في عصر التكنولوجيا الحديثة والواقع الافتراضي باتت تواجهنا العديد من الصعوبات عندما نعود للواقع الحقيقي، وهذه الصعوبات والتحديات تزداد يومًا بعد يوم، ولقد صار حتمًا علينا معرفة أهمية الإرشاد النفسي والاستعانة به لنتمكن من السير في الحياة بهوادة وعقلانية واتزان.
فكونك تختار مرشد نفسيًا وتقرر الاستعانة بعلمه وخبرته لمنحك آليات ونصائح تعينك على تصحيح نظرتك ووجهة نظرك للأمور وفهمك واستجابتك لها ليس إنقاصًا من حقك ولا اتهام لك بالعجز أو أنك مختل أو مجنون؛ لا إطلاقًا، فالمختل والمجنون لن يدركا أن سلوكهم أو صحتهم النفسية تحتاج إلى معالجة.
فكونك تدرك أنك كإنسان عاقل تحتاج للتطوير ولاكتساب مهارات كالتواصل الجيد مع الآخر أو الثقة بالنفس أو الآخر أو القدرة على الإقناع أو….. هذا يجعل منك شخص ناضج يبحث عن طرق تجعله أفضل ويتجاوز بها صعوبات أو عقبات تعليقه عن تحقيق أهدافه.
ومن المشاهد التي لا أنساها مشهدًا من فيلم هندي عن ضرورة الحصول على إرشاد نفسي هو مشهد لشاب يزور مرشد نفسي ويقول دومًا أنا اذهب للمرشد النفسي فلان، أو عذرًا لن أسهر اليوم فأنا لدي موعد مع مرشد النفسي… وهكذا فسألته فتاة هي “هل تقول دومًا أنك ذاهب للمرشد النفسي حتى يعلم الجميع أنك تحتاج الإرشاد النفسي؟
فأجاب الشاب : بل حتى أعلم أنا” وبالفعل لا بد أن تعلم أنت أنك تحتاج الإرشاد النفسي فهذه أولى خطوات العقلانية والاتزان، فضغوطات الحياة المعاصرة ومستجداتها المستمرة والتطور التكنولوجي، والسرعة المفرطة التي صارت أشبه بدوامة نُرمى بها منذ الصباح الباكر حتى لحظات الاستلقاء للنوم أو الوقوع بغيبوبة من التعب والضغط النفسي والعصبية.
الإرشاد النفسي ضروري في الحياة
فالإرشاد النفسي صار طلبًا مُلحًا الآن وجميعنا بحاجته، لعلك جربت يومًا ممارسة الرياضة وحدك بدون الاستعانة بمدرب؟ وأكيد أحدثت إصابة أو عرضت نفسك للإصابة بكسر أو تمزق في عضلة أو التواء، وعندها تأكدت أن ممارسة الرياضة أو بناء العضلات لن يتم إلا بالاستعانة بخبير يساعدك على بناء العضلات بدون أن تتسبب بإصابة نفسك بضرر.
وهكذا النفس البشرية بها أعماق وعقل باطن والأنا العليا والأنا السفلى و” دهاليز مظلمة” إذا لم تحذرها قد تصيبك بما هو أشد من كسر أو تمزق، فالأمراض النفسية أقسى وأبشع؛ لذا لا بد من اللجوء إلى الإرشاد النفسي الذي سيجعلك تعرف نفسك وتتخطى مشاكلك ونقاط ضعفك بسلام.
والحصول على الإرشاد النفسي يبدأ منذ الصغر أحيانًا لنعمل على جعل الأطفال ينشأون بسلامة وصحة نفسية، كما نحرص على أن يمارسو الرياضة منذ الصغر، وألا ينظرون إلى الأمر على أنه رفاهية بل جانب من سلامتنا يجب الاهتمام به جيدًا، بل الاهتمام بالصحة النفسية أهم من الصحة الجسمانية، فالأمراض النفسية قد تدفع البعض إلى ارتكاب الجرائم أو الانتحار.
وفيما يلي نوضح الفئات التي لا بد أن يهتموا بالحصول على الإرشاد النفسي:
أهمية الإرشاد النفسي للأطفال من ذوي الهمم
عندما نرزق بطفل من ذوي الهمم يكون الله قد اختارنا لنيل شرف والقيام بمهمة أكثر قداسة من الأبوه أو الأمومة، وهي أنك ستكون جزء من طفلك ومكملًا له وجزئه الذي يحتاجه، فلا بد أن يحصل الأب والأم على الكثير من الخبرة والتأهل النفسي للقيام برعاية هذا الطفل وتنشأته على الثقة بالنفس والتعامل معه كما يجب.
وعندما يبدأ الطفل في الإدراك سينضم للوالدين في لقائهم بالمرشد النفسي الذي سيكون صار بطبيعة الحال جزء من عائلتكم، ولن يشعر الطفل بالغرابة نحوه، فمعروف عن المرشد النفسي أنه ما إن تزوره وتستمر معه سيصير فردًا من عائلتك، والإرشاد النفسي للطفل من ذوي الهمم سيمنحه شعورًا بالارتياح والثقة بالنفس والقدرة على الحلم وتحقيق تلك الأحلام.
كما ستعلم منه كيف يواجه التنمر والمتنمرين بقوة وصلابة، وسيعرفه حقوقه وكيفية الحصول عليها ومواجهة من يحاول هضم حقه أو التقليل من شأنه، فمن خلال الإرشاد النفسي سيكون طفلنا الجميل قد كون فكرة عن المجتمع قبل أن يعايشه.
أهمية الإرشاد النفسي للطلاب
يقضي الطالب بالمدرسة أغلب ساعات يومه ويعيش دروسه مع زملائه ومعلميه مواقف عديدة وصغوطات كثيرة قد تصيب الطالب بإنحراف في السلوك أو قلق أو اكتئاب أو انطوائية أو خجل شديد أو تنمر، فلا بد أن يكون للطلاب مرشد نفسي سواء في المدرسة أو عن طريق الأهل الذين يجب أن يتابعوا أبنائهم ويهتموا بصحتهم النفسية واتزانهم.
كما يهتمون بحصوله على المركز الأول أو البطولات في الأنشطة الرياضية، فإذا لم ننتبه لما يتعرض له أبنائنا الطلاب من ضغوطات نفسية أو تنمر (سواء كان هو المُتـَنَمِر أو المتنمَر عليه) فقد نخسر أبنائنا، فبعض المشاكل النفسية قد تدفع الطلاب للإدمان أو السرقة أو العنف أو الانتحار، فلننتبه على أغلى ما نملك.
أهمية الإرشاد النفسي للمراهقين
لعلنا نتفق أن المراهقة هي أخطر مرحلة عمرية يمر بها الإنسان، فهي مرحلة الهرمونات اللا منتظمة، والانفعالات المتضاربة، وأحلام اليقظة التي تفوق أحلام المنام، والرغبة الشديدة في تجريب كل شيء، والظهور، وعيش المغامرات التي في الغالب تكون ليست محمودة العواقب.
فالمراهق أشبه – كما قيل – بقنبلة موقوتة لا تعرف متى سيشد الفتيل، ولا أي بلاء سيجلب لنفسه ولأولياء أمره بالضرورة، لذا فأنت لا بد أن توجه هذه القنبلة الموقوتة نحو من يظبطها، ويضمن سلامتها وسلامة من حولها، فالإرشاد النفسي هو من سيفرغ شحناته الزائدة وغضبه ويمنحه الاتزان، وسيؤهل هذا المراهق لمرحلة الشباب والمسؤولية، وسيجعل من فوران هرموناته قوة ومن أحلامه أجنحة سيحلق بها نحو غد مشرق، وسيعلمه كيف يكون قائد الغد.
أهميته للمقبلين على الزواج
إن الزواج هو مرحلة جديدة ومختلفة في حياتك على كل الأصعدة، فهو حياة جديدة بعنوان جديد – غالبًا – بنظام جديد، وأسس جديدة، فهذا الشاب الذي لا يعرف عن البيت سوى أنه مكان يأكل فيه وينام فيه سيكون مسؤولًا في بيته عن كل شيء، بدء من إيجار الشقة ودفع الفواتير إلى راحة زوجته وتخصيص وقت لها وزيارة أهلها.
هذا الشاب الذي لا يخرج يده من جيبه إلا ليسلم على شخص، سيكون مسؤولًا عن دفع كل مال يدفع، وتصليح كل شيء يخرب، أما هذه الفتاة التي لا تعرف سوى كيف تصنع بيضًا مسلوقًا سيكون عليها تجهيز كل شيء من الفطار حتى الولائم والعزومات، وهي نفسها تلك التي تبكي وتغضب إذا كسر ظافرها التي تربيه من شهر، ستكون مسؤولة عن زوجها/ رجلها وبيتها أهل زوجها وعلاقتها بجيرانها.
من سيساعد هذان الشابان على الاستعداد للحياة المشتركة والمسؤوليات الجديدة والتكامل الذي لا بد أن يخلق بينهما لتستمر هذه العلاقة ولا تنتهي بالفشل، وإياك أن تقول لي أهلهما فالأهل عندما يتدخلون ثق وتأكد أن نهاية الزواج ستكون فشلًا ذريعًا.
أهميته لآباء المستقبل
ماذا، ستقول لي الآن أنت تبالغ، أو هذه رفاهية، لكن صدقًا إذا رأيت أنت ما يفعله الآباء والأمهات الجدد ستتمنى لو يحصلون على مساعدة من متخصص، ليس لأجل صغارهم فحسب بل لأجلهم هم كأب وأم، إنهم يعانون من التعارض التام بين أقوال أهلهم عن كيف ربوهم، وما يقال في الكتب عن التربية، وما يشاهدون على اليوتيوب، وما يعايشونه مع هذا الكائن الصغير.
أهمية الإرشاد النفسي للمتقاعدين
نعم أوشكت على التقاعد أو تفكر بالتقاعد المبكر أو تقاعدت بالفعل وتشعر بمشاعر غريبة ومتناقضة، هل انتهت حياتك؟ أم بدأت؟ هل صرت بلا فائدة؟ أم لديك الوقت لتحقق فوائد ومهام؟ هل تم ركنك على الأرفف؟ أم لديك متسع من الوقت بدل الضائع لتتعلم شيئًا جديدًا وتجرب أشياء كثيرة وتعيش حياة جديدة، فبالإرشاد النفسي ستعلم ماذا تفعل بعد التقاعد وكيف تستفيد من وقتك ومن وضعك الجديد.
وختامًا… إن اللجوء إلى الإرشاد النفسي ليس تهمة ولا عار يجب إخفائه بل هو مطلب حياتي، وكما يجب الاهتمام بالرياضة والتمارين البدنية يجب ممارسة التمارين النفسية والروحية كالتأمل واليوغا، وكما نلجأ لمدرب ليعلم الرياضة سنذهب للمرشد نفسي يعلمنا من نحن وما نقاط قوتنا وما نقاط ضعفنا، وسنطور أنفسنا وسنكون أفضل وأكثر اتزانًا وعقلانية وتصالحًا مع النفس وتقبلًا للآخرين… دمتم سالمين.
اقرأ أيضًا:
ما نظريات التفكير للصحة النفسية؟
علاج الأمراض النفسية بالتنويم المغناطيسي