شعر نزار قباني : بين الرومانسية والسياسة هل استطاع هذا الشاعر إيصال مشاعره الجياشة بكل سهولة لكل من قرأ دواوينه، نعم فقد تربى في أسرة أصولها تربى على الابداع عربية دمشقية الأصل، فقد كان جده أبو خليل القباني وهو من رواد المسرح العربي، وعند وصوله سن الـ 21 قام بإصدار أول دواوينه والذي كان بعنوان “قالت لي السمراء”، واستحوذت كلاً من بيروت ودمشق مكان كبير في قصائده، وقد قام بتأسيس دار النشر منشورات نزار قباني، وعند حلول عام 1967 أو ما سماه العرب بالنكسة أحدثت تلك الحرب تحولاً في حياته ليتحول من شاعر الحب والمرأة الى الكثير والكثير من الكتابات السياسية ولعل كان أهمها في تلك الفترة قصيدة “هوامش على دفتر النكسة”، وسوف نسترسل العديد من تلك القصائد ما بين الحب والسياسة، علاوة على بعض المقتطفات الرائعة له.
غزل نزار قباني في الجمال
تميز شعر نزار قباني بالسهل الممتنع فمثلا قصيدة الصمت في حرم الجمال جمال بجمعها الكثير من المعاني التي جعلت القارئ عند قرائتها لا يمل ويغلق الديوان، بل تشده كافة الكلمات وتناسقها، وقد قام الفنان العراقي المغني والملحن كاظم الساهر بغنائها لينتج عنها أغنية في غاية الروعة والجمال، فتقول:.
قُلْ لي – ولو كذباً – كلاماً ناعماً قد كادَ يقتُلُني بك التمثالُ مازلتِ في فن المحبة طفلةً بيني وبينك أبحر وجبالُ لم تستطيعي، بَعْدُ، أن تَتَفهَّمي أن الرجال جميعهم أطفالُ إنِّي لأرفضُ أن أكونَ مُهرّجاً قزماً على كلماته يحتالُ فإذا وقفت أمام حسنك صامتاً فالصمتُ في حَرَم الجمال جمالُ كَلِماتُنا في الحُبِّ تقتلُ حُبَّنَا إن الحروف تموت حين تُقال قصص الهوى قد أفسدتك .. فكلها غيبوبةُ .. وخُرافةٌ .. وخَيَالُ الحب ليس روايةً شرقيةً بختامها يتزوَّجُ الأبطالُ لكنه الإبحار دون سفينةٍ
وشعورنا أن الوصول محال هُوَ أن تَظَلَّ على الأصابع رِعْشَةٌ وعلى الشفاهْ المطبقات سُؤالُ هو جدول الأحزان في أعماقنا تنمو كروم حوله .. وغلالُ.. هُوَ هذه الأزماتُ تسحقُنا معاً .. فنموت نحن .. وتزهر الآمال هُوَ أن نَثُورَ لأيِّ شيءٍ تافهٍ هو يأسنا .. هو شكنا القتالُ هو هذه الكف التي تغتالنا ونُقَبِّلُ الكَفَّ التي تَغْتالُ لا تجرحي التمثال في إحساسهِ فلكم بكى في صمته تمثالُ قد يُطْلِعُ الحَجَرُ الصغيرُ براعماً وتسيل منه جداولٌ وظلالُ إنّي أُحِبُّكِ من خلال كآبتي وجهاً كوجه الله ليس يطالُ حسبي وحسبك أن تظلي دائماً سِراً يُمزِّقني .. وليسَ يُقالُ.
قصيدة حب أعمى أو أتحبني وأنا ضريرة
قالت له: أتحبني وأنا ضريرة وفي الدنيا بنات كثيرة الحلوة والجميلة والمثيرة ما أنت إلا مجنون أو مشفق على عمياء العيون قال: بل أنا عاشق يا حلوتي ولا أتمنى من دنيتي إلا أن تصيري زوجتي وقد رزقني الله المال وما أظن الشفاء محال قالت: إن أعدت إلي بصري سأرض بك يا قدري وسأقضي معك عمري لكن… من يعطيني عينيه وأي ليل يبقى لديه وفي يومٍٍ جاءها مسرعاً ابشري قد وجدت المتبرع وستبصرين ما خلق الله وأبدع وستوفين بوعدك لي وتكونين زوجة لي ويوم فتحت أعينها كان واقفا يمسك يدها رأته… فدوت صرختها.. أأنت أيضا أعمى!؟؟ وبكت حظها المشئوم لا تحزني يا حبيبتي ستكونين عيوني ودليلتي فمتى تصيرين زوجتي؟
قالت أأنا أتزوج ضريرا..! وقد أصبحت اليوم بصيرة فبكى… وقال سامحيني من أنا لتتزوجيني ولكن قبل أن تتركيني أريد منك أن تعديني أن تعتني جيدًا بعيوني.
شعر نزار قباني عن الحب قصير
علاوة على هذا كتب نزار الكثير عن قصائد الحب فكان منها بعض القصائد القصيرة وعلى الرغم من كونها قصيرة إلا أنها استطاعت أن تجمع مشاعر حب رائعة، فمثلا كتب قصيدة وعدتك أن لا أحبك، وكان من الرائع ان تختار أن تغنيها المغنية الرائعة اللبنانية “ماجدة الرومي” والتي قال فيها:.
وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ وعدتُكِ أن لا أُحِبَّكِ.. ثُمَّ أمامَ القرار الكبيرِ، جَبُنْت
وعدتُكِ أن لا أعودَ… وعُدْتْ… وأن لا أموتَ اشتياقاً ومُتّْ
وعدتُ مراراً وقررتُ أن أستقيلَ مراراً ولا أتذكَّرُ أني اسْتَقَلتْ…
وعدتُ بأشياء أكبرَ منّي.. فماذا غداً ستقولُ الجرائدُ عنّي؟ أكيدٌ.. ستكتُبُ أنّي جُنِنْتْ.. أكيدٌ..
ستكتُبُ أنّي انتحرتْ وعدتُكِ.. أن لا أكونَ ضعيفاً… وكُنتْ.. وأن لا أقولَ بعينيكِ شعراً.. وقُلتْ… وعدتُ بأَنْ لا … وأَنْ لا.. وأَنْ لا … وحين اكتشفتُ غبائي.. ضَحِكْتْ.
قصيدة حب بلا حدود
حب بلا حدود يا سيدتي: كنتِ أهم امرأةٍ في تاريخي قبل رحيل العام أنتِ الآنَ.. أهمُّ امرأةٍ بعد ولادة هذا العامْ.. أنتِ امرأةٌ لا أحسبها بالساعاتِ وبالأيَّامْ. أنتِ امرأة.. صُنعَت من فاكهة الشِّعرِ.. ومن ذهب الأحلامْ.. أنتِ امرأة.. كانت تسكن جسدي قبل ملايين الأعوامْ.. يا سيِّدتي: يالمغزولة من قطنٍ وغمامْ. يا أمطاراً من ياقوتٍ..
وزاد نزار قائلاً :. يا أنهاراً من نهوندٍ.. يا غاباتِ رخام.. يا من تسبح كالأسماكِ بماء القلب.. وتسكنُ في العينينِ كسربِ حمامْ. لن يتغيرَ شيءٌ في عاطفتي.. في إحساسي.. في وجداني..
وفي إيماني.. فأنا سوف أَظَلُّ على دين الإسلامْ.. يا سيِدتي: لا تَهتّمي في إيقاع الوقتِ وأسماء السنواتْ.
أنتِ امرأةٌ تبقى امرأة.. في كلَِ الأوقات.. سوف أحِبُكِ.. عند دخول القرن الواحد والعشرينَ.. وعند دخول القرن الخامس والعشرينَ.. وعند دخول القرن التاسع والعشرينَ.. وسوفَ أحبُكِ.. حين تجفُ مياهُ البَحْرِ.. وتحترقُ الغاباتْ.. يا سيِدتي: أنتِ خلاصةُ كلِّ الشعرِ.. ووردةُ كلِّ الحرياتْ. يكفي أن أتهجى اسمَكِ.. حتى أصبحَ مَلك الشعرِ.. وفرعون الكلماتْ.. يكفي أن تعشقني امرأةٌ مثلكِ.. حتى أدخُلَ في كتب التاريخِ.. وتُرفعَ من أجلي الراياتْ.. يا سيِدتي: لا تَضطربي مثلَ الطائرِ في زَمَن الأعيادْ. لَن يتغيّرَ شيءٌ منّي. لن يتوقف نهر الحبِ عن الجريانْ. لن يتوقف نَبضُ القلبِ عن الخفقانْ.
وأكمل قائلاً: لن يتوقف حَجَلُ الشعرِ عن الطيرانْ. حين يكون الحبُ كبيراً.. والمحبوبة قمراً.. لن يتحوّل هذا الحُبُّ لحزمَة قَشٍّ تأكلها النيران..
يا سيِدتي: ليس هنالكَ شيءٌ يملأ عَيني لا الأضواءُ.. ولا الزيناتُ.. ولا أجراس العيد.. ولا شَجَر الميلادْ. يا سيدتي لا يعني لي الشارعُ شيئاً. لا تعني لي الحانة شيئاً.
لا يعنيني أي كلامٍ يكتبُ فوق بطاقاتِ الأعيادْ.
يا سيِّدتي: لا أتذكَّرُ إلا صوتُكِ حين تدقُّ نواقيس الآحادْ.
لا أتذكر إلا عطركِ حين أنام على ورق الأعشابْ. لا أتذكر إلا وجهكِ..
حين يهرهر فوق ثيابي الثلج.. وأسمعُ طقطَقة الأحطاب.. ما يُفرِحني يا سيِدتي أن أتكوَّمَ كالعصفور الخائفِ بين بساتينِ الأهدابْ.. ما يَبهرني يا سيِّدتي أن تهديني قلماً من أقلام الحبرِ.. أعانقه.. وأنام سعيداً كالأولاد..
يا سيدتي: كم أتمنى لو أحببتُكِ في عصر التَنويرِ.. وفي عصر التصويرِ.. وفي عصرِ الروَاد كم أتمنّى لو قابلتُكِ يوماً في فلورنسَا أو قرطبةِ أو في الكوفَةِ أو في حَلَبِ أو في بيتٍ من حاراتِ الشامْ.. يا سيِدتي: كم أتمنى لو سافرنا نحو بلادٍ يحكمها الغيتارْ حيث الحبُ بلا أسوار والكلمات بلا أسوار والأحلام بلا أسوار يا سيِدتي: يا سيِّدة الشِعْرِ الأُولى هاتي يَدَكِ اليُمْنَى كي أتخبَّأ فيها.. هاتي يَدَكِ اليُسْرَى.. كي أستوطنَ فيها.. قولي أيَّ عبارة حُبٍ حتى تبتدئَ الأعياد.
شعر نزار قباني عن السياسة
هوامش على دفتر النكسة كانت من أشهر القصائد السياسية التي أثارت الكثير من المشاكل والتي أدت إلى منعها، وتحدث فيها نزار عن الكثير من الأحداث، فقد قال فيها:.
أنعي لكم، يا أصدقائي، اللغةَ القديمه
والكتبَ القديمة
أنعي لكم..
كلامَنا المثقوبَ، كالأحذيةِ القديمة..
ومفرداتِ العهرِ، والهجاءِ، والشتيمة
أنعي لكم.. أنعي لكم نهايةَ الفكرِ الذي قادَ إلى الهزيمه.
مالحةٌ في فمِنا القصائد
مالحةٌ ضفائرُ النساء
والليلُ، والأستارُ، والمقاعد
مالحةٌ أمامنا الأشياء
يا وطني الحزين .. حوّلتَني بلحظةٍ
من شاعرٍ يكتبُ الحبَّ والحنين
لشاعرٍ يكتبُ بالسكين
لأنَّ ما نحسّهُ أكبرُ من أوراقنا .. لا بدَّ أن نخجلَ من أشعارنا
إذا خسرنا الحربَ لا غرابهْ
لأننا ندخُلها..
بكلِّ ما يملكُ الشرقيُّ من مواهبِ الخطابهْ .. بالعنترياتِ التي ما قتلت ذبابهْ
لأننا ندخلها..
بمنطقِ الطبلةِ والربابهْ
السرُّ في مأساتنا
صراخنا أضخمُ من أصواتنا .. وسيفُنا أطولُ من قاماتنا
خلاصةُ القضيّهْ
توجزُ في عبارهْ
لقد لبسنا قشرةَ الحضارهْ .. والروحُ جاهليّهْ…
بالنّايِ والمزمار.. لا يحدثُ انتصار
كلّفَنا ارتجالُنا .. خمسينَ ألفَ خيمةٍ جديدهْ
لا تلعنوا السماءْ
إذا تخلّت عنكمُ..
لا تلعنوا الظروفْ
فالله يؤتي النصرَ من يشاءْ
وليس حدّاداً لديكم.. يصنعُ السيوفْ
يوجعُني أن أسمعَ الأنباءَ في الصباحْ
يوجعُني.. أن أسمعَ النُّباحْ..
ما دخلَ اليهودُ من حدودِنا
وإنما.. تسرّبوا كالنملِ.. من عيوبنا
خمسةُ آلافِ سنهْ..ونحنُ في السردابْ
ذقوننا طويلةٌ.. نقودنا مجهولةٌ
عيوننا مرافئُ الذبابْ
يا أصدقائي: جرّبوا أن تكسروا الأبوابْ
أن تغسلوا أفكاركم، وتغسلوا الأثوابْ
يا أصدقائي: جرّبوا أن تقرؤوا كتابْ..
أن تكتبوا كتابْ
أنْ تزرعوا الحروفَ، والرُّمانَ، والأعنابْ
فالناسُ يجهلونكم.. في خارجِ السردابْ
الناسُ يحسبونكم نوعاً من الذئابْ.
جلودُنا ميتةُ الإحساسْ .. أرواحُنا تشكو منَ الإفلاسْ
أيامنا تدورُ بين الزارِ، والشطرنجِ، والنعاسْ
هل نحنُ “خيرُ أمةٍ قد أخرجت للناسْ” ؟
كانَ بوسعِ نفطنا الدافقِ بالصحاري
أن يستحيلَ خنجراً.. من لهبٍ ونارِ..
لكنهُ.. واخجلةَ الأشرافِ من قريشٍ
وخجلةَ الأحرارِ من أوسٍ ومن نزارِ
يراقُ تحتَ أرجلِ الجواري.
نركضُ في الشوارعِ
نحملُ تحتَ إبطنا الحبالا..
نمارسُ السَحْلَ بلا تبصُّرٍ
نحطّمُ الزجاجَ والأقفالا..
نمدحُ كالضفادعِ نشتمُ كالضفادعِ
نجعلُ من أقزامنا أبطالا..
نجعلُ من أشرافنا انذالا.. نرتجلُ البطولةَ ارتجالا..
نقعدُ في الجوامعِ..
تنابلاً.. كُسالى
نشطرُ الأبياتَ، أو نؤلّفُ الأمثالا..
ونشحذُ النصرَ على عدوِّنا..
من عندهِ تعالى…
لو أحدٌ يمنحني الأمانْ.. لو كنتُ أستطيعُ أن أقابلَ السلطانْ
قلتُ لهُ: يا سيّدي السلطانْ
كلابكَ المفترساتُ مزّقت ردائي
ومخبروكَ دائماً ورائي..
عيونهم ورائي.. أنوفهم ورائي.. أقدامهم ورائي..
كالقدرِ المحتومِ، كالقضاءِ يستجوبونَ زوجتي
ويكتبونَ عندهم.. أسماءَ أصدقائي..
يا حضرةَ السلطانْ .. لأنني اقتربتُ من أسواركَ الصمَّاءِ
لأنني.. حاولتُ أن أكشفَ عن حزني.. وعن بلائي
ضُربتُ بالحذاءِ..
أرغمني جندُكَ أن آكُلَ من حذائي
يا سيّدي..يا سيّدي السلطانْ
لقد خسرتَ الحربَ مرتينْ
لأنَّ نصفَ شعبنا.. ليسَ لهُ لسانْ
هذا هو شعر نزار قباني علاوة على هذا فقد حدثت الكثير من الأحداث المؤلمة في حياة نزار قباني والتي كان منها موت زوجته بلقيس، ومن بعدها موت ابنه توفيق، وقد وافته المنية عن عمر ناهز الـ 75 عاماً في 30 أبريل 1998، وترك ورائع الكثير من القصائد التي لا يمل من قراءتها.