أين ذهبت الشمس .. المكان: الوحدة الصحية بسيدي حنيش.. في الصحراء 50 كم قبل مرسى مطروح
الزمان: احد ايام شتاء 1986.
أين ذهبت الشمس؟
تناهى صوت الأذان إلى رأسي المثقلة فوق الوسادة.. فلعب الشيطان كعادته بنفسي الضعيفة ان في الوقت متسع..و ساعده على ذلك جسدي الذي بالكاد اصبح يشعر بدفء الفراش تحت أغطية الشتاء. لم افتح عيني و اخذتني نومة قصيرة استيقظت بعدها و قد استجمعت إرادتي للقيام لصلاة الفجر. كان الظلام لازال يحتوي الغرفة فاطمئننت إلى إن وقت الصلاة لم يخرج.
و عدت بعد الصلاة إلى الفراش فأخذت اردد بعض الأذكار ثم قراءة وردا من القرآن حتى إذا انتهيت التفت إلى النافذة و كان الظلام لا زال حالكا..فأستغربت ذلك و خاصة حين نظرت إلى ساعة يدي لأجد عقاربها تشير إلى السادسة. حاولت النوم مجددا موهما نفسي بأنه ربما سحاب الشتاء الداكن لازال ساترا لأضواء الشروق الضعيفة.
بدأ القلق يراودني فزالت عني رغبة النوم نهائيا.. و قمت إلى النافذة اتطلع إلى السماء المظلمة فأدهشني أن أجد بعض النجوم تتلألأ… إذا لا سحاب.
نظرت إلى الساعة مرة أخرى و هي تقترب من السادسة و عشر دقائق…و التفت إلى جهة شروق الشمس فلم أر إلا سوادا مطبقا. في تلك اللحظة احسست بقشعريرة تسري في كل جسدي و كان جبيني يتفصد عرقا و هو يدور لا إراديا 180 درجة تجاه المغرب….و زادت ضربات قلبي وانا ارى خيطا من الحمرة الخافتة تحدد الأفق في ذلك الإتجاه.
لاشك ان شمسنا اليوم ستشرق من جهة المغرب… بكل ما يعنيه ذلك.. وأعرفه… و تعرفونه.
فرشت سجادة الصلاة و جلست اقرأ القرآن بينما جسدي كله ينتفض و احس بحبات العرق تتقاطر مسرعة من كل جسمي.. أعرف انه لا قبول لعمل بعد طلوع الشمس من مغربها… لكنها لازالت لم تخرج إلى الآن… ربما استطيع ان افعل شيئا ينفعني خلال هذا الوقت الضيق.
مر بذهني في لحظة واحدة كم ضيعت من سنوات العمر…حتى ساعات النوم كان من الممكن إختصارها.
اليوم مثلا و بسبب نزلة برد وارتفاع في درجة حرارتي نمت من بعد صلاة العصر حتى……!!! و هنا توقفت عن التفكير تماما لأني سمعت صوت المؤذن مرة أخرى…
ترى هل علم الناس حقيقة اليوم و سيعلنوه للناس من خلال المساجد؟
عدت إلى النافذة لأجد الظلام اشد سوادا.. حتى الحمرة في جهة الغرب قد زالت….رباه ماذا يحدث؟ اين ذهبت الشمس؟
و رغم ما احس به من ألام تكتنف كل أعضائي قررت أن ارتدي ملابسي و اتوجه إلى المسجد لأستطلع الأمر.
دخلت المسجد لأجد قليل من المصلين يشرعون في صلاة الجماعة…و تحيرت من برود أعصابهم… هل لا يشعرون بما يحدث؟… هل هذا هو ما يطلق عليه طمأنينة قلب المؤمنين؟
جلست اضحك بيني و بين نفسي بعد إنقضاء هذه الصلاة الرباعية… فقد ابصرت فجأة تفسيرا لكل ما مر بي منذ اسيقظت و حتى إنتهائي الأن من صلاة العشاء…. نعم صلاة العشاء.
عافانا الله من الحمى….و آنسنا من الوحدة..
اقرأ أيضًا