الأفكار أو المشاعر غير المقبولة.
فخيل الدفاع النفسي، وأحيانًا يتم تسميتها بآليات الدفاع النفسي، هي الوسائل والطرق التي يتم استخدامها كما أوضحنا سلفًا. وذلك لحماية نفسية الإنسان من مشاعر الذنب ومشاعر القلق والتوتر والخوف تلك التي ممكن أن تنشأ لأسباب مختلفة أهمها الإحساس بوجود تهديد. وهذه الحيل والأليات النفسية التي يستخدمها الإنسان من أجل خماية نفسيته، هي ليست تصرفات واعية أو يدركها الإنسان بوعيه. بل تكون تصرفات تلقائية يقوم بها الإنسان بغير وعي إلا إذا أشار إليها أحد ما لتنبيهه.

حيل الدفاع النفسي… تعرف كل شيئ حول الحيل التي يلجأ إليها الإنسان للدفاع النفسي
جدير بالذكر أن الدارسين لكيفية قراءة لغة الجسد، ذلك العلم الذي تأسس على نظريات سيجموند فرويد. تلك التي دارت حول النفس البشرية والسلوكيات والتعبيرات الجسدية غير الواعية وردود فعل الإنسان. يقومون بدراسة هذه الحيل النفسية وآليات الدفاع النفسي وما تعبر عنه من أفكار أو رغبات أو توجهات.
أنواع حيل الدفاع النفسي
كما أبرزنا قبلاً أن حيل الدفاع النفسي أو آليات الدفاع النفسية تكمن في عقل الإنسان الباطن أو اللاوعي الخاص به. وذلك لأن الإنسان يلجأ إليها ويستخدمها بشكل لاواعي وقد ينكرها أو يرفضها في وعيه إلا أنه يجد نفسه يلجأ إليها أول شيئ عند الشعور بالتهديد. ومن هذه الحيل النفسية التي يستخدمها الإنسان:
(1) حيلة الإنكار
يلجأ الإنسان إلى الحيلة النفسية الخاصة بإنكار الواقع أو إنكار حدوث الشيئ الذي يهدد مشاعره ويؤذيها. وذلك لكونه غير قابل للحقيقة أو راضي عن عن هذا الواقع. كما أنه في الإنكار يقوم بالتصرف وكأن ما حدث لم يحدث. فعلى سبيل المثال في فيلم قديم لأحمد ذكي (فيلم زوجة رجل مهم) كان يلعب فيه دور ضابط شرطة ولكن تم فصله من عمله. ظل البطل أحمد ذكي يتعامل مع الجميع بنفس الأسلوب وكأنه لا يزال هو هو نفس الضابط في نفس المكانة وبنفس الأسلوب والسطوة. حتى أنه اشترى سيارة هي نفسها سيارة العمل واستعان بسائق مثلما كان لديه سائق في العمل رغم أن جميع من حوله يعلمون الحقيقة وقد صدموه أنهم يعلمون وأن تعاملاتهم معه تغيرت.
وحيلة الإنكار يقال عنها أنها أقدم الحيل النفسية الدفاعية التي يستخدمها الناس خيث أنه يتم تصنيفها بكونها سمة من سمات الطفولة المبكرة. وذلك أن ينكر شخص ما الآثار المترتبة على سلوك سلبي يقوم به ويدعي أن هذا السلوك لا يؤثر عليه في حين أنه بالفعل ذا تأثير.
(2) حيلة “الانحدار”
وهي تعني الرجوع إلى الماضي واللجوء لفترة من الوقت وسلوكيات ماضية/ قديمة في حياة الإنسان لكي يحتمي بها من أفكار غير مقبولة أو المخاوف والتهديدات. فعلى سبيل المثال طفل بعد أن تخطى مرحلة التبول اللاإرادي نجده يعود إليها بسبب خوف أو تهديد ما. أيضًا قد نجد طفل تعلم الكلام بصورة جيدة يعود بعدها إلى اللعثمة والتهتهة والصعوبة في الكلام بسبب خوف أو تهديد أو غيرة من أخيه أو أخته الأصغر التي حصلت على الاهتمام الأكبر في البيت وهددت وجوده.
(3) حيلة الانفصال والتفكك
كأن ينفصل الأشخاص الذين عانوا من قبل من أي نوع من أنواع الإساءة التي يكونوا قد تعرضوا لها في مرحلة الطفولة بأي شكل من الأشكال. ويقوموا في هذه الحالة بالانفصال عن الواقع الذي يعيشونه ويفقدون مسار الوقت. وذلك عن طريق إيجاد تمثيل آخر للنفس يؤدي إلى الاستمرار في اللحظة التي يتواجدوا بها.
وفي الحالات التي تصل إلى المرحلة القصوى من التفكك والانفصال قد يعتقد الفرد بأنه ذو ذوات متعددة. وذلك فيما يسمى بـ “اضطراب الشخصية المتعددة” والذي يعرف في الوقت الحالي ويتم تشخيصه علميًا بـ “عجز الهوية الانفصامي”.

حيل الدفاع النفسي… تعرف كل شيئ حول الحيل التي يلجأ إليها الإنسان للدفاع النفسي
(4) حيلة “التمثيل”
التمثيل كحيلة معناها أن يقوم الشخص بإصدار سلوكيات أو تصرفات يعبر بها عن مشاعره أو أفكاره حين يكون غير قادر على القيام بالتعبير عنها بأي وسيلة مختلفة. فعلى سبيل المثال، حين يغضب شخص ما من شخص آخر وينزعج منه قد يقوم بسبابه أو بضربه. أو بتخريب عمل أو شيئ يمتلكه هذا الشيئ لعدم قدرته على معاتبته. فالتمثيل هنا يعتبر نشاط أو سلوك يساعد في التحرر من الضغط النفس. وغالبًا ما يشعر الأشخاص الذين يقومون به بنوع من الهدوء والراحة بعد ذلك.
سيجموند فرويد وأنواع الحيل النفسية الدفاعية كما أبرزتها نظرياته
أبرز عالم النفس الشهير سيجموند فرويد عددًا من الحيل النفسية الدفاعية التي تقوم باستخدامها “أنا” الإنسان. ومن هذه الحيل ما يلي:
(1) حيلة “التماهي مع المعتدي”
في هذه الحيلة يقوم الشخص بالتركيز على المخاوف أو على الصفات السلبية. وعند خوف الفرد من أحد الأشخاص يحدث أن يتخلص من هذا الخوف بشكل عملي عن طريق القيام بالتشبه به.
(2) حيلة “القمع”
وهي الحيلة الأولى من الحيل الدفاعية النفسية التي اكتشفها سيجموند فرويد. وهي أيضًا تعتبر الحيلة الأكثر أهمية لديه. حيث أنها آلية/ حيلة دفاعية غير واعية تقوم باستخدامها “الأنا” من أجل مقاومة الأفكار السلبية و/ أو مشاعر القلق ومنعها من أن تسيطر على وعي الفرد. ومن الأمثلة على هذه الحيلة ما تقوم به الأنا من مسح للذكريات السيئة في ذهن الإنسان لكي لا يظل يتعامل بها أو على أساسها.
(3) حيلة الإسقاط
وهي الحيلة يقوم فيها الإنسان بنسب أي أفكار خاصة به أو مشاعر وأفعال/ ردود أفعال إلى فرد آخر. كأن يعزي مثلاً يعزي مثلاً اعتدائه على أحدهم لفظيًا أو بدنيًا بأنه تم دفعه لذلك بسبب استفزاز الآخر له. ويمكن تذكر دفاع المتحرشين عن أنفسهم مثلاً بأن من دفعهم لذلك هو الفتيات بملابسهن غير المحتشمة. حيث يُسقط المتحرش اعتدائه على الفتاة نفسها أو على ملابسها وهو الأمر غير الصحيح إنما هو حيلة دفاعية وإسقاط ليس إلا.
(4) حيلة الإنكار والرفض
وهي الحيلة التي فيها ربما يرفض الفرد القيام بتجربة أي من الأمور التي يرى أنه من غير الممكن أن يتعامل معها. والرفض والإنكار ينطوي على ما يسمى بمنع أي من الأحداث التي تكون خارجية من الوعي الخاص بالفرد.
(5) حيلة خلق رد الفعل
وهي الحيلة التي فيها يتصرف الإنسان بعكس ما قد يفعله في حيلة الإنكار والرفض. فإنه بدلاً من الامتناع عن تجربة الأمور أو يمنع الأحداث الخارجية عن الوعي. فإنه يخلق رد فعل للتعامل مع الأحداث بطريقة تكون عكس ما يشعر به أو يفكر فيه.
(6) حيلة تزييف الحقائق
ويقوم فيها الفرد بعمل “تشويه معرفي للحقائق” وذلك من أجل أن يقوم بخفض التهديدات التي واجهها من أي حدث. ومن أمثلة ذلك أن تقوم زوجة تركها زوجها بإقناع نفسها أنه لم يكن مناسب لها أو أن مشاعرها التي جعلتها ترتبط به ليست حقيقة. وذلك بدلاً من أن تبحث عن الأسباب والمشاكل التي تخصها والتي جعلت زوجها يتركها ويهجرها.
(7) حيلة التراجع
عندما يتعرض الإنسان لضغط شديد لا يمكن أن يتحمله أو الإصابة بالخوف فإنه يعود لممارسة بعض من التصرفات الطفولية أو تصرفات معاكسة. فعلى سبيل المثل، إذا أساء أحدهم لشخص ما ثم أراد أن يقوم بإصلاح هذا الفعل. فإنه قد يظل يكيل المديح لنفس الشخص الذي سبق وأساء إليه ولفترة طويلة. وهو نوع من التراجع عن فعل قام به بالقيام بفعل آخر يكون معاكس له.
ختامًا،،،
خلق الله الكائنات الحية وعلى رأسها الإنسان ومنحها جميعًا حيل وآليات وإمكانات للدفاع عن نفسها جسديًا. وأيضًا للحماية وللدفاع عن الذات نفسيًا من أجل البقاء والاستمرار في الحياة. ولكن لأن الإنسان يأتي في قمة التطور في الكائنات الحية، فقد كان للحيل النفسية التي يمارسها دور كبير في أساسيات التعاملات والتصرفات. ومن هذه الحيل ما هو يحدث بشكل غير واعي يكون نتاج التربية والخبرات المتراكمة ومدى الضغط والتوتر ومشاعر الخوف وأيضًا مصدره.
ومن هذه الحيل ما هو غير خطر ومنها ما هو يعتبر خطر ومؤذي للإنشان على المدى البعيد. ولذلك يكون من الأفضل أن يعي الإنسان هذه الحيل سواء لتعرف ذاته أو إدراك ما يقوم به الآخرون. ويعتبر سيجموند فرويد من أكثر علماء النفس الذين لاحظوا هذه الحيل ورصدوها ووصفوها وأكدوا على الدوافع النفسية لكل التصرفات والسلوكيات البشرية.
الكاتب/ أسامة الأديب
استشاري تعليم وتنمية
اقرأ أيضًا
العوامل المؤثرة في الصخة النفسية
كيف يحسن الإنسان من حالته النفسية؟