سيدي الطبيب وأنت تخوص معركة دامية ضد هذا الوباء، معركة دخلتها أعزل الا من انسانيتك و ذلك المحارب الشجاع الذي في عقلك وانت في مواجهة مباشرة مع الموت أجبني ، ما سرّالموتُ ؟ ما سرّ هذا اللغز الموحش ،ما أثقل غربتي وما أقساها أنا الانسان، أعيش وحيدا و أرحل وحيدا دون سبب منطقي أفارق أحبابي دون أن أعلم عن مواجهتي للموت شيئا .
وحدك يا سيدي تعلم سرّ تلك التجربة العبثية العصيبة التي أخوضها في مواجهة الموت معركة لا يعلم مرارتها سوانا عندما أمسك روحي بين جنبيّ بكل غضاضة الحياة. وانت تدفع الموت عني بكل بسالة الاطباء . تجربة تحتدم فيها أشرس مواجهة وأقساها ، وكأنها تختصر كلَّ خبراتك وتجاربك الباهضة.
لغز الموت هذا مختلف في كلّ شيء، لا يحدث للإنسان إلا مرة واحدة ويحدث أمامك سيدي الطبيب في اليوم مرات عديدة . فشلك في انقاذي لا يضاهيه فشل رغم انك طبيب ناجح في كل حياتك. الموتُ هي المعركة الوحيدة التي تسقط كل نجاحاتك وشجاعتك وذكرياتِك وتجاربك القاسية مع بقية الموتى ، تجربة الموت حدثٌ متفرد على المريض متكرر على روحك المرهقة أيها الطبيب المعجزة
ما سرّالموتُ ؟
الموتُ انتصار مذهل للعدم رغم وجودك بكل ثقلك العلمي والانساني معي لحظة المعركة
يُسقط الموت كلّ الفوارق الفكرية والاجتماعية التي كانت بيننا ، وكلِّ عنصرية احتقارية فرضها الإنسانُ على بنيه من المستضعفين . في الموت أتوحد انا المريض وانت الطبيب رغما عنا، يشطب الموتُ عند وقوعه الأسماء والألقاب ويبقى الجواب عندك سيدي الطبيب المدجّج بالشهامة والانسانية أجبني بربك ما لغز هذا الموت المفزع ؟لماذا انتشر رغم انشتشارك بقوّة ؟
لماذا يُسكت هذا الوباء كلَّ براعتك ويسقط كل سنين تجاربك في الصمت والعدم ، تضيع عن معناها عند مداهمته كلُّ العلوم والبراعات ، كي نفهمَ ونتقبل معنى الموت لا بدَّ أن نمتلك قلبك يشرح لنا لغة جديدةً خارجَ سياق ما نعرفه من أجوبة..
الموتُ مأزق الطبيب أعلم، عند مواجهته تصمت كلُّ المساعي والأدعية والاحلام وتكف انت عن الرّكض و تعجز عن إسعافي لحظة موتي وتغرق في صمتك محاولا الصمود لموت آخر ، أموت أنا مرة واحدة وتموت انت مرات كثيرة وتصمد كي تؤخر رغم موتك موتي .
الإنسانُ كائن ضعيف قابل للكسر في كل لحظة يستحق العطف والرعاية رغم ذلك تجده مستهتر وهو يعلم انه لا يستطيع ان يخلّص نفسه من الفناء ، عزاءه الوحيد انه يلجأ اليك في كل مرة يواجه فيها هشاشته فهو ضحيةٌ لجهله بنفسه وضعفه وتلاعبه بمصيره.
الحياة ُ في حضرة الوباء انت سيدي الغالي لحظات كأنها وجود في ضيافتك. رغم ان الكل يرفضني انا الحامل للموت وحدك تقبلني بهشاشتي وحمقي ومرضي وعدواي. هم يخضون الحروب لأجل بقائهم وانت تخوضها لأجل بقائي. ان كل الناس بامتلاكهم للعقل يمكن أن يحملوا مشعل العلم ولكن قليلهم فقط يمكنه ان يمتهن الطب لانه صبر وعطاء وايثار.
وفي النهاية أسألك أيها النبي يا ملاك الرحمة ما سر هذا الموت الذي تحاول دفعه عني بكل ما لديك من حيل علمية وانسانية. إني أسألك يا سيدي ماذا يحدث لك كي تصمت وأصمت في نفس لحظة الموت؟