كيف تتحدد قيمة الإنسان؟ لطالما عرف الإنسان بكونه إنسان وكائنا ٱجتماعيا عاقلا بين كل الكائنات الأخرى، إذ أن ما يميزه في وسطه المادي هو كونه قادرا على إحداث التغيير والتأثير في كل مايرى فيه أهمية لحياته النفسية والبدنية والعاطفية، ولعل ما يميز الإنسان كذلك هو الجانب الحركي والدينامي حيث يتحرك ويتأقلم مع طبيعة الوجود والوسط.
فالإنسان كائن واعي وعاقل وراغب ومحب … وكلها سمات وصفات تعبر عن جوهر الإنسان في سعيها لإثباث وجوده مع نفسه أو مع الآخرين، إذ في سعيه لهذا المبتغى يضع صوب عينيه هدف أساسي ورئيسي لكل ذات، وهوذلك ( الشعور وإثباث القيمة) ومن خلال هذا المنطلق يمكن الحديث عن القيمة كجوهر ومسعى للإنسان في حياته، فالشعور بالقيمة يعتبر شعورا بالأهمية والمكانة والكرامة، حيث يتحول وجود الشخص الحقيقي مشروطا بشعوره بنوع من الإعتراف والكرامة الإنسانية، سواء في المجتمع أو مع نفسه وتعتبر هذه الأخيرة من أرقى مراتب القيمة.
القيمة الإنسانية
_إن القيمة الإنسانية تتخذ عدة أشكال ومظاهر، مع ٱختلاف حدة وجود هذه الأشكال من شخص لآخر، غير أن ما يهمنا هو الحديث عن قيمة وجوهر الإنسان المتمثل أساسا في : القيمة الداخلية المتعلقة بالجانب الذاتي والعقلي. فهذا الشكل من القيمة هو مايميز الإنسان عن باقي الموجودات، ويتجاوز بذلك كل المظاهر الشكلية والمادية، بمعنى أن يصبح للشخص وعي ومعرفة بوجوده، وتصبح له معرفة أخلاقية بالجانب الأخلاقي، سواء تعلق الأمر بذاته أو تعلق بالآخرين، إذ يصبح الإنسان ذو معرفة بالجانب الأخلاقي في إطار من التداخلات والتصرفات الأخلاقية المحددة حسب عوامل البيئة والزمان .إذ يتوجب على الإنسان أن ينظر لنفسه نظرة الإحترام والتقدير، ونظرة الرغبة في التقدم والرقي وتصحيح الأخطاء وتداركها وتنقيح الشوائب والزوائل، كما يتوجب عليه في ذات الوقت ٱحترام الآخرين وعدم إهانتهم في إطار تفاعلي معين، إذ أنه على الإنسان تعزيز الجانب العقلي والواقعي في حياته الشخصية والجماعية التفاعلية مع باقي الأفراد والمجتمع.
فجعل الإنسانية غاية يعتبر مبدءا رئيسيا لدى كل ذات عاقلة، سواء كان تفعيل هذا الجانب مع الذات أو مع ذوات الآخرين، هذا بالإضافة إلى أهمية التأقلم والقيام بالواجب الإجتماعي كيفما كان صنف ونوع هذا الواجب، من عمل وٱحترام وٱلتزام بالوقت وتقدير الآخرين وغيرها… فكلها واجبات تصب في تيار تعزيز الوعي الجمعي والعملي للمجتمع، إذ كل عنصر يكمل الاخر بناءا على شروط وميكانيزمات شخصية وجماعية يقوم بها الفرد لوحده أو تقوم بها جماعة من الناس، فكل هذه الأدوار والعناصر والواجبات الإجتماعية هي التي تعطي للأفراد قيمتهم الوجودية في المجتمع.
*الإلتزام بالواجب
إن غياب الإلتزام بالواجب الاجتماعي تغيب معه قيمة الفرد، ويحس هذا الأخير بكونه عديم الفائدة وهو ما ينعكس سلبا على شعوره الداخلي بفقدان أهميته وقيمته داخل الوسط الإجتماعي ومع نفسه.
*محددات القيمة الإنسانية
إن أساس القيمة كجوهر وغاية يتحدد من عدة محددات من أبرزها الإلتزام الشخصي بالواجب المراد فعله، فٱلتزام الأفراد بالواجبات الأخلاقية رهين بأن يمدهم ويكسبهم الشعور بالقيمة، وهو أمر يساهم بدوره في تكوين وبناء حياة شريفة للأفراد داخل المجتمع.
بالإضافة إلى مبدأ آخر متعلق بتقدير الذات الشخصي، بمعنى ذلك الشعور الذي يعطيه الشخص لنفسه رغم كل الظروف والأحوال، فالإنسان غالبا ما يتعرض للعديد من التقلبات الحياتية التي قد تضعه في موقف مليئ بعدم الشعور بالرضى وربما ٱنعدام الشعور بالقيمة في الحياة الفردية والإجتماعية.
كما قد يحدث لهذا الإنسان أن يتجاوز كل هذه المشاكل والتصرف معها بطريقة طبيعية في حياته الجماعية، عن طريق الإلتزام بالمبادئ السابقة الذكر التي تعمل على تعزيز حضوره الجماعي، غير أن هذا الأمر إذا لم يكن مرفوقا بالتقدير الشخصي، فإنه سيؤدي إلى نتائج عكسية وسلبية على الفرد، معنى ذلك أن الإنسان في سعيه لإثباث وجوده وقيمته، لابد له أن يراعي شروط الوجود الجمعي بالإضافة لشروط الوجود الشخصي الذاتي كذلك، وهو ذلك الشعور بالقيمة الحقيقي( الذي ينبع من الذات وموجها نحو الذات) حتى لو تغيرت نوعية هذا الشعور.وبعبارة أوضح،فالإنسان عندما يقبل على فعل نشاط أو فعل ما، فقد يكون هذا النشاط إيجابيا وذا أهمية ودور فعال فينال بعدها الفرد رضى وثناء المجتمع والأفراد، غير أن مايهم في هذه النقطة هو كيف ينظر الفرد لفعله هذا، وكيف ينعكس هذا الشعور جراء هذا الفعل في ذاته ؟
القيمة الشخصية للفرد
هذا السؤال يعتبر سؤالا مركزيا يعكس كيفية نظر الفرد لذاته ولما يقوم به، فإذا كانت نظرته مليئة بالرضى على النفس فإن هذا يولد ( ينتج) شعورا كبيرا بالقيمة وشعورا دافعا للشخص نحو الإقبال على أمور أخرى أكثر إيجابية في حياته، فلاتهم درىجة الفعل ولاحجمه وإنما ما يهم هو درجة الرضى على الذات وتقديرها، مما يولد ذلك الشعور بالقيمة الحقيقية.
_إن عنصر وشرط القيمة الشخصية للفرد يعد أمرا لا غنى عنه، وله من الأهمية ما يؤثر على حياة الفرد. فلهذا الشعور ٱرتباط كبير بالجانب الأخلاقي والسلوكي على وجه التحديد، وبعبارة شاملة فالقيمة تتحدد من خلال سلوك الفرد الأخلاقي ومدى تقديره لذاته، وهو أمر يجعل من الإنسان شخصا واعيا ومدركا لأفعاله وسلوكاته، ومدى تأثيرها في شعور الفرد بقيمته الشخصية والإجتماعية.
إقرأ أيضاً:
البحث عن الذات دراسة في الشخصية ووعي الذات
ديل كارنيجي رائد تحسين الذات (الحلقة الثانية).. كتاب كيف تكسب الأصدقاء وتؤثر في الناس؟