حوار مع الكاتبة شيرين سامي .. كاتبة مبدعة، تكتب بشغف الروح، كمن يفتح الباب للفراشات لتلون الحياة، ترسم بالكتابة لوحة بديعة بريشة الإحساس المرهف الذي هو هبة للفنان الحقيقي، تتجلى موهبتها مع كل عمل جديد، وكأنها سلسلة من الأعمال التي تجمعها روح واحدة كقطع صغيرة من البازل تجمعها فترى لوحة بديعة لإمرأة مُشرقة أحبت الحياة فأحبتها..
ومعها كان لنا هذا الحوار
حوار مع الكاتبة شيرين سامي
س/ ماذا تعني الكتابة لشيرين سامي؟
- أحببت الكتابة في كل المراحل لكن فيما سبق كانت مرتبطة عندي بالقلق الخوف والإضطراب، لكن فيما بعد حدث نوع من التصالح معها، كنت أكتب كأنني اقوم بعمل سري، لكن بعد أن تصالحت معها صارت الكتابة هي الإستمتاع؛سواء فعل الكتابة نفسه او حتى الكلام عن الكتابة كل ماله علاقة بها صار يمتعني.
الكتابة تمثل لي الراحة النفسية، عندما انتهى من الكتابة كأنني أنهيت جلسة علاج نفسي؛ حتى لو لم يكن ما اكتبه شيئا شخصيا، لكن فعل الكتابة نفسه أشبه بعلاج نفسي، عندما انتهى منه كأنني ازلت جبلا عن قلبي..
- كان كتابك الأول المجموعة القصصية “كتاب بنكهة مصر” كيف جاءت فكرة المجموعة وكيف أتخذتي قرار النشر؟
- جاءت فكرة المجموعة القصصية من التدوين، كنت اكتب في مدونتي”حدوتة مصرية” تدوينات شخصية وقصص قصيرة أيضا ،واستمر ذلك قبل الثورة بسنوات، وكان هناك الكثير من الناس في هذا الوقت تقترح على أن انشر؛ وبعد ٢٥ يناير كان لدينا شعور اننا نريد تحقيق أحلامنا وان المستحيل ممكن وكل هذة المشاعر الصادقة والحقيقة في وقتها، ومدفوعة بهذة المشاعر فكرت ان انشر المجموعة القصصية.
وكان هناك مسابقة “النشر لمن يستحق” إقامتها دار نشر وقدمت بها وقبلت، وكانت سعادة بالنسبة لي أن انشر اول أعمالي.
س/ ما الفرق بين كتابة القصص القصيرة وبين كتابة الرواية؟ واي نوع هو الأقرب لقلبك؟
أنا كان داخلي رواية حتى قبل أن اكتب المجموعة القصصية، يمكن انه لم يكن لدي الجرأة لأكتب رواية، لهذا بدأت بالقصص التي كنت اكتبها منذ كنت طالبة في الكلية؛ وكنت أحضر “نادي القصة” في نادي الصيد مما ساعدني من خلال النقد والتوجيه لي ولزملائي، عرفت تكنيك القصة؛ لكن عندما كتبت الرواية احببتها أكثر..
الفرق بين الرواية والقصة..
فرق تقني، القصة القصيرة تركز على موقف بعينه كعدسة مكبرة، أو تسلط الضوء على شعور أو موقف معين
لكن الرواية مجموعة كبيرة من الأحداث وقصة وحبكة وشخصيات وعالم كبير، وجدت نفسي اكثر في الرواية واحببت عوالمها وتداخل الأحداث والشخصيات.
“كل النساء حنّة، وحنّة كل النساء، هي الفتاة ذات الجديلتين والثوب الخفيف الذي يكشف إنحناءات جسد رقيق، لها قلب بإتساع السماء لكنه منهوب كأرض مستباحة، يمتطيه الحبيب بخيلاء، رغم أنه مخدوش وبه جرح ينزف باستمرار، ولها تجويف يشغل الجميع في بطنها يسمونه رحمًا، عيينيها الكحيلتين لهما نظرة ساحرة تتقد بالغباء لأنها تُحِب”
- هل كل” حنة ” تكون غبية حين تُحب، أم أن هناك” حنة “تُحب مُبصرة، تُحب بذكاء؟
- اكيد ليست كل” حنة” غبية، لكن” حنة ” في الرواية كانت نموذج للشخصية الغبية في الحب وهي تشبه شخصيات كثيرة حولنا، التي يقودها قلبها ويوقعها في المحظورات ويسبب لها عذاب نفسي، ويكون تخطي التجربة أصعب من التجربة نفسها.
لكن الحب مسألة كبيرة لا أقدر أن أقول أن الشخص المحب ذكي أو غبي لأن الاثنين يحبون كل بطريقته، وكل قصة حب لها خصوصيتها الشديدة جدا..
س/ هل ما زالت كل” حنة” في مجتمعنا تحت رحمة أحكام وقواعد المجتمع المتوارثة؟
أغلب النساء مازالوا تحت حكم الأعراف والقواعد المجتمعية، ليس فقط في القرى لكن في المدن أيضا وفي الدول العربية عموما، أحيانا أشعر أن هذا في العالم كله ليس هنا فقط؛ هناك أشياء من الصعب أن تتخطاها المرأة إلى الآن، حتى لو كان الظاهر انها غير خاضعة لتلك القواعد والضغوط الإجتماعية لكن نفسيا هي تواجهها مع اوساط إجتماعية وبيئات مختلفة تقابلهم كل يوم في العمل وفي الشارع وفي كل مكان..
” وأخيرًا تمردت وكان قرارها الأخير بهجرة للبحث عن ذاتها والتخلّص من دور الدُمية، وكلِمتها الأخيرة كانت “وداعًا“”
- هل تكفى إرادة” الفراشة” لتحرير قيدها، أم انها أضعف من أن تفعل وحدها؟
- أنا أحب رواية قيد الفراشة لأنها اول رواية أكتبها وهي الرواية التي كانت بداخلي قبل أن اكتب اي شيء.
لا أعتقد أن الإرادة تكفى أو المساعدات الخارجية، نحن نقابل أشخاص في حياتنا، دون قصد يكونوا ملهمين لنا ويجعلونا نُبصر اشياء معينه.
لو أننا ليس لدينا الإرادة ولسنا مغمورين بالكامل في العالم والمجتمع لن نتمكن من التمرد وستظل القيود؛ لا بد من الاثنين سويا الإرادة وان نكون مغمورين بالكامل في العالم لنقابل الإلهام، الأماكن، الأشخاص، الأحداث، وكل ما يجعلنا قادرين على أن نفهم ونُبصر ونتمرد لنتخلص من القيود.
“لم أكن أعرف أن بحثي عن نفسي يعني فقداني لها، حاولت أن أعيش دون أن أفكّر في ما أفعله، دون أن أعرف ما عليّ أن أفعله وما يجدر بي فعله، كافحت حتى أكون مثل الجميع، عانيت حتى لا أصغي لقلبي، لكن الشغف سحبني من أطراف ثيابي ومشيت فوق آلامي وعجزي وتحركت عكس علامات الطريق، من الظل إلى الشمس”
- هل كل من ذاق عرف أن يجد نفسه بعد تيه؟ وكيف تبدو ملامح الطريق من الظل إلى الشمس ؟
- اعتقد ان كل من ذاق عرف، كل إنسان تذوق شيئا من الحب، من الألم، من الوحدة، الغُربة، من اي مشاعر هو فعلا تذوقها وأدركها وعرفها يمكن أن يتكلم عنها ويواجهها؛ الفكرة في من لا يعرف أو من لا يدرك، هل سيتمكن أن يتذوق أحدهم شيئا دون أن يعرف، ممكن، لكن هو في تلك الحالة لا يريد من داخله أن يعرف، هو من يضع غشاء على عينيه، لا يريد أن يرى، لو أراد وهو بالفعل عاش هذة الحالة فهو اكيد سيدرك ويعرف.
ملامح الطريق من الظل إلى الشمس هي الإبصار ورؤية النور، رؤية الأشياء كما هي لا كما نتخيلها..
” كان يجب أن ألغي من قاموسي فكرة وجود إنسان أطلبه فأجده، كان يجب أن أدرك أنني انا الملجأ، انا ابي وامي وأخي وصديقي، انا الحل لمشكلتي وأنا مشكلتي”
- هل فكرة الإستقلال والتخلي عن إنتظار عون يمكن أن تكون السبيل لتفلت أي حواء من الحجرات التي اضاعت نفسها الحقيقية بها؟
- في الحجرات ليس فكرة الإستقلال أو التخلي عن العون بالذات، هي فكرة مُهمة من ضمن الأفكار التي أشرت لها في الحجرات، لكن اكيد العون موجود ولو بشكل غير مقصود، معنوي، أو لو غير موجود نهائيا؛ انا ارى أن كل إنسان ليتخطى مشكلة في حياته وليجد طريقه ويصل لنفسه لا بد أن يعتمد على نفسه كلية، هو من يصبر نفسه، ويثقف نفسه، ويبحث لنفسه عن نفسه؛ لو ظل معتمدا على الآخرين، يشكو تقصير الناس معه وبعدهم عنه لن يصل. لا بد أن يكون داخل كل إنسان عائلته الكامله، لا ينتظر شيئا من احد، فالناس كل منشغل بحياته لذا عليه أن يركز في حياته ويكون العون لنفسه..
الروايات كأنها تكمل بعضها وأعتقد أن الحجرات هي النقطة التي وضعتها في هذا المشروع الأدبي
- كتاب ١٥٤ طريقة لقول أفتقدك، تجربة مختلفة لشيرين سامي فماذا يعني لك؟
- هو فاكهة كتبي، ومن أقربها لقلبي لانه أتى في توقيت في حياتي كنت بحاجة لسبب للفرحة وكان هو الفرحة التي دخلت حياتي في هذا الوقت.
تصميمه المختلف أسعدني، وكل خطوة في عمله كانت فرحة كبيرة، لم يكن فيها عذاب أو تعب كتابة الروايات ومنطقية الأحداث بأن افكر واعيد أكثر من مرة، لكنه كتاب كتب ببساطة لم يتعبني، كل النصوص به مشاعر حقيقية عشتها فعلا، كان من الممكن أن أقف بالسيارة في الطريق لأكتب نص من النصوص
فهذه النصوص هي انا، والغلاف والرسومات وكل شئ في هذا الكتاب قريب من روحي.
س/ تعاني المبدعات دائما من محاولة الربط بين شخصيتها الحقيقة وحياتها وبين أبطال رواياتها، فهل واجهت مثل هذا، وكيف تعاملتي معه؟
- طبعا، منذ زمن أواجه فكرة ان ما اكتبه هو حياتي الشخصية، ولم أتمكن من إنكار هذا بشكل نهائي، لأنني أضع جزء من شخصيتي وحياتي في رواياتي..
فهذه ليست حياتي كامله، وليست انا فقط، لكن هو جزء من روحي، ربما عشته بشكل مختلف، مشاعر لموقف مختلف قد يكون في عملي مثلا ولكن اوظف مشاعر الألم في الرواية بشكل مختلف
فنحن نطبق مشاعرنا التي عشناها وربما بعض حياتنا في الروايات وهذا ليس عيب ولا مشكلة فيه، المشكلة في فكرة الربط العام وهذا أصبحت اتجاهله منذ زمن، في البداية كان يضايقني ويشغلني أو يعني لي شيئا لكن بالوقت أصبح لا يعني لي، لأن الشخصيات مختلفة والمعاناة مختلفة والقصص مختلفة.
حتى ما اكتبه على الفيس بوك احيانا حزين، أحيانا مبهج، وأحيانا حب، وأحيانا فراق.. فأكيد أنني لم أعش كل القصص التي اكتبها، لكن الكاتب يعيش حيوات كثيرة لأن لديه خيال ومخيله ينقل بها مشاعر أخرى للناس..
س/ ماهي مشروعاتك الإبداعية القادمة؟
- قريبا سيصدر لي اول رواية لليافعين وانا سعيدة جدا، نعمل عليها الآن في التحرير وفي إنتظار نزولها قريبا.
روايات الكبار متوقفه قليلا لدي الفكرة وبدأت فيها لكن لإنشغالي بمشاريع أخرى اوقفتها مؤقتا..
س/ إلى ماذا تطمح شيرين من الكتابة؟ وما الرسالة التي تحلم أن تصل بها إلى القارئ؟
- اطمح من الكتابة أن أكون سعيدة فأنا اكتب لأشعر بالسعادة..
الرسالة التي اطمح ان اصل بها للقارئ؛ انك لست وحدك، وأنه لا يوجد شر مطلق أو خير مطلق..
أقول له تعاطف مع الآخرين لأن هناك جوانب أخرى في حياتهم لا تعرفها..
أريد أن أقول له أن احيانا تكون الروايات حقيقيه وأحيانا تكون الحقيقة أغرب من الروايات.
عندما يقرأ القارئ ويشعر أن كلام الكاتب لمسه هذا اكثر ما يسعدني ان يقول لي أحدهم انتِ كتبتيني، أو كيف عرفتي حياتي
هذة سعادتي أن اصل للقراء.
حوار/
شيماء أحمد
إقرأ أيضًا