أكبر عامل عصري للاكتئاب والعزلة؛ يتحوّل بفضل العلم إلى تقنيّة عبقريّة فَينحدر مِن مسار “المُسبّب” إلى مسار “المُعالج”، فما المقصود بالتحفيز المغناطيسي لمعالجة الاكتئاب.
_ مع تفاقم العوامل المؤدية إلى الاضطرابات النفسيّة والتي من أهمها التكنولوجيا؛ وازدياد فشل الطرق التقليديّة في علاجها. فرض علىٰ العلم ابتكار وسائل حديثة للحدّ من هذه المعاناة النفسيّة للبشر.
_ يترأس “الاكتئاب” قائمة الحالات المرضيّة للعصر. حيث يحصد أعلى نسبة في تسجيل الأمراض النفسيّة الأكثر تأزّماً وانتشاراً؛ وبِحسب منظمة الصّحة العالميّة يوجد ما يزيد عن 350 مليون شخص حول العالم يعانون من الاكتئاب.
هو عبارة عن اضطراب نفسي يجعل المصاب عاجزاً عن التحكّم بشعور الحزن المسيطر على مزاجه؛ ورغبته الشديدة في العزلة والانطوائية.
يتم علاجه بأساليب سلوكيّة معرفيّة (التحليل النفسي)، (الدعم النفسي) وغيرها والتي يتم من خلالها التعامل مع المريض بفترات طويلة جداً وغالباً تبوء بالفشل، كما الحال في المحاولة بالتعافي بالدواء.
مما أدى لظهور الحاجة الملحّة التي جعلت العلم يلجأ للأساليب التكنولوجيّة وتحويلها من عامل مسبّب للمرض إلى عبقريّة علاجيّة مكّنت الخبراء في تقنيّات الطّب الحديث من تطوير جهاز على شكل كرسي يعمل على تقنيّة التحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة (TMS). وهي تقنيّة من شأنها إحداث ثورة في علاج الاكتئاب.
تطوير أول أجهزة TMS مُستقرّة عام 1985
حيث كانت في الأصل مخصّصة كأجهزة تشخيصيّة وبحثيّة، فيما بعد توصّل الخبراء لاستخداماتها العلاجيّة؛ وتمّت الموافقة الأولى على أجهزة TMS من قِبل إدارة الدواء والغذاء الأمريكية في أكتوبر 2008.
هذا الجهاز عبارة عن وسيلة طبيّة لمحاولة فهم ما يجري داخل الدِّماغ؛ عبر تسّليط المغناطيس على أماكن مُحدّدة لِجعلها ترضخ لفعل ما نريده.
عن طريق وضع وشيعة كهرومغناطيسيّة على فروة الرأس يرسل خلالها المغناطيس الكهربائي نبضاً متكرّراً يحفِز الخلايا العصبيّة لِذا يطلق عليه التحفيز المغناطيسي المتكرِّر (rTMS).
آلية العمل في معالجة الكآبة
في حالات الاكتئاب يصاب الفَص الأيسر الأماميّ الجانبيّ لِلمخ بِكسل في أداء وظيفته، الأمر الذي يستدعي تحفيزه وتسريعه، فيتم ذلك عن طريق نبضات كهرومغناطيسيّة سريعة في الجِّهاز لإعادته إلى حالته الطبيعيّة في أداء مهامه.
كما يزوِّد الدّم في مكان التنبيه، ويزيد من قدرة الخليّة على امتصاص الأكسجين، مما يجعلها تتحفز فتقوم بوظيفتها بتصنيع وتعزيز “السيروتونين” و “الدوبامين” التي تشكّل هرمونات السّعادة لدى الإنسان.
بذلك فهو طريقة تنبيه الخلايا الدماغيّة لِتنشيطها مما يؤدي إلى تفعيل عمل الخلايا العصبيّة وصولاً إلىٰ زيادة إفراز الهرمونات التي تعزِّز السّعادة لِلتخلّص من الشعور بالاكتئاب.

التحفيز المغناطيسي لمعالجة الاكتئاب
العلاج عبر جلسات
يقوم خلالها المريض بالمكوث على الكرسي الخاصّ بِالجّهاز؛ ويرتدي سدّادات الأذن، وتوضع الوشيعة المغناطيسيّة علىٰ الرّأس، فيبدأ الطبيب بتحديد المكان المراد تنبيهه خلال الجلسة الأولى فقط بعدها يحتفظ الكمبيوتر الخاص بالجّهاز بهذهِ الوضعيّة في باقي الجّلسات.
عند تشغيل الجهاز يسمع المريض أصوات نقر وخبط بسيط على جبهته. تكون الجّلسات خمس مرات في الأسبوع الواحد ولمدة 35 دقيقة في كل جلسة.
يستمر العلاج لفترة تترواح من 4 : 5 أسابيع حسب استجابة المريض؛ لا يشعَر خلالها بأيّة آلام لِذا تقام من غير تخدير. كما تفي هذه الجلسات بِالعلاج دون الضرورة إلى إرفاقها بالوصّفات الدوائيّة.
يمتاز الجّهاز بالسّرعة في العلاج
حيث أجريت تجربة على 23 شخصاً يعانون من الاكتئاب، تمّ من خلالها شفاء 80٪ منهم خلال خمسة أيام فقط.
المخاطر وأمان الاستخدام
لا يستدعي التنبيه المغناطيسي المتكرّر غرس مسارات كهربائيّة كما يحدث في العلاج بالصّدمات الكهربائيّة (ECT)، لِذا يعتبر أكثر أماناً منها.
وأثبتت الدّراسات نجاح هذه التقنيّة، وتمّ الاعتراف بها من وكالة الأدوية الأمريكيّة (FDA) في عام 2008 وذلك بعد إجراء الدّراسات اللازمة علىٰ الجّهاز لأكثرِ من عشر سنوات.
مما جعل استخدامه آمِناً لِما يزيد عن ٥٠٠ طبيب في أمريكا؛ والعديد من الدول في الشّرق الأوسط. كما أثبتت البحوث التجريبيّة التي خضعَ لها الأشّخاص المصابون بالاكتئاب، مساهمة الجهاز بِتحسن ملحوظ ل 60٪ من المرضى، ونجاحه بِشفاء كامل ل 40٪ منهم.
بينما لا ينصَح بهِ للأشخاص الذين قاموا سابقاً بِزراعة الأجّهزة المعدنيّة والكهربائيّة في الجسم. (كأجّهزة تنظيم ضربات القلب، قوقعة الأذن المزروعة، الأقطاب الكهربائيّة لمراقبة نشاط الدّماغ، المحفِّزات المزروعة، لفافات تمدد الأوعية الدّمويّة إلخ….).
وذلك تجنّباً لتحفيز تيّار غير مقصود في الأجّهزة المزروعة.
الآثار الجانبيّة الشّائِعة
- دغدغة أو خَدر بسيط في منطقة التنبيه أثناء الجّلسة.
- الدوار.
- الصّداع.
- الارتعاش في منطقة عضلات الوجه. وغالباً ما تكون هذه الآثار شبه ملحوظة؛ وتبدأ بالاختفاء التّدريجي جلسة بعد أُخرى.
الآثار الجانبيّة الأكثر خطورة والغير شائعة
- الإغماء.
- نوبات الصّرع.
- الهَوس.
- فقدان السّمع في حال عدم توفير حماية كافية للأذن أثناء الجّلسة.
الدول العربيّة التي أدخلت هذه التقنيّة في أساليبها العلاجيّة
أول من أدخل الجهاز إلى الشرق الأوسط هي الإمارات العربيّة المتّحدة. كما يتم العلاج من خلاله في جمهورية مصر العربيّة مُنذ عدّة أعوام. ويُستخدم حالياً في المملكة العربيّة السّعودية.
وأعلن المركز الطبي في الجامعة الأمريكية مؤخراً في بيروت عن تقديم هذه التقنيّة لعلاج حالات الاكتئاب الشديدة.
في هذه المقالة ناقشنا تقنيّة التحفيز المغناطيسي اقتصاراً على علاج الاكتئاب.
أما في الحقيقة نحن أمام إعجاز علمي عبقريّ يشتمل على العديد من الأساليب والآليات لمعالجة أكثر الأمراض استعصاءً على مرّ التاريخ البشري.
الجهاز يحتاج إلى تدريب خاص لتحديد المنطقة المراد تنبيهها بالمخو، يتم بِآليّة تختلف من مرض لآخر، لِذا يُعتبر صيحة جديدة بالعلاج إذ أنّه يقتصر العلاج بالتركيز على المنطقة المحدّدة في المخ فقط، مع عدم التأثير على مناطق المخ الأخرى. مما يتطلب درجة عالية من الدّقة، وصولاً إلى الأمان.
لِذا سنتناول نبذة قصيرة عن الأمراض الأخرى التي يتعامل معها التحفيز المغناطيسي .
الأمراض النفسيّة
- اضطرابات القلق كالوسواس القهري.
- الفِصام.
- الهَوَس.
- التَّوحّد.
الأمراض العصبيّة
- الحالات المزمنة من الشلل والرعاش.
- فرط الحركة وتشتّت الانتباه (ADHD) .
- الآلام المستعصية.
- طنين الأذن.
- عدم الاتّزان.
- تيبّس العضلات.
- الاضّطرابات الجّسمانيّة النّاتجة عن المرض النفسي.
- إعادة التأهيل بعد السّكتة الدماغيّة.
تمّت الموافقة على استخدام TMS أحادي-النّبضة من قبل (FDA) لعلاج الصّداع النّصفي في ديسمبر 2013.

التحفيز المغناطيسي لمعالجة الاكتئاب
الاستخدامات التي نجحت في تجارب محدودة ويعمل الخبراء على تطويرها:
- الزهايمر: عن طريق التعامل مع الخلايا المتعلّقة بالذّاكرة.
- الخَرَف.
- علاج تسمّم الغاز وذلك بإعادة إعمال الخلايا الميّتة.
- التّنفس.
وما زال الباحثين بِهذه التقنيّة بحالة اسّتنفار علميّ كامل، لِإدخال خطّة علاجيّة جديدة بتقديم أفكار عن تعامل الجّهاز مع:
- تليف الكبد.
- كوفيد19.
- الألم العضلي اللّيفي.
- التصلّب المتعدّد.
- متلازمة توريت.
_ ويبقى التّحفيز المغناطيسي عبر الجمجمة موضوعاً علميّاً مثيراً؛ متعطّشاً للبحث والتّطوير، ويتطلب تثقيف عالٍ جداً لجعلهِ نقطة تحوّل مصيريّة في الطّب الحديث لِلتخلّص من العرقلات التي طالما شكّلت عقبة في طريقه.
للمزيد:
مرض الاكتئاب وأسبابه وكيفية علاجه والوقاية منه
الاكتئاب هو مرض العصر , تعرف على أعراضه وأسبابه وعلاجه