نَكتب لنحيا ويُخلدُ ذِكرنا، في مضامير الحياة المُختلفة تتناثَر أوجاعنا لكنها تنجلي بالكتابة ويكأنها ما كانت، لكلٍ منا أدبٌ من نوع خاص ولو خُط بذات القلم، اليوم يحدثنا الكاتب إسلام محمود حلمي عن عمله الروائي الأول “الأشيب”.
إسلام محمود حلمي أبلغ من العُمر 23 عامًا.
ولدت ونشأت بقرية” الضهرية” التابعة لمدينة “إيتاي البارود” بمُحافظة “البحيرة”.
درست في كلية الشريعة والقانون وحاليًا أدرس بمعهد عالي للحاسب الآلي وتكنولوجيا المعلومات.
شاركتُ في العديد من الكُتب المُجمعة: في الخواطر والقصة القصيرة وأخيرًا الرواية.
نشر لي العديد من الخواطر والنصوص علىٰ جريدة البحيرة اليوم ودسك البحيرة وأيضًا حكاية كاتب. هنالك أيضًا العديد من القصص القصيرة علىٰ مواقع التواصل الاجتماعي ومنهم قصة بوتاجاز.
ومن ثمَ عملي الورقي الأول روايةٌ تحت عنوان” الأشيب”.
_ نحن لا نختار طريق الكتابة بل هي من تختارُنا، إما أن تولد كاتبًا وتنمو لديك آفاقها وإما فلا، لا أحد يعلم كيف ساقتنا الأقدار إلى هنا، لكننا نعلم جل العلم أن الإبداع دفين جوارحنا.
كيف بدأت مسيرتك في الوسط الأدبي؟
كانت البداية محضُ صدفة لم يتوقعها أحد.
فلتسمحي لي بالعودة بالزمن قليلًا للخلف؛ فقد اكتشفت الأمر حينما كُنت مُكلفًا بكتابة موضوعٍ عن الحضارة المصرية بالصف الأول الإعدادي.
لا أخفي عليكِ سرًا أنني وجدتني بين الأوراق؛ فلقد لجأت للكتابة لأني بطبعي شخصٌ يفضل الهدوء علىٰ الحديث، كتومٍ لدرجة كبيرة، لربما كان ذلك دافعًا لبعض الصعوبات الاجتماعية، لكنه دفعني للكتابة بطريقةٍ أو بأُخرىٰ، لقد كان لي نظرة مختلفة عن أقراني منذ الصِغر.
بدأت بالكتابة بسنٍ لربما مبكر، في المرحلة الإعدادية بالتحديد، بدأت أكتب الخواطر وأجسد علىٰ الورق يومًا كاملًا عشتُه بطريقةٍ مختلفة، حينها أقنعني أحد الأصدقاء أن أنشر تلك الخواطر علىٰ منصات التواصل الاجتماعي المُختلفة وبالفعل نالت إعجاب القُراء.
بمرور الوقت شرعت بكتابة القصص القصيرة والمسرحية ثم الأدب الروائي، أحببتُ الرعب النفسي؛ أجد به ما حدث بالفعل، الأساطير القديمة، الحكايات المجتمعية والماورائية وأيضًا القصص الروحانية ومن أبرز كتاب الرُعب النفسي الذين أحبهم الكاتب “ستيفن كينج”.
من أبرز مؤلفاته التي تأثرت بها روايتي “المعهد والوميض”.
بمرور الأيام كانت تتغير نظرتي للكتابة؛ فالكتابة لا تقتصر علىٰ شخص بعينه لا تعني الربح ليست سردًا للمشاعر والمشكلات الشخصية علىٰ الأوراق وجدتُ بها رسالة أسمىٰ من ذلك بكثير، الكتابة نفعٌ ومنفعة تسرد للبشر ما يعانون منه لينجلي وما يفيدهم ليتعلموا منه، ما يأملونه ليتحقق وما يتألمون منه فتُمحىٰ آلامهم، طرحٌ لما يصيب المجتمع من مشكلات لإيجاد حلول لها، للقلمِ رسالةٌ وإن لم تكن نافعة لا يحق وجوده.
_ أحيانًا ما تدفعنا الحياة لسلك دروبٍ لم تكن بحُسباننا يومًا، دروبٌ بلا ملامح وبلا أبواب لنعبر خلالها، نكون مرغمين علىٰ التراجُع عما نحب رغم أنوفنا، فنحاول فقط أن نصل بسلامٍ وبلا خدوش.
فهل تراجعت يومًا عن الكتابة وقررت تركها مرغمًا؟
لم أتراجع يومًا فالكتابة تعني لي الحياة، لا حياة بلا كتابة، لكن كعادة الإنسان يعتريه لحظات انطفاءٍ وفقدان شغف بين الحين والآخر. أيضًا واجهت الردع من الأقربين فكان لا بد من المُحاربة للتمسك بالقلم، لكن للنهاية سأظل متشبثًا بما أحب مهما واجهت.
_ “قيمة الحياة تظهر باقتراب الموت”.
كان هذا وصف روايتك الأولى الأشيب فكيف بدأت كتابتها وعما تتحدث بين ثناياها؟
جاءت النهاية مبهمة لتتحدىٰ خيال القارئ فهل تخطط لجزءٍ ثانٍ؟
بدأتُ كتابتها حينما وضعتُ ذاتي أمام ذاتي.
أتحدث بين سطورها عن التضحية المُفرطة، فمن الممكن أن يخسر الإنسان أشياء كثيرة لأجل أمرٌ ما يريد الوصول له، معرفة كانت أو غيرها.
فحين يضع المرء المتعمق هدفًا يصل إليه دون اكتراث لما يضحي به من أجل الوصول وعندما يصل يندم أشد ندم على ما فقده، ولكن لقد وضعت نظرية مختلفة فماذا بعد الوصول والمعرفة والتضحية يجد أن من وقعوا ضحية كانوا يستحقون هذا.
تطرح روايتي بعض الأسئلة؛ ومنها هل إن وضع الإنسان تحت ضغوطٍ وفروضٍ ومساومات بأغلى ما يملك سيتغير معدنه، سيتجرد من الشخص المتشبث بالمبادئ الصالحة، سيظل هكذا، أم سينجرف داخل دوامة الإسفاف المحيط؟
لن أجاوبك عزيزتي فلكِ الإجابة، ولكِ أن تضعي نفسك في هذا المقام.
أو لنترك” للأشيب” رفاهية الإجابة.
نعم هُنالك جزء ثانٍ، لكنني أعمل علىٰ كتابة رواية أُخرىٰ الآن.
_ يُعطي البعض الحُكم المُطلق علىٰ الكاتب من عمله الأدبي الأول، فلو حدث وكان ضعيفًا ينفرون من باقي أعماله دون النظر بها.
كيف ترىٰ هذه الظاهرة؟
وهل أصحاب هذه الرؤية علىٰ حق من وجهة نظرك؟
أرىٰ أن العمل الأول هو التجربة الأولىٰ، فمهما كانت مكتملة فينقصها الخبرة، الخبرة تكتسب بعد العمل الأول.
لا يحق لهم ذلك، يمكنهم الحكم علىٰ الأسلوب، وأرىٰ أن الأسلوب يتطور للأفضل ربما من عمل لآخر، فمهما كان مستوى العمل الأول فما يعقبه يكون أفضل بكثير.
ما مقومات نجاح العمل الروائي من وجهة نظرك؟
الفكرة الحديثة المختلفة، رسالة العمل الهادفة، القيمة الإبداعية الموجودة به وبالأفكار، أيضًا البُعد عن المألوف والخروج عن أسر الأنماط المُتداولة.
_ بعض دور النشر لديهم سياسات صارمة في التعامل مع الكُتاب الجُدد.
ما المصاعب التي واجهتك أثناء نشر كتابك الأول؟
وكيف تخطيتها؟
الكثير من دور النشر لا يهتمون بقيمة العمل قدر اهتمامهم بالمال، فبعض دور النشر حين أرسلت لهم العمل أشادوا به وقالوا ينقصك شيء واحد! “الشُهرة”
ودور أخرىٰ تطلب مبالغ طائلة لكي ينشر العمل.
المصاعب كانت بشيء واحد وهو إشادتهم جميعًا بالعمل، لكن هناك سياسة تمنعهم، أي سياسة هذه؟
السياسة هي الاستفادة فقط لا الاستفادة والإفادة، لن أطيل في هذا، وتلخيصًا الفئة هذه من الدور تندرج تحت سقف واحد وهو الربح.
الأدب أصبح سلعة بين أيديهم.
استمر الأمر حتى وصلت إلى دار البشير.
_ لا بد أن يكون للكاتب قراء علىٰ الصعيد الشخصي، وبدون أسلوبه المُنفرد بذاته لن تجده يتقدم لو خطوة للأمام.
أترى الجمهور هم العامل الأول في نجاح العمل الروائي أم أسلوب الكاتب؟
الاثنين معًا لا يفترقان، لا نجاح دون جمهور، ولا نجاح دون أسلوب منفرد وأعمال مميزة غير مألوفة.
وهنالك عامل خفي فرضته سياسات دور النشر وهو رُغم قوة المحتوىٰ “المال”. فأصبح نجاح العمل الروائي بل خروجه للنور مقرونًا به.
_ “دار البشير” وقع اختيارك عليها لنشر عملك الأدبي الأول.
فما الذي دفعك لاختيارها عوضًا عن دور النشر الموجودة علىٰ الساحة؟
لأن الدور البارزة تتطلب أمور من المستحيل وجودها، يتعاملون وكأنه قد وقع بين أيديهم مصباح ٌسحري.
علىٰ خِلاف دار البشير.
فهي دارٌ جميلة تُقدر القيمة الأدبية ولا تنظُر لأرباح كما تنظُر للمحتوى، وهل هذا العمل يستحق أم لا؟
وقد كانت بداية الكاتبة حنان لاشين مع دار البشير.
_ “الكتابة وُجدت من رحمِ القراءة”.
ما مدى صحة هذه العبارة من وجهة نظرك، وكيف للقراءة أن تكون ملاذًا للكاتب؟
صحيحة لدرجة كبيرة، فكما أن العربة لا تقوىٰ علىٰ السير بلا وقود، ولا يمكن للبشر الحياة بلا ماء، فالقراءة زاد وماء الكُتاب، بدونها ستتكرر الأفكار وتنحصر تحت مُسمىٰ واحد.
_ قدم بعض النصائح لكُتاب الوسط الأدبي بهذه الفترة؛ لكي يبتعدوا عن الرتابة وتكرار الصور.
من أين يكون لهم أسلوب مميز منفرد بذاته، بعيدًا عن التكلف والتشابه؟
لا تنظر للكاتبة أنها مصدرٌ للربح، لا تُفكر بالشهرة، فقط اكتب لذات الكتابة لتكون صاحب رسالة.
ستصل لكل شيء إن فكرت في تطوير ذاتك وأن يكون قلمك نافعًا، لا تنتظر الوصول السريع لأن الوقوع أسرع.
اجتهد ولا تنظر لوقت لتصل وبقدم ثابتة.
_ في النهاية وجه نصيحة لأولياء الأمور الذين يرون في الكتابة مضيعة للوقت ونِدًا للدراسة ومهام الحياة الأُخرىٰ؛ فيمنعون أولادهم عنها، عِوضًا عن تشجيعهم على المُضي.
علىٰ أولياء الأمور، النظر بعين أخرى ليس بعين جيلهم أو أيامهم، فمن الأخطاء الشائعة للآباء في وقتنا هو تطبيق ماضيهم على حاضر أبناءهم، سيدي الفاضل لا تُكبل أحلامهم ما داموا لم يقصروا بواجباتهم، لا تمحي آرائهم لا تضعف شخصياتهم، ادعمهم ليكملوا طريقهم دون أن تغفل عنهم، لدعمك لهم لذة أُخرىٰ لا يضاهيها لذة دعم أحدٍ غيرك.
للمزيد: