أماني عبد السلام طبيبة وشاعرة وكاتبة روائية لها أعمال قيمة، جمعت بين حس الشعراء المرهف، وقوة الألفاظ والتعابير النثرية، كتبت الشعر فأجادته وكتبت النثر فبرعت فيه!
وبين هذا وذاك لم تتخلى عن واجبها الأساسي وهو الاهتمام بالمرضى ورعايتهم.
معنا في حوار الأمنيات الكاتبة ” أماني عبد السلام ” التي خصتنا بتصريحات صحفية مهمة عن روايتها الجديدة” نجم خافت” الصادرة عن دار “نبوغ” للنشر والتوزيع وآخر أعمالها الأدبية ومشاريعها المستقبلية.
مرحبا بك معنا في لقاء الأمنيات
س:
هل يمكن أن تخبرينا بنبذة مختصرة عنك؟
اسمي أماني محمد عبد السلام مواليد الإسماعيلية عمري ٣٥ سنة
خريجة كلية الطب جامعة قناة السويس وحاصلة على درجة الماجستير في تخصص الأمراض الروماتيزمية ، متزوجة وأم لثلاثة أطفال…
بفضل الله تعالى أعتبر موهبتي الرئيسة هي الكتابة الأدبية، ولكن لي اهتمامات أخرى لم أجد لها فرصة مثل التعليق الصوتي مثلاً
س:
إلى أي مجالات الكتابة تنتمي كتاباتك؟
*كتاباتي الحالية تدور ما بين الرواية والقصة القصيرة، كتبت الشعر لفترة غير قليلة، ولكن أرى أن الكتابة النثرية تعطيني حرية أكبر في وصف دواخل النفس دون ارتباط بالوزن والقافية وبدون قيود.
* معظم كتاباتي في المجال الاجتماعي، وأظن أن هذا طبيعيا، فأنا طبيبة، وجل تعاملي مع الناس بكل اختلافاتهم وأستوحي قصصي من مشاكلهم اليومية وآلامهم ومشاعرهم، فالطبيب لا يكتفي بعلاج المرضى فقط!، وإنما يشعر بهم ويشاركهم ويستمع لهم، وهنا تنشأ علاقة إنسانية بين الطبيب والمرضى
س:
من قدم لك الدعم للدخول في عالم الكتابة والإستمرار به؟
* دوما ما كان الداعم الوحيد لكتاباتي هم (جمهوري الصغير) الذين قد لا أعرفهم معرفة شخصية، وبعضهم من زواري في العيادة، الذين أتفاجأ بهم يتابعون كتاباتي وتنال إعجابهم.
طبيعة عملي كطبيبة كانت تجعل الأسرة تصب اهتمامها على حياتي العملية وتعتبر الكتابة ( تضييع للوقت)..
* في بداية مشواري في كتابة الشعر تلقيت بعض الدعم من نوادي الأدب بقصر ثقافة الإسماعيلية ومراكز الشباب، ولكن إنشغالي بالدراسة والعمل ثم الزواج كل ذلك جعل التواصل معهم صعباً، فاعتمدت على الله ثم على نفسي لتنمية موهبتي وصقلها ، ومؤخرا مجموعات الكتاب على فيسبوك.
س:
ماذا تمثل لك الكتابة؟ لماذا تكتبين؟
* الكتابة هي نعمة غالية من الله عز وجل، فأنا في الواقع إنسانة خجولة بطبعي، وليس لي شقيقات، وكان لي عدد قليل من الأصدقاء، لكننا تباعدنا بسبب مشاغل الحياة، لذلك كانت الكتابة هي مصب هذا الكم الهائل من المشاعر والأحاسيس والأفكار التي أضمها في قلبي، ولم أجد من يشاركني إياها!.
* كنت أكتب مذكراتي منذ كنت في المرحلة الإبتدائية، ومؤخرا وجدت في كتابة الرواية بالذات شخصيات أختفي خلفها، وأقول كل التناقضات وكل المشاعر والتجارب الشاقة التي مررت بها دون أن أجرؤ على الحديث عنها، لذلك أعتبر شخصيات رواياتي كأنهم أبنائي، أذكر إنني بقيت ليومين كاملين أبكي عندما اضطررت لختم إحدى رواياتي بوفاة البطل!….
س:
ذكرت كتابتك للشعر وحبك له، فمن هو الشاعر المحبب لقلبك؟
أول من أحببت من الشعراء كان أمير الشعراء “أحمد شوقي” ، وما أثار اهتمامي هو أننا نتفق في تاريخ الميلاد (١٦ أكتوبر) وهذا كان مثار فخري دائما.
أحب أيضاً أشعار “نزار قباني” مع بعض التحفظات، أهم ما يميزه أنه بسيط، ويصل إلى قلوب عامة الناس بسهولة، ويزيل الحواجز بين الناس وبين اللغة العربية.
س:
من هو مثلك الأعلى من الكتاب القدامى والمعاصرين والسبب؟
* مثلي الأعلى من الكتاب هو الكاتب نجيب محفوظ، ففي الحقيقة أتعجب من كتاباته!، كم هي بسيطة ومأخوذة بصدق من الشوارع والبيوت وخاصة أنه يعتبر أفضل من وصف الحارة المصرية بأدق تفاصيلها، جعلنا نشتم رائحة الحارة المصرية ونتعايش مع الشخصيات بمنتهى السلاسة ، وفي الوقت ذاته تعتبر كتاباته عميقة و تحلل النفس البشرية وتتوغل في أعماقها .
* من المعاصرين أحب الكاتبة الرقيقة “دعاء عبد الرحمن” ، كنت أتابع مشوار كفاحها منذ رواياتها الأولى، وهي الكاتبة الوحيدة التي مست قلبي وشعرت أن رواياتها تقص حكاوينا أنا وصديقاتي، وبيتي وأفكاري، أتمنى لها كل التوفيق في روايتها الأخيرة “قلب الطاووس”.
س:
ما هي الرواية الأقرب لقلبك؟
الرواية الأقرب لقلبي، وهي رقم واحد بالنسبة لي، هي رواية “اكتشفت زوجي في الأتوبيس” للكاتبة “دعاء عبد الرحمن” ، وأنا مستعدة لقراءتها عدة مرات.
أما الأقرب لعقلي والتي أحتفظ بها في مكان مميز بمكتبتي فهي رواية “الطنطورية” “لرضوى عاشور” (رحمة الله عليها ) ، فهي كاتبة مخضرمة وأعمالها مميزة جدا وخاصة “الطنطورية” فقد لامست قلبي كثيرا.
س:
ما رأيك في الأقلام النسائية الموجودة على الساحة الأدبية هل استطعن إثبات هويتهن الكتابية أم لا؟
ومن الأقوى أدبيا من وجهة نظرك سواء كاتب أو كاتبة؟
لا أستطيع الحكم جيدا على كل الأقلام الموجودة في الساحة حاليا، ولكنني حتى الآن رغم حبي للكتابة النسائية لم أجد المستوى الذي أرضى عنه، قد أجد عملا محكما لغة وحبكة ولكن السرد ممل للغاية، وقد أجد رواية مشوقة و لطيفة وحبكتها مدهشة ولكن اللغة تحتاج للكثير من التحسن، وليس من الإنصاف المقارنة بين كاتبة شابة في بداية مشوارها الأدبي أو حتى منتصفه بكاتبة مخضرمة مثل “رضوى عاشور” فهي بالنسبة لي ( أيقونة الكتابة النسائية) .
من أقوى الأقلام الشابة التي قرأت لها هي (دكتورة خولة حمدي) ..
س:
من وجهة نظرك ما هي الأدوات التي يجب أن يمتلكها الكاتب؟
* يجب على من وجد لديه موهبة الكتابة أن يبدأ فوراً بدراسة اللغة العربية ، على الأقل علم النحو والصرف و علم البلاغة، هذه الثلاثة كافية لأن يتحول الكاتب من مجرد (كاتب خواطر) مثل ملايين الشباب تنتهي خواطره بإنتهاء مرحلة المراهقة إلى كاتب له وزنه وقيمته.
* الأداة التالية هي القراءة النهمة الشاملة ، وفي المجال الذي يحب الكتابة فيه بشكل خاص، و في المجالات الأخرى التي تكمل تجربته الأدبية.
س:
كيف يستفيد الكاتب من القراءة في أعماله؟
الفارق بين الكاتب وغيره هو أن الكاتب لا يقرأ للمتعة فقط ، بل تصبح القراءة جزءا من وظيفته اليومية ، فالكاتب يجب أن يخصص وقتا للقراءة وأن يعتبر نفسه طالبا وله منهج لابد أن ينتهي منه ، وأيضا عليه أن يختار الكتب التي تضيف إليه، فللأسف نجد العديد من الكتب ( ورائجة جداً) ولكنها في الحقيقة مضيعة للوقت،.. الكاتب الذي يريد أن يرسخ قدمه في عالم الكتاب التنافسي جدا عليه أن يتجنب كتب المراهقين، الروايات ذات اللغة المهلهلة، ذات الحبكات المبتذلة المصممة فقط للإثارة، ودوما ما أنصح بالبدء بالكتاب القدامى، فكتبهم تحتوي على الكثير من الإفادة من حيث السرد والحوار والحبكة…. ، فبهم تعرف الجيد من الرديء.
س:
ما هي أعمالك المنشورة سواء إلكترونيا أو ورقيا؟
لدي رواية واحدة منشورة ورقيا، صدرت عن دار نبوغ للنشر وهي رواية ( نجم خافت)، وفيها جمعت بين الرواية والشعر
ونشر لي أيضاً قصة قصيرة بعنوان ( سجينتان) في كتاب ( الوصول) صادر عن دار كيانك للنشر وقصة قصيرة بعنوان ( ليالي ٩٢) في كتاب (شبيه الروح) عن دار يوركا للنشر،
ولي روايتان منشورتان إلكترونيا هما ( قضبان من زجاج) عن دار (رقمنة الكتاب العربي) ومتاحة على موقع عصير الكتب وعدة منصات أخرى ، ورواية ( سلاسل وأجنحة) على موقع (مكتبة نور)…
س:
ما الذي ألهمك لكتابة رواية “نجم خافت”؟
كتاب “نجم خافت” بالنسبة لي كتاب يحكي عن قصة حب كنت قريبة جدا من أبطالها عندما كنت في الكلية، حتى إن الأماكن والأحداث في الرواية كلها موصوفة بشكل مطابق لما مررت به في كليتي، لذلك يمكن إعتبارها توثيق لأحداث عايشتها من قبل وصبغتها بصبغة الأدب ومؤخرا خرجت للنور وتواجدت في معرض القاهرة الدولي للكتاب هذا العام.
س:
ما سبب اختيارك لهذا الاسم؟
“نجم خافت” هو كناية عن الفتاة الشديدة الحياء التي تخفي تحت حيائها شخصية مميزة ونادرة و تثبت نفسها بمجرد أن تأتيها الفرصة.
س:
ما الذي أردت مناقشته في روايتك “سلاسل وأجنحة” ؟
رواية “سلاسل وأجنحة” تناقش قيمة الحرية بكل معانيها وجوانبها، تكلمت عن قيود العائلة وقيود المجتمع وقيود الحب، وكان ضرورياً جدا أن أحكي فيها عن ثورة يناير ٢٠١١ التي علمت جيلا بأكمله معنى الحرية بشكل لا أعتقد أنه سيُنسى أبدا.
س:
ما هو الفرق بين النشر الورقي والنشر الإلكتروني من وجهة نظرك؟
* النشر الورقي يعطي قيمة ووزنا للكتاب مهما تجادلنا في أن الكتب الإلكترونية أكثر انتشارا في الوقت الحالي، فإن القارئ الذي يحترم الكاتب والمحتوى يسعى لإمتلاك الكتاب الورقي ولو قرأه مسبقا إلكترونيا.
* النشر الإلكتروني يضمن انتشاراً أوسع للمحتوى لذا هو مناسب للكتاب في بداية مشوارهم ، ولكنه يحتاج لمجهود وصبر حتى يصبح المحتوى ملفتا للإنتباه وسط آلاف الكتب المنشورة وفي مجتمع من الشباب أصبح يميل للإختصار والسرعة ويفضل المحتوى المرئي ولا يجذب انتباهه إلا كتاب قوي وجذاب ويمس حياته وأفكاره ، في هذا الوسط لن يصل للقمة إلا من يقتل نفسه عملا على تقوية إنتاجه الأدبي.
س:
كونك نشرت الكترونيا من قبل فهل حقق لك الصدى الذي كنت تتوقعين أم لا؟
حتى الآن لا، فكما ذكرت سابقا أن الأمر يحتاج لكثير من الصبر، وكثير من الدعاية وأنا أصبحت ناضجة بما يكفي لأتعلم الصبر على الثمرة حتى تنضج وتؤتي أكلها.
س:
الكتاب يشتكون من سوء المعاملة من قبل دور النشر ودور النشر تشكو من سوء الحال، برأيك من المسؤول عن تدني الحال بالنسبة للوسط الأدبي في عصرنا الحالي؟
* كل من دور النشر والكتاب ( الكثير منهم حتى لا أعمم) يسعى للكسب فقط، فالكاتب الذي ينشر أعماله بمقابل مادي يتعامل مع كتابه كمشروع ينتظر منه مكسبا، خاصة وأن غالبيتنا ككتاب لسنا أثرياء!، ونجمع تكاليف نشر الكتاب بصعوبة، وعلى الجهة الأخرى دار النشر تبحث عن اسم معروف تضمن أن تختفي كتبه من السوق فور صدورها، فاسم الكاتب وخصوصا إذا كان من المشاهير ولديه عدد كبير من المتابعين، هو من يضمن بيع جميع النسخ وليس المحتوى! ، أيضا التعاقد مع أكبر عدد من الكتاب بغض النظر عن المحتوى، وبغض النظر عن جودة المخرج وعدد النسخ
إذن فالهدف هنا هو المكسب المادي، وليس الإرتقاء بالثقافة العامة والأخلاق ونشر الوعي، فلا تتوقعي حالا جيدا إلا لقليل من دور النشر التي تختار الكتاب بعناية وتعطي الفرصة لمن يستحقها وعن جدارة، ولا أمانع من مساهمة الكاتب في ثمن نشر كتابه ولكن هذا لا يعني أن يتم استعباد الناشر له وضياع حقه!..
س:
ما الذي تحضرين له حاليا؟
أنا منشغلة حاليا في كتابة رواية جديدة، ومنشغلة أيضاً في قراءة أكبر قدر من الكتب، لأكون قادرة على خوض المنافسة الأدبية خلال سنوات قليلة ولأكون على قدر توقعات قرائي، فالقراءة هي سلاح الأديب الذي يسعى للتطور والتجديد، وأيضا تجعله يمتلك ذخيرة لغوية لا بأس بها.
س:
لمن تهدين أعمالك؟
أمي (رحمة الله عليها) ، فقد ورثت عنها حب القراءة، مكتبتها العامرة هي السبب فيما وصلت له اليوم بعد( الله عز وجل) ، دعواتها لا تزال سنداً لي في كل انكسارة تقف في طريقي، استوحي من شخصيتها الجميلة شيئا في كل رواية أكتبها.. لقد قر الله عينها برؤية أول كتاب لي، ولكنها توفيت رمضان الماضي.. أدعو الله أن اكون بكل خير فيّ إن كان فيّ اي خير في ميزان حسناتها
س:
ما هي أحلامك وتطلعاتك للمستقبل؟
حلمي الوحيد هو أن أترك أثراً، وأن أغير فكرة خاطئة نشأت عند أحدهم، وأن أضمد جرحاً بقدر ما استطعت، وأن أواسي وحيداً، وأن أترك كتابا عندما يقرأه الناس بعد سنوات كثيرة يدعون لي بالرحمة، لأنني استطعت إفادتهم بكتاباتي، وأتمنى أيضاً أن أنال ذات يوم واحدة من جوائز الكتابة العربية الكبرى مثل جائزة “البوكر العربي” أو جائزة “نجيب محفوظ”، ولكنني لا أتعجل هذا، فحب الناس ووصولي لقلوبهم هو الجائزة الحقيقية التي أسعى لها دائما وقبل هذا كله رضا الله تعالى عن أعمالي.
ختاما نتمنى لك التوفيق.
نترككم مع باقة مميزة من كتاباتها.
. “اقتباس”:
“أخذت( ندى)( مصطفى ) الصغير و جلست في بهو الفندق بعيداً عن الضوضاء و عن الزحام و عن( خالد ) الذي بدا ساحراً في حُلتهِ السوداء. لم تختلف (ندى) عن أي يوم. لم تستأجر ثوبَ سهرةٍ لامعاً و لم تُشبك حجابَها بكثيرٍ من الدبابيس و لم تلطخ وجهها بلونٍ يثيرُ حكةَ بشرتِها الطفولية.
تتمنى لو فعلت هذا كلَه و لكنها اختارت طريقها منذ زمن و لن تحيدَ عنه. هي ترى الدنيا مثلَ هذا الحفلِ الكبير جداً ، سَرعانَ ما ستنطفئُ أنوارُهُ و يرحلُ زُوارُه و تبقى حقيقته كثُفل الشاي، أسودَ ، مظلمٍ ، و عديمِ القيمة. تدخرُ الثيابَ الجميلة َ و أدوات ِ الزينةِ للرجل الذي سيختارُه اللهُ زوجاً لها. الرجلُ الذي سيضمدُ جروحَها و يرأبُ صدوعَها. هو الرجل الذي تحافظ على حقِّه قبل أن تعرفَ من هو. ليته يأتي !”.
#أماني_عبد_السلام
” الوديعة”
انتهت لتوها
أصابعُها تقرَّحت من نسج الخوصِ نعم، و لكن النتيجةَ جيدة..
لا تبك يا صغيرُ ،أنا هنا !
اخفض صوتك يا صغيريَ الأسمرَ الجميل..
لو سمعوا صوتك لن يرحمونا ..
تنظرُ إليه تملأ عينيها منه و هو يرضعُ في سكينة ..
أنا وطنك يا صغيري و ليتني ما كنت!
أنا وطنك الذي مُلئ خوفاً و حروباً..
تمنت لو عاد إلى رحِمها .. إنه المكان الذي كانت تأمن عليه فيه.. تتألم هي و لكن ليبق هو بأمان.
أماني عبد السلام
…
صرخاتٌ و فوضى و خطواتٌ ترجُّ الأرض ..
إن طفلاً يُذبحُ في الجوار !
شعرت بيدٍ من ثلجٍ تعصِر حشاها ..
قطعت عن الطفل رضعتَه الهانئة و هبّت تضعُه في تابوت الخوص و اندفعت من الباب تتجه نحو اليم مُخلِّفة ولديْها الفزعيْن يبكيان
ابقيا..سأعود..
أماني عبد السلام
….
هذا الصغير لابد أن يعيش..
اللهم اجعل صغيري هذا غُصةً في حلق ذلك الملعون..
ماذا تفعل؟! و لماذا ؟! كيف أطاعها قلبُها على فعل هذا ؟!
إن شيئاً يخبرها أن النهرَ أكثرُ أماناً من حِضنها.
شيءٌ يخبرُها بأنه سيعود .. و أنه سيكون غصةً في حلق فرعون..
تركت التابوت و فيه قلبَها على سطحِ الماءِ و ابتعدت
أستودعك اللهَ يا ثمرةَ فؤادي
أماني عبد السلام
…
تشعرُ كأنَّ جيشاً من الشياطين يجتاحُها
يطعنونها من كل صوب بعشرات الاحتمالات المرعبة ..
يغرقونها بأطنان من اللوم و التبكيت..
لربما انقلب التابوت في الماء !
لربما التهمه تمساح من تماسيح النيل !
لربما لقيَه الجنود و هو يرقدُ الآن في مفصولَ الرأس !
الحليب يغرقُ ثيابَها كلما فكرت في الصغير
إن قلبها يسمع صوت بكائه قبلَ أذُنيها
…..
أرسلَت أختَه تقصُّ أثرَه و لم تعدِ الفتاةُ بعد ..
و هي تمكثُ في البيت كجسدٍ غادرته الروح..
انتفخت عيونها بالدمع
تحاولُ أن تبدوَ قويةً و لا تعلمُ أن الذي يكتُمُ دمعَه يبدو أسوأ حالاً و أدعى للرثاء.
لا مفر .. إن هذا البيتَ قائمٌ على قوتِها و جَلَدِها
ليس مسموحاً لها بالانهيار..
هي تعلمُ أن الشيطانَ يرقصُ طرباً في أوقاتٍ كهذه ..إن لم يجد سبيلا ليشكِّكَها في ربِّها فسيجعلُها تشكُّ في ذاتها و في استحقاقها للرحمة. سيجعلُها تجلدُ نفسَها حتى الموت.
قالت لنفسِها فجأةً : يا مسكينة ! و منذ متى كنتِ تحفظينه أو ترزقينه؟
أحست و كأنها أصابت الشيطانَ في مقتل. .و كأنها تراه يقف مذهولاً و قد انغرست الكلمات القليلةُ في لحمهِ -لو كان له لحمٌ- كخنجرٍ من يقين.
رفعت يديها لمن تركت صغيرها وديعةً عنده
يارب..من لهذا الضعيفِ الطاهرِ سواك؟!
و من لهذه الضعيفةِ المذنبةِ العاجزةِ سواك؟!
و من لهؤلاء الضعفاء الأذلاء سواك؟!
تنزلت الرحمة ..و نزلت دموعُها .. و سكنَ قلبُها ،و لو لبعض الوقت..
أماني عبد السلام
….
طَرقاتُ ابنتها الصغيرة تكاد تزغرد على الباب المتهالك
أماه أبشري ! الصغيرُ حي !
لقد كان النهرُ أكثرَ أماناً من حِضنِها
و كان بيتُ فرعونَ أكثرَ أمانا من رحِمِها !!
كان وديعةً عند الله .. من ذا الذي يضيعُ عنده ؟!
أماني عبد السلام
…..
تخطو إلى القصرِ بخطواتٍ مرتعشة
ترى الصغيرَ من بعيد..
الصغيرَ الذي دان لها بالوفاء ، و رفض كلَّ أمٍ سواها حتى أنهكَه البكاء.
عاد الصغيرُ إليها .. ضمته حتى ارتوَت..
أرضعته فكأنما عادا قلبين في جسد كما كانا منذ شهور قليلة …
و كأنَّما توقفَ الزمنُ و اختفى الناسُ .. يتمتمان بحديث شوقٍ سريّ بلغةٍ لا يفهمها سواهما ..
ذرفت دموعَ الشكر صامتةً
لقد كان وديعةً عند الله.. من ذا الذي يضيعُ عنده؟!
أماني عبد السلام