امرؤ القيس: رائد الشعر الجاهلي فهو من استطاع أن يجمع ما بين اتقانه للشعر وطريقته في المديح علاوة على الهجاء، عرف بـ امرؤ القيس بن حجر بن الحارث الكندي، أخذ الشعر من المهلهل وهو أخ أمه، وقامت قبيلته بقتل أبيه، فلم يسكت بل قام بالثأر لأبيه منهم، سخط عليه حكومة فارس، وأنتهى به الحال الى الروم ليوليه قيصر الروم إمارة فلسطين، ومن ثم مات في مدينة أنقره له العديد من القصائد التي سنتناول بعضها.
امرؤ القيس: رائد الشعر الجاهلي
سما لكَ شوقٌ بعدما كان أقصر
وحلتْ سليمي بطن قو فعرعرا
كِنَانِيّةٌ بَانَتْ وَفي الصَّدرِ وُدُّهَا
مجاورة غسان والحي يعمرا
بعَيْنيَّ ظَعْنُ الحَيّ لمّا تَحَمّلُوا
لدى جانبِ الأفلاجِ من جنبِ تيمُرَا
فشَبّهتُهُم في الآل لمّا تَكَمّشُوا
حدائق دوم أو سفيناً مقيرا
أوِ المُكْرَاعاتِ من نَخيلِ ابنِ يامِنٍ
دوينَ الصفا اللائي يلينَ المشقرا
سوامقَ جبار أثيثٍ فروعه
وعالين قنواناً من البسر أحمرا
حمتهُ بنوا الربداء من آل يامن
بأسيافهم حتى أقر وأوقرا
وأرضى بني الربداءِ واعتمَّ زهوهُ
وأكمامُهُ حتى إذا ما تهصرا
أطَافَتْ بهِ جَيْلانُ عِنْدَ قِطَاعِهِ
تَرَدّدُ فيهِ العَينُ حَتى تَحَيّرَا
كأن دمى سقف على ظهر مرمر
كسا مزبد الساجوم وشياً مصورا
غَرَائِرُ في كِنٍّ وَصَوْنٍ وَنِعْمَة ٍ
يحلينَ يا قوتاً وشذراً مفقرا
وريح سناً في حقة حميرية
تُخَصّ بمَفرُوكٍ منَ المِسكِ أذْفَرَا
وباناً وألوياً من الهند داكياً
وَرَنْداً وَلُبْنى وَالكِبَاءَ المُقَتَّرَا
غلقن برهن من حبيب به ادعت
سليمى فأمسى حبلها قد تبترا
وَكانَ لهَا في سَالِفِ الدّهرِ خُلّةً
يُسَارِقُ بالطَّرْفِ الخِبَاءَ المُسَتَّرَا
إذا نَالَ مِنْها نَظَرَة ً رِيعَ قَلْبُهُ
كما ذرعت كأس الصبوح المخمرا
نزيف إذا قامت لوجه تمايلت
تراشي الفؤاد الرخص ألا تخترا
أأسماءُ أمسى ودُها قد تغيرا
سَنُبدِلُ إنْ أبدَلتِ بالوُدِّ آخَرَا
تَذَكّرْتُ أهْلي الصّالحينَ وَقد أتَتْ
على خملى خوصُ الركابِ وأوجرا
فَلَمّا بَدَتْ حَوْرَانُ في الآلِ دونها
نظرتَ فلم تنظر بعينيك منظرا
تقطع أسبابُ اللبانة ِ والهوى
عَشِيّة َ جَاوَزْنَا حَمَاة ً وَشَيْزَرَا
بسير يضجّ العودُ منه يمنه
أخوا لجهدِ لا يلوى على من تعذّرا
ولَم يُنْسِني ما قَدْ لَقِيتُ ظَعَائِناً
وخملا لها كالقرّ يوماً مخدراً
كأثل من الأعراض من دون بيشة
وَدونِ الغُمَيرِ عامِدَاتٍ لِغَضْوَرَا
فدَعْ ذا وَسَلِّ الهمِّ عنكَ بجَسْرَة ٍ
ذَمُولٍ إذا صَامَ النَّهارُ وَهَجّرَا
تُقَطَّعُ غِيطَاناً كَأنّ مُتُونَهَا
إذا أظهرت تُكسي ملاءً منشرا
بَعِيدَة ُ بَينَ المَنْكِبَينِ كَأنّها
ترى عند مجرى الظفر هراً مشجراً
تُطاير ظرَّانَ الحصى بمناسم
صِلابِ العُجى مَلثومُها غيرُ أمعَرَا
امرؤ القيس: رائد الشعر الجاهلي
يتميز الشعر الجاهلي بالكثير من الميزات التي جعلت منه شعر لا ينسى عبر التاريخ، فهو يتميز بأفكاره ومعانيه الراقية، علاوة على المحسنات البديعية بل وأيضاً السجع، وصدق عاطفة الشاعر، وكان أمرؤ القيس أحد هؤلاء الرواد في مجال الشعر والشعراء، فقال:.
أَلا اِنعِم صَباحاً أَيُّها الرَبعُ وَاِنطِقِ
وَحَدِّث حَديثَ الرَكبِ إِن شِئتَ وَاِصدُقِ
وَحَدِّث بِأَن زالَت بِلَيلٍ حُمولُهُم
كَنَخلٍ مِنَ الأَعراضِ غَيرِ مُنَبِّقِ
جَعَلنَ حَوايا وَاِقتَعَدنَ قَعائِداً
وَخَفَّفنَ مِن حَوكِ العِراقِ المُنَمَّقِ
وَفَوقَ الحَوايا غِزلَةٌ وَجَآذِرٌ
تَضَمَّخنَ مِن مِسكٍ ذَكِيٍّ وَزَنبَقِ
فَأَتبَعتُهُم طَرفي وَقَد حالَ دونَهُم
غَوارِبُ رَملٍ ذي أَلاءٍ وَشَبرَقِ
عَلى إِثرِ حَيٍّ عامِدينَ لِنِيَّةٍ
فَحَلّوا العَقيقَ أَو ثَنِيَّةَ مُطرِقِ
فَعَزَّيتُ نَفسي حينَ بانوا بِحَسرَةٍ
أَمونٍ كَبُنيانِ اليَهودِيِّ خَيفَقِ
إِذا زَجَرَت أَلفَيتُها مُشمَعِلَّةً
تُنيفُ بِعَذقٍ مِن غُروسِ اِبنِ مُعنِقِ
تَروحُ إِذا راحَت رَواحَ جَهامَةٍ
بِإِثرِ جَهامٍ رائِحٍ مُتَفَرِّقِ
كَأَنَّ بِها هِراً جَنيباً تَجُرُّهُ
بِكُلِّ طَريقٍ صادَفَتهُ وَمَأزِقِ
كَأَنّي وَرَحلي وَالقِرابَ وَنُمرُقي
عَلى يَرفَئِيٍّ ذي زَوائِدَ نَقنَقِ
تَرَوَّحَ مِن أَرضٍ لِأَرضٍ نَطِيَّةٍ
لِذِكرَةِ قَيضٍ حَولَ بَيضٍ مُفَلَّقِ
يَجولُ بِآفاقِ البِلادِ مُغَرِّباً
وَتُسحِقُهُ ريحُ الصَبا كُلَّ مُسحَقِ
وَبَيتٌ يَفوحُ المِسكُ في حُجُراتِهِ
بَعيدٍ مِنَ الآفاتِ غَيرِ مُرَوَّقِ
دَخَلتُ عَلى بَيضاءَ جُمٍّ عِظامُها
تُعَفّي بِذَيلِ الدِرعِ إِذ جِئتُ مودَقي
وَقَد رَكَدَت وَسطَ السَماءِ نُجومُها
رُكودَ نَوادي الرَبرَبِ المُتَوَرِّقِ
وَقَد أَغتَدي قَبلَ العُطاسِ بِهَيكَلٍ
شَديدٍ مَشَكِّ الجَنبِ فَعمِ المُنَطَّقِ
بَعَثنا رَبيئاً قَبلَ ذاكَ مُحَمَّلاً
كَذِئبِ الغَضى يَمشي الضَراءَ وَيَتَّقي
فَظَلَّ كَمِثلِ الخَشفِ يَرفَعُ رَأسَهُ
وَسائِرُهُ مِثلُ التُرابِ المُدَقَّقِ
فَجاءَ خَفِيّاً يَسفِنُ الأَرضَ بَطنُهُ
تَرى التُربَ مِنهُ لاصِقاً كُلَّ مَلصَقِ
وقال أمرؤ القيس:.
أَلا إِلّا تَكُن إِبِلٌ فَمِعزى
كَأَنَّ قُرونَ جُلَّتِها العِصِيُّ
وَجادَ لَها الرَبيعُ بِواقِصاتٍ
فَآرامٍ وَجادَ لَها الوَلِيُّ
إِذا مُشَّت حَوالِبُها أَرَنَّت
كَأَنَّ الحَيَّ صَبَّحَهُم نَعِيُّ
تَروحُ كَأَنَّها مِمّا أَصابَت
مُعَلَّقَةٌ بِأَحقَيها الدُلِيُّ
فَتوسِعُ أَهلَها أَقِطاً وَسَمناً
وَحَسبُكَ مِن غِنى شِبعٌ وَرِيُّ
أشعار امرؤ القيس في الهجاء
كتب امرؤ القيس الكثير من القصائد المتنوعة، كتب في المدح والعامية والهجاء وكان له الكثير في هذا النوع من الشعر فقد قال:.
دَع عَنكَ نَهباً صيحَ في حَجَراتِهِ
وَلَكِن حَديثاً ما حَديثُ الرَواحِلِ
كَأَنَّ دِثاراً حَلَّقَت بِلَبونِهِ
عُقابُ تَنوفى لا عُقابُ القَواعِلِ
تَلَعَّبَ باعِثٌ بِذِمَّةِ خالِدٍ
وَأَودى عِصامٌ في الخُطوبِ الأَوائِلِ
وَأَعجَبَني مَشيُ الحُزُقَّةِ خالِدٌ
كَمَشيِ أَتانٍ حُلِّئَت بِالمَناهِلِ
أَبَت أَجَأٌ أَن تُسلِمَ العامَ جارَها
فَمَن شاءَ فَليَنهَض لَها مِن مُقاتِلِ
تَبيتُ لُبونى بِالقُرَيَّةِ أُمُّناً
وَأَسرَحَنا غَبّاً بِأَكنافِ حائِلِ
بَنو ثُعَلٍ جِيرانُها وَحُماتُها
وَتَمنَعُ مِن رُماةِ سَعدٍ وَنائِلِ
تُلاعِبُ أَولادَ الوُعولِ رِباعُها
دُوَينَ السَماءِ في رُؤوسِ المَجادِلِ
مُكَلَّلَةً حَمراءَ ذاتَ أَسِرَّةٍ
لَها حُبُكٌ كَأَنَّها مِن وَصائِلِ
امرؤ القيس وقصائد في الغزل والحب
لم يتوقف هذا الشاعر عند نوع معين من الشعر والقصائد، بل استطاع ان يكتب في الغزل والحب والشوق، فأبداع بكتاباته عندما قال:.
أَلا عِم صَباحاً أَيُّها الطَلَلُ البالي
وَهَل يَعِمَن مَن كانَ في العُصُرِ الخالي
وَهَل يَعِمَن إِلّا سَعيدٌ مُخَلَّدٌ
قَليلُ الهُمومِ ما يَبيتُ بِأَوجالِ
وَهَل يَعِمَن مَن كانَ أَحدَثُ عَهدِهِ
ثَلاثينَ شَهراً في ثَلاثَةِ أَحوالِ
دِيارٌ لِسَلمى عافِياتٌ بِذي خالٍ
أَلَحَّ عَلَيها كُلُّ أَسحَمَ هَطّالِ
وَتَحسِبُ سَلمى لا تَزالُ تَرى طَلّاً
مِنَ الوَحشِ أَو بيضًا بِمَيثاءِ مِحلالِ
وَتَحسِبُ سَلمى لا نَزالُ كَعَهدِنا
بِوادي الخُزامى أَو عَلى رَسِ أَوعالِ
لَيالِيَ سَلمى إِذ تُريكَ مُنَصَّباً
وَجيداً كَجيدِ الرِئمِ لَيسَ بِمِعطالِ
أَلا زَعَمَت بَسباسَةُ اليَومَ أَنَّني
كَبِرتُ وَأَن لا يُحسِنُ اللَهوَ أَمثالي
كَذَبتِ لَقَد أَصبى عَلى المَرءِ عِرسُهُ
وَأَمنَعُ عِرسي أَن يُزَنَّ بِها الخالي
وَيا رُبَّ يَومٍ قَد لَهَوتُ وَلَيلَةٍ
بِآنِسَةٍ كَأَنَّها خَطُّ تِمثالِ
يُضيءُ الفِراشُ وَجهَها لِضَجيعِها
كَمِصباحِ زَيتٍ في قَناديلِ ذَبّالِ
كَأَنَّ عَلى لَبّاتِها جَمرَ مُصطَلٍ
أَصابَ غَضاً جَزلاً وَكَفَّ بِأَجزالِ
وَهَبَّت لَهُ ريحٌ بِمُختَلَفِ الصَوا
صَباً وَشِمالٌ في مَنازِلِ قَفّالِ
وَمِثلُكِ بَيضاءَ العَوارِضِ طِفلَةٍ
لَعوبٍ تُنَسّيني إِذا قُمتُ سِربالي
إِذا ما الضَجيعُ اِبتَزَّها مِن ثِيابِها
تَميلُ عَلَيهِ هَونَةً غَيرَ مِجبالِ
كَحَقفِ النَقا يَمشي الوَليدانِ فَوقَهُ
بِما اِحتَسَبا مِن لينِ مَسٍّ وَتَسهالِ
لَطيفَةُ طَيِّ الكَشحِ غَيرُ مُفاضَةٍ
إِذا اِنفَلَتَت مُرتَجَّةً غَيرَ مِتفالِ
تَنَوَّرتُها مِن أَذرُعاتٍ وَأَهلُها
بِيَثرِبَ أَدنى دارَها نَظَرٌ عالِ
نَظَرتُ إِلَيها وَالنُجومُ كَأَنَّها
مَصابيحُ رُهبانٍ تَشُبُّ لِقَفّالِ
سَمَوتُ إِلَيها بَعدَ ما نامَ أَهلُها
سُموَّ حَبابِ الماءِ حالاً عَلى حالِ
فَقالَت سَباكَ اللَهُ إِنَّكَ فاضِحي
أَلَستَ تَرى السُمّارَ وَالناسَ أَحوالي
فَقُلتُ يَمينَ اللَهِ أَبرَحُ قاعِداً
وَلَو قَطَعوا رَأسي لَدَيكِ وَأَوصالي
حَلَفتُ لَها بِاللَهِ حِلفَةَ فاجِرٍ
لَناموا فَما إِن مِن حَديثٍ وَلا صالِ
فَلَمّا تَنازَعنا الحَديثَ وَأَسمَحَت
هَصَرتُ بِغُصنٍ ذي شَماريخَ مَيّالِ
وَصِرنا إِلى الحُسنى وَرَقَّ كَلامُنا
وَرُضتُ فَذَلَّت صَعبَةٌ أَيَّ إِذلالِ
فَأَصبَحتُ مَعشوقاً وَأَصبَحَ بَعلُها
عَلَيهِ القَتامُ سَيِّئَ الظَنِّ وَالبالِ
يَغُطُّ غَطيطَ البَكرِ شُدَّ خِناقُهُ
لِيَقتُلَني وَالمَرءُ لَيسَ بِقَتّالِ
أَيَقتُلُني وَالمَشرَفِيُّ مُضاجِعي